قصة الكوبري النائم على الطريق!

كوبري مشاة الثلاجة وسقوطه المثير

 

النقطة الأكثر وضوحاً في قصة سقوط كوبري المشاة على طريق مصر الإسكندرية الزراعي، فجر الخميس، 16 فبراير 2023، هي الصورة التي تم التقاطها للكوبري صباح هذا اليوم، وظهر فيها مستقراً على الأرض، فالتفاصيل المتوفرة عن الحادثة قليلة، ومثيرة للتساؤلات.

وعندما تشاهد صورة الكوبري وهو ممدد بعرض الطريق الواسع في الاتجاهين، قد لا تتصور أن هذه الوضعية حصلت بسبب أنه سقط من ارتفاع 4 أمتار لاصطدام ونش يحمل لودر به.

الكوبري، وهو نائم على الطريق، يبدو جسمه المعدني سليماً، دون تهشمات، أو انفصال أجزاء منه وتناثرها في المكان، وهو بهذه الحالة كما لو كان تم إنزاله من مكانه المرتفع بواسطة أوناش حتى يجلس على الأرض بهذه الكيفية الغريبة.

سقوط غريب

وحتى تتضح الغرابة، عليك أن تتخيل ماذا يمكن أن يحدث عندما يمر الونش الذي يحمل لودر – وهما معدتان ثقيلتان جداً – أسفل كوبري لعبور المشاة وزنه 120 طناً، مصنوع من المعدن، ويصطدم به؟

المؤكد أن الكوبري لن يستقر في مكانه، فقد يهتز بعنف، ويختل توازنه بشدة، وَيَطِيح في الهواء، وتتطاير أجزاء منه هنا وهناك، أما أن يسقط كما هو بحالته وبكامل طوله على الأرض سقوطاً حراً دون أن ينحرف يميناً أو يساراً، وفق ما رأيناه، فهذا مدهش حقاً.

التفسير الرسمي يقول إن الونش الذي يحمل اللودر اصطدم بالكوبري وهرب، أي رغم الاصطدام الذي يكون عنيفاً بطبيعة الحال فإن الكوبري سقط من علٍ ووقع على الأرض وظل على حالته مثلما كان معلقاً في الهواء ولم يتضرر، والونش وجد طريقه سالكة واختفى.

وبعد ساعات جاء البيان التالي عن ضبط سائق الونش الهارب، دون ذكر أي تفاصيل عن اسم هذا السائق، وكيف تم ضبطه؟ وأين كان مختفياً أو مختبئاً؟ وهل أصيب أم لا؟ وكيف وقعت الحادثة؟ وكيف أفلت من سقوط الكوبري عليه وهو داخل الونش لحظة الاصطدام؟ فلا معلومات قيلت منذ يوم الواقعة وحتى كتابة هذا المقال مساء الأحد الماضي.

وإذا كانت رواية الجهة المعنية صحيحة، فالتفسير هنا أن تنفيذ الكوبري يشوبه فساد، والأعمدة الخرسانية التي تحمله ليست قوية ولا قدرة لها على التحمل، فانهارت سريعاً مع الاصطدام، وهذا يتطلب محاسبة المسؤولين عما حدث أياً كانوا.

إعلام ضعيف في التغطية

نلاحظ أن تعامل وسائل الإعلام مع الحادثة كان تقليدياً بلا روح، كلها اعتمدت على نص خبر واحد تم تمريره بين المحررين، فما تقرأه في هذه الجريدة، تجده في ذلك الموقع، وتسمعه في هذه القناة، والخبر المتداول ضعيف وركيك، وهذه مشكلة الإعلام حالياً، ليس في معالجة هذه الواقعة فقط، إنما خلال التعامل اليومي محدود المهنية في تغطية مختلف الأحداث والفعاليات والأنشطة والمتابعات، فلم يعد هناك المحرر النابه (الصنايعي) المشغول بجمع المعلومات والتفاصيل والإجابة عن كل الأسئلة التي يفجرها الحدث مثار التغطية والبحث فيما وراءه ومناقشة مسؤولين ومتخصصين وشهود عيان لبناء قصة خبرية وافية مقنعة مهنية.

