انتخابات “الصحفيين المصريين”.. 82 عاما ما بين الصراع مع السلطة والارتماء في أحضانها!

مبنى نقابة الصحفيين المصريين

 

في 31 من مارس/آذار عام 1941، صدر القانون رقم 10 لسنة 1941 الذي تقدّم به رئيس الوزراء المصري حينَها، علي ماهر، إلى مجلس النواب، وكان يتضمن مشروع إنشاء نقابة للصحفيين، وبذلك تأسست نقابة الصحفيين المصرية.

وكان قد سبقها بسنوات عديدة تأسيسُ أول رابطة للصحفيين على أيدي 5 من الصحفيين، وأعلن المؤسسون حينها أن هدف الرابطة العملُ على إنشاء نقابة تضم الصحفيين المشتغلين بالمهنة.

انتخابات الصحفيين

ومما لا شك فيه أن نقابة الصحفيين المصرية واحدةٌ من أعرق الكيانات في الشرق الأوسط، ويهتم الجميع بمتابعة أخبارها، وما يحدث فيها؛ لأنها رمز للحريات في مصر والوطن العربي.

ومنذ أيام فُتح باب الترشح لانتخابات التجديد النصفي لمجلس نقابة الصحفيين، ومقعد النقيب، حيث تُجرى في 3 من مارس حال اكتمال النصاب القانوني للجمعية العمومية، وإلا ستؤجَّل أسبوعين.

والغريب -ولأول مرة- هو إحجام الصحفيين ذوي الثقل الانتخابي عن الترشح على مقعد النقيب، وتخاذلهم عن خوض الانتخابات لصالح مَن عدّه البعض مرشح الدولة، مما دعا الكاتب الصحفي سليم عزوز أن يكتب قائلًا في تدوينة له “مَن لم يَخض هذه الانتخابات على موقع النقيب ممثلًا لتيار الاستقلال النقابي، لا يجوز له أن يشارك فيها عندما ينقشع الغبار، وتصبح المنافسة بدون كلفة، فالمتخاذلون فاعل أصلي في استمرار هذا المجهول الذي دخلته النقابة، لتستمر عملية تكفينها”.

وأضاف “لا يجوز التعلّل بأن فلانًا مرشح السلطة؛ لأن في نقابة المهندسين سقط مرشحو الأجهزة الأمنية، ونجح مَن لم ترشحه الأجهزة، تمامًا كما جرى في نقابة الأطباء!”.

واختتم تدوينته قائلًا “نافِس حتى من باب إجبار الآخر على بعض التراجع، أو للحصول على امتيازات للزملاء، بدلًا من انتخابات بلون التزكية!”.

هيمنة الدولة

وكأنّ هناك مَن قرأ تدوينة سليم عزوز، وأراد العمل بها، فوجدنا في آخر ساعة على إغلاق باب الترشح مَن يرشح نفسه من تيار اليسار، لتأخذ العملية الانتخابية منحنىً آخر مختلفًا، وهو شيء لا بأس به، وربما يجعل هناك منافسة حتى وإن بدت صعبة، إلا أنها ستُشعِر الصحفيين بأن هناك انتخابات فعلًا، وليس مجرد فوز بالتزكية.

وتُعَدّ انتخابات نقابة الصحفيين المصرية واحدة من الانتخابات التي تحظى باهتمام كبير لدى الصحفيين، والدولة، حيث تحاول السلطة دائمًا السيطرة على مقعد النقيب، وكذلك المجلس؛ حتى تفرض هيمنتها على النقابة، وتضمن عدم خروج الصحفيين عن النص.

والمعضلة هنا أن الانتخابات ستُجرى في وقت يعاني فيه الصحفيون المصريون أزمات عديدة، حيث الفصل التعسفي، وإغلاق الصحف، وقلّة المرتبات، مع خنق الصحافة، والزجّ بالصحفيين في المعتقلات والسجون، وتراجع الحريات، حتى باتت الصحف عبارة عن بيانات لا تختلف من صحيفة لأخرى، حتى في العناوين الرئيسة بعد أن استحوذت الأجهزة على معظمها.

عبد الناصر والسادات.. والنقابة

ومنذ نحو 82 عامًا على تأسيس نقابة الصحفيين، تولّى منصب النقيب 20 صحفيًّا، بعضهم كانوا تابعين للدولة؛ قلبًا وقالبًا، وبعضهم -وهم الأقلية- كانوا بعيدين عن الأجهزة الأمنية التي تحاول فرض سيطرتها دائمًا على النقابة، والسيطرة على الصحفيين.

ومنذ حركة الضباط الأحرار في يوليو/تموز 1952، وهناك محاولات دائمة من الدولة للسيطرة على النقابة، وكانت أكبر ضربة تلقتها الصحافة هي قرار الرئيس جمال عبد الناصر تأميم الصحافة في 24 من مايو/أيار عام 1960، الذي أطلق عليه “قانون تنظيم الصحافة”، ومنذ ذلك الوقت بدأ تكميم النقابة والصحفيين، فوجدنا ضباط الجيش يتولّون مقعد نقيب الصحفيين.

وحدث صدام بين الصحفيين والرئيس السادات عندما أراد تحويل النقابة إلى نادٍ اجتماعي يجلس فيه الصحفيون لكي يحتسوا القهوة -حسب ما قال- ولكنّ الصحفيين ونقابتهم تصدّوا له وقتها، ووقفوا ضد تنفيذ فكرته، وأراد السادات إرضاء الصحفيين، فجعل الصحافة السلطة الرابعة في الدولة.

وتصدت نقابة الصحفيين للمخلوع مبارك عندما أصدر القانون رقم 93 لسنة 1995 الذي يغلّظ العقوبات على الصحفيين، ويفرض عليهم الحبس في قضايا النشر؛ مما دفعهم إلى عقد جمعية عمومية طارئة استمرت أكثر من عام، وقف فيها جميع الصحفيين والنقابة والنقيب إبراهيم نافع -المحسوب على الدولة- مع الصحفيين وقفةَ رجلٍ واحدٍ ضد القانون؛ ليؤكد قيمة المنصب أمام تعنّت الدولة.

“إحنا مش بنبيع ترمس!”

واستمرت الجمعية العمومية منعقدة منذ يوم 10 من يونيو/حزيران عام 1995، وطالب مجلس نقابة الصحفيين “مبارك” بعدم التصديق على القانون، فقال “إحنا مش بنبيع ترمس ومش بنفاصل، ودي قوانين بتتعمل عشان تطبّق”، فاستمرت الجمعية العمومية في الانعقاد، وكانت تُجرى حوارات خلف الكواليس لحل الأزمة.

والتقى مجلس النقابة “مبارك” مرتين؛ لحل الأزمة، ووعد بالحل، ولكن كان يتم الالتفاف حول القانون حتى أصدر القانون رقم 96 لسنة 1996، وحاولت الدولة احتواء النقابة، ففكرت أن تأتي بنقيب مؤيد لها، فانتخب الصحفيون جلال عارف باكتساح مقابل صلاح منتصر؛ مرشح الدولة.

أما في هذه الحقبة، فكانت أزمة اقتحام النقابة في الأول من مايو 2016 من قِبل الأمن للقبض على اثنين من الصحفيين، مما تسبب في أزمة كبيرة، هبّ على إثرها جموع الصحفيين للدفاع عن نقابتهم، فتظاهروا، وعقدوا جمعية عمومية؛ للتنديد بهذه الواقعة، وفي أثناء توحّد الصحفيين حول نقابتهم، كوّنت مجموعة ما سمّوها “جبهة تصحيح المسار”؛ مما كان لها أثرها في وحدة الصحفيين بعد الالتفاف على قرارات النقابة، والجمعية العمومية.

وهكذا، تعيش نقابة الصحفيين بين كَرّ وفَرّ مع السلطة، وبين العصا والجزرة، وبين نقيبِ الأجهزة ونقيبٍ يدافع عن الصحفيين، ويعيش الصحفيون في انتظار هذه الانتخابات، أو تلك؛ للتعبير عن أملهم في النهوض بالمبنى المكفّن الذي كان قلعةً للحرياتِ، وفي الوقت ذاته يُمنّون النفْس بمزايا ومكتسبات تساعدهم على الحياة.

المصدر : الجزيرة مباشر