أولويات مؤتمر ميونيخ للأمن تتغير.. وأوربا في مهب الريح!

حاكم ولاية بافاريا ماركوس سويدير يلتقط صورة سيلفي مع سانا مارين رئيسة وزراء فنلندا قبل مأدبة عشاء رسمية بالمقر الملكي السابق في ميونيخ على هامش المؤتمر

مؤتمر ميونيخ للأمن في نسخته الـ59 لهذا العام، جاءت مختلفة عن كل النسخ السابقة التي اعتادها المؤتمر منذ تأسيسه سنة 1963، في ذروة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي السابق ودول الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، فقد كانت أهم أولويات المؤتمر هي البحث في نزع فتيل التوترات الدولية، والحفاظ على الأمن الأوربي بشكل خاص، ومستقبل أوربا أمنيًّا، والنقاش العلني في كيفية دحض المخاطر التي تهدد القارة الأوربية.

دعوة المؤتمر إلى تسليح أوكرانيا

هذا العام جاءت كلمات المشاركين في المؤتمر، والمزاج العام للمؤتمرين مختلفة تماما عن السنوات السابقة، بسبب الحرب الأوكرانية الروسية الدائرة رحاها الآن في قلب القارة الأوربية، فالدعوة إلى التسليح والحشد للحرب ظهرا علانية دون أي مواربة، والتأكيد على التكاتف لمنع بوتين من تحقيق أي انتصار في أوكرانيا هو الشغل الشاغل للولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين، حتى إن شكوكًا سرت في أروقة المؤتمر حول إمكانية نجاحه أو جدية المشاورات فيه للحفاظ على الأمن الأوربي!

الحقيقة أن هذا المؤتمر تشاوري وتوصياته ليست ملزمة، وكان القصد منه في السنوات السابقة توفير بيئة جيدة للقاءات على هامش ندواته، لهذا لم يكن يحظى بهذا الاهتمام الإعلامي الكبير، لكن الأمور تغيرت الآن في ظل اشتعال الكثير من بؤر التوتر بالعالم، فأصبح يكتسي أهمية كبيرة بفضل هذا الحشد الدولي الكبير المشارك الذي يضم 450 شخصا من خبراء أمن، ورؤساء جمهوريات، ووزراء، ومختصين بالملفات الدولية من 150 دولة، وأكثر من ألف صحفي يغطون المؤتمر، أصبح بفضلهم عنوانا ضخما في نشرات الأخبار ووسائل الإعلام.

ثرثرة دون فاعلية

إن من أكبر علامات الاستفهام التي تحيط بهذا المؤتمر: لماذا لم ينجح مؤتمر العام الماضي الذي عقد قبل أيام قليلة من الغزو الروسي لأوكرانيا في وقف هذه الحرب وكانت روسيا وقتها مشاركة فيه؟ بل إن الرئيس الروسي بوتين شارك بنفسه في مؤتمر عام 2007 وحذر في خطابه من سياسة الدول الغربية، وتوسع الناتو إلى الحدود الروسية، فلماذا لم يسع المؤتمر إذن إلى سلام القارة الأوربية بدلًا من التجييش والتسليح الآن؟

الدعوة في مؤتمر هذا العام كانت صريحة وواضحة إلى تسليح أوكرانيا بأفضل الأسلحة، وجاءت من كل الدول الغربية والولايات المتحدة التي شاركت بوفد ضخم، لكن العين في نفس الوقت كانت لا تخطئ الانقسام الأوربي حول حجم ونوعية التسليح. فهناك خلاف حول تزويد أوكرانيا بالطائرات، والمستشار الألماني شولتز قال في كلمته في يوم المؤتمر الأول “لقد تم الضغط علينا من أجل إرسال دبابات ليوبارد إلى أوكرانيا في حين لم يرسل الحلفاء من جهتهم ما اتفقنا عليه!!”.

تسييس المؤتمر ودعوة المعارضة الروسية

إذن المؤتمر لم يبحث طرق وقف الحرب والدعوة إلى إجراء مفاوضات، لكن عاجلًا أم آجلًا سينتهي الأمر بجلوس الطرفين إلى طاولة المفاوضات، ومعروف أن الولايات المتحدة لا تريد ذلك في الوقت الحالي، لذلك لم تتم دعوة روسيا إلى المؤتمر، واكتفى المنظمون بدعوة معارضين للرئيس الروسي ليس بأيديهم أي حل، وهو أمر آخر يؤكد تغير أولويات المؤتمر كلّيًّا؛ ففي العقود الماضية كانت تتم دعوة روسيا، وكانت تشارك بوفد عالي المستوى، لأن الأمن الأوربي وقتها كان محتشدا وموحدا ضد خطر الإسلام السياسي الذي رفعه القادة الأوربيون وقتها حتى أصبحت الإسلاموفوبيا أكبر الهواجس التي تزعج الأوربيين.

إن تاريخ هذا المؤتمر يكشف تسييسه الكامل على عكس شعاراته، ففي خضم الأزمة الأفغانية والاحتلال الأمريكي الغربي لأفغانستان كان الرئيس الأسبق حامد كرازي هو نجم المؤتمر الأول ويحيط به الإعلام من كل جانب، وبعد الخروج الغربي من أفغانستان تم إسدال الستار على هذا الملف، ولم يعد له وجود في برنامج المنتدى، وأصبح هناك الآن زيلنسكي الرئيس الأوكراني الحالي الذي حل محل حامد كرازي.

نتذكر أيضا في فترة الرئيس الأمريكي السابق ترمب أنه تمت تسمية الصين بالعدو الأول للغرب في المؤتمر، وقالوا إن توسعات الصين في المحيطين الهادي والهندي تستدعي وقوف الولايات المتحدة في مواجهتها، أما بعد الحرب الأوكرانية فعادوا مرة أخرى إلى تسمية روسيا بالعدو.

مظاهرات تندد بالحرب ومبادرة صينية للسلام

كل مناقشات هذا المؤتمر أكدت أن الخطر الأمني الداهم يندلع الآن من داخل أوربا، وأن التحدي الأكبر الآن أصبح في كيفية إخماد النيران المشتعلة في أوكرانيا؛ لهذا كان المشهد خارج أروقة المؤتمر وفي الشوارع المحيطة محتشدا بالمتظاهرين المناوئين للحرب، والمطالبين بوقف الحروب في العالم، وبكفّ الناتو عن إشعال الحرائق، ووقف التسليح ونزع السلاح النووي.

النقطة المضيئة في المؤتمر هذا العام جاءت من الصين التي أعلن وزير خارجيتها في كلمته استعداد الصين لطرح مبادرة سلام لوقف الحرب، وهذا ما رحب به المشاركون ولا سيما ألمانيا، فالألمان من أكثر الدول الأوربية التي تأثرت بالحرب وقد انتكس 4% من دخلها القومي بسبب هذه الحرب، وفي دراسة حديثة أن ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية بسبب الحرب جعل كل مواطن يفقد 2000 يورو من دخله السنوي!

إذن أوربا في مهب الريح ولم يفلح المؤتمر الأمني السنوي في إيجاد حل، والتجييش والتسليح أصبحا مستمرين في مواجهة بوتين العازم على تغيير موازين القوى العالمية… ونحن في انتظار مؤتمر العام القادم لنرى هل سيستمر العداء لروسيا أم سيكون هناك عدو جديد؟

المصدر : الجزيرة مباشر