وحتى لا نظلم المحرر فإنه قد يكون موجوداً، لكن الاجتهاد لإنتاج عمل مميز قد لا يكون بمقدوره، فالكل يعمل وفق توجيهات جهاز السامسونغ، وحيثما تغيب الحرية والاستقلالية فلا تسأل عن إعلام جاد، إنما نشرات دعائية.

لهذا يواصل الإعلام نزيف خسائره للجمهور، وتغيب الحقيقة، فلا يعرف أحد وجهاً صادقاً لها، ولا نذراً يسيراً منها، ويكون الغموض هو سيد الموقف، وهذا يفتح الباب واسعاً لاجتهادات على مواقع التواصل؛ قليلها قريب من الصحة، وكثيرها غارق في التأليف والتضليل.

ليس حالة عابرة

الكوبري الذي سقط فجراً في ظروف ضبابية أو معتمة، لم تبددها معلومات شفافة حتى الآن مرتبط بكوبري خرساني أٌنشئ حديثاً في نفس المكان، والكوبري الخرساني خدم حركة سير المركبات، مثلما أن كوبري المشاة ضرورة للناس لأن الطريق ذو اتجاهين ومحاولة عبوره خطيرة ومميتة.

وسقوط هذا الكوبري، وهناك مئات الكباري مثله مُقامة على هذا الطريق، وفي طرق أخرى في عموم مصر، لا يجب النظر إليه باعتباره حالة فردية وحادثة عابرة بسيطة.

أبداً، فلو كان الاصطدام والسقوط جرى مع بداية النهار وتكدس السيارات على هذا الطريق الرئيسي والحيوي لكنا الآن أمام كارثة بشرية وخسائر كبيرة في المركبات وتعطل الحركة على طريق أساسي وحيوي لساعات أطول مما حدث يوم الخميس خلال رفع وتجنيب الكوبري.

السلامة الإنشائية للطرق والكباري

والنقطة الأكثر أهمية هنا تتصل بمدى السلامة الإنشائية والتنفيذ الهندسي الدقيق والصحيح والآمن والأمين لهذا الكوبري ولغيره، وللعدد الكبير من الطرق والكباري والأنفاق والمحاور، وهو المشروع الضخم الجاري تنفيذه منذ سنوات والذي يلتهم أموالاً هائلة بالمليارات، ويتم تمويل جانب منها بالقروض.

ويتزايد القلق عندما تكون هناك حوادث سابقة تتعلق بانهيارات جزئية في طرق وشوارع رئيسية حديثة الإنشاء، أو قديمة وتم تطويرها، وسقوط أجزاء من كباري تحت الإنشاء، وتأتي الأمطار كل شتاء لتكشف عن مواطن خلل في البنية الأساسية، وهي عماد المشروع التنموي الذي تمنحه السلطة جل الاهتمام ومعظم الموازنات.

كأن كوبري المشاة قائم على أعواد ثقاب، وليس أعمدة خرسانية، فسقط مع أول اصطدام ولم يصمد، فهل أعواد الثقاب هذه قد تكون موجودة بشكل أو بآخر في مشروعات الخرسانة، وهي كثيرة؟ والمشكلة أننا قد لا ننتبه لحجم الخلل إلا إذا تساقطت أعواد أخرى.

قصة هذا الكوبري على محدوديتها، درس لا ينبغي تمريره، لأنها كاشفة عن مشكلة في العمل والأداء والمتقن والرقابة المشددة، والواجب يُحتم القيام بمراجعة عاجلة وشاملة للجودة والمواصفات والسلامة والتنفيذ في كافة مشروعات الطرق والكباري من أكبرها حتى أصغرها.

المصدر : الجزيرة مباشر