لماذا يعشق الصينيون ذبح الحمير؟!

حمير تقف بالقرب من الحوض الجاف لنهر شول في صحراء جوبي بمقاطعة قانسو الصينية (رويترز )

 

عاودت أنباء العثور على بقايا مجموعات من الحمير مسلوخة كاملة الأبدان والأعضاء، على أطراف القرى والمدن المصرية، الظهور بالصحف ووسائل التواصل الاجتماعي. أثار بيان لوزارة الداخلية -عن اكتشاف بقايا 13 حمارا ملقاة بمجري مائي بإحدى قرى محافظة البحيرة شمال العاصمة- الذعر بين المواطنين.

واكب الحدث عثور مواطنين بالقرب من شلالات وادي الريان بالفيوم (غرب العاصمة) على أعضاء حمير مسلوخة بالطريقة نفسها. كشفت وزارة الداخلية عن ملابسات أزمة تجددت بنهاية الشهر الماضي، ظلت مستمرة عقدا كاملا، فبينت أن وراء قتل الحمير 4 أشخاص يذبحونها ويبيعون جلدها لشخص آخر يتولى توريدها إلى تجار يصدّرونها للصين.

تهتم الأجهزة الرسمية بملاحقة مرتكبي مجازر الحمير، خوفا من تسرب لحومها إلى المطاعم والأسواق، وتبدي قلقا من أن تتحول إلى تجارة غير مشروعة، حيث يقصر القانون ذبحها على حدائق الحيوان، التي تتولى عمليات الذبح لإطعام الحيوانات المفترسة، وتصدير جلودها للخارج.

أسعار فلكية

رغم تكرار المذابح الجماعية للحمير، وفزع المواطنين من تكرارها، وتسببها في تآكل ثروة مصر من الحمير خلال الفترة من 2010 إلى 2020، من 3.2 مليون حمار إلى 1.6 مليون، فما زال البعض يتجاهل خطرها في القضاء على سلالات حمارها الحصاوي. تشيد المخطوطات وصور مسجلة على جدران المعابد الفرعونية، بدور الحمار العظيم في بناء الحضارة ومساعدة الفلاح الفصيح على تحمّل أعباء الحياة اليومية ومواجهة العوز.

رصد البعض أثر الظاهرة على سعر الحمار الذي ارتفع من بضع مئات إلى آلاف الجنيهات، بعد أن تبيّن دور شركات تهريب جلوده في رفع الأسعار من متوسط 20 دولارا بداية العقد الماضي إلى 400 دولار عام 2020. مع ارتفاع الدولار بالأسواق مقابل الجنيه أصبح الجلد ثروة، خاصة أن عروض الصينيين الذين وصلوا إلى المنطقة بعد انقطاع دام 3 سنوات، تحت حصار “صفر كوفيد” رفعت سعر الجلد إلى 600 دولار، بما يمثل ثروة هائلة لأي فلاح، دخل مع معظم المصريين تحت خط الفقر.

الأفارقة غاضبون

جاء الإنذار من ذبح الحمير من أعماق أفريقيا، عبر دراسة استقصائية أجرتها مجموعة شرق أفريقيا، للباحثة لورين جونستون، بمعهد جنوب أفريقيا للشؤون الدولية، نشرها موقع The conversation.com الأسبوع الماضي. تشير الدراسة إلى الغضب العام لدى الشعوب الأفريقية، من قتل الحمير والطلب المتزايد على ذبحها لتصدير جلودها ومكوناتها إلى الصين، لدرجة أنه أصبح موضوعا حساسا لدى المواطنين والحكومات.

في كينيا، دفع الغضب من ارتفاع أسعار الحمير وتناقص العرض إلى حظر الحكومة للصادرات في فبراير/شباط 2020، وتمكن المصدرون من الحصول على قرار من المحكمة العليا بإعادة التصدير. وحظرت حكومة تنزانيا إنشاء وصناعة تجارة رسمية للحمير، لأن العروض القانونية لا تواكب طلب الصينيين الشره على الشراء، مع مخاوف من تراجع خطير في الأعداد بسبب ضعف الإنتاجية خلال دورة الحياة لإناث الحمير.

منعت حكومات بوتسوانا وبوركينا فاسو ومالي والنيجر والسنغال وتنزانيا وجنوب أفريقيا تجارة الحمير، وحدت منه بالمسالخ القانونية. تشدُّد الحكومات واجهته عصابات التهريب، بتشكيل مجموعات لسرقة الحمير وبيع جلودها بطرق غير مشروعة، في جنوب أفريقيا وغيرها، حيث تُهرَّب عبر الأدغال، من دولة ليسوتو إلى الصين.

تبيّن الدراسة تأثير حالة الفقر على الفلاحين الذين يتخلون عن حيواناتهم مقابل الدولار، رغم الحاجة الشديدة إلى خدماتها. فالبؤس يعزز التجارة، بينما ارتكاب هذه المذابح يزيد من فقر أصحابها، الذين يفضلون الدخل السريع القصير الأجل، فيبيعون حميرهم لذبحها، بينما يؤدي إلى تناقص فرصهم في الكسب على المديَين المتوسط والبعيد.

إنهم يأكلون الحمير!

لدى الصينيين هوس باستخدام مادة Ejiao “جياو” منشطا جنسيا، وصناعة أدوات التجميل والحلوى الشعبية والغراء التي تُستخرج من عنصر “الكولاجين” الناتج من جلد الحمير. هذه القناعة آتية من نظام الطب الصيني المتوارث عبر 3000 عام.

الفحولة شيء مهم لشعب يكابد الحياة بمشقة عبر تاريخه الطويل، تدفعه إلى الأرق المزمن، مع الإفراط في العمل والتناحر على فرص العيش والحياة، لذلك يندفعون نحو تناول المسكرات بشراهة، واقتناء أدوية شعبية للفحولة تعوضهم عن تراجع الخصوبة، التي تهددها الضغوط اليومية. فلا غرابة أنهم يبحثون عن الفحولة في أكل لحوم الحمير، وتهريب جلودها من أفريقيا ووسط آسيا، بعد أن نضب مخزونهم من الحمير، لإنتاج “جياو” وملاحقة وحيد القرن للحصول على قرنه، من أجل طحنه وإضافته على الطعام، منشطا جنسيا باهظ الثمن.

صفقة المنشطات

رأيت مئات الشبان الصينيين يُهرّبون حصان البحر من الإسكندرية وخيار البحر من الغردقة، وكثيرا من الأفاعي ومخ القرد الأفريقي، بينما يأتون برؤوس نبات الجينسينغ الصيني في إطار صفقات متبادلة للمنشطات الجنسية مع تجار محليين. يعتقد الصينيون أن جلود الحمير المخلوطة بالأعشاب، تمنع أكسدة الدم وتوقف النزيف وتُحسّن نوعية السوائل وتحد من الأرق، بينما ترفض شركات الأدوية الغربية تلك النتائج وتعدّها وصفات شعبية غير علمية.

يبلغ سعر الكيلوغرام من Ejiao نحو 783 دولارا. تؤكد الدراسة زيادة مبيعات “جياو” في الصين، من 3.2 مليارات دولار عام 2013 إلى 7.8 مليارات دولار عام 2020. ارتفع الطلب على المنشط مع ارتفاع الأرباح من عوائد البيع، عقب نشر فوائده في مسلسلات تلفزيونية، وارتفاع معدل الشيخوخة، ورغبة الشيوخ في العودة إلى صباهم بعد أن أفنوا عمرهم بالعمل، بعيدا عن زوجاتهم. يصف الأطباء العلاج لكبار السن، ويصرفونه عبر أنظمة العلاج الطبي واقيا من أمراض كورونا وتصلب الشرايين.

إيقاف المذابح

دعت منظمة عموم أفريقيا للحمير، وجمعية حقوق الحيوان في مصر، إلى إيقاف ذبح الحمير على مستوى القارة لمدة 15 عاما، مع التواصل مع اتحاد صناعة “جياو” بمنطقة شاندونغ Shandong Ejiao، لحثهم على مكافحة التجارة غير المشروعة في الحمير، التي تساعد 158 مليون نسمة في أفريقيا على مواجهة الفقر. مع ذلك، يواصل البعض اغتيال الحمير رغم طاعتها العمياء، لمن يحسدونها على نعمة الفحولة، والقدرة على العمل الشاق دون اعتراض.

المصدر : الجزيرة مباشر