أولادنا والفلوس وقوة الشخصية

يتفانى الأهل لإسعاد أولادهم؛ وتشكل الفلوس أهمية خاصة، والفلوس جمع فلس ويقال أفلس أي فقد ماله، وحتى لا نتسبب في “إفلاس” شخصيات أولادنا فلننتبه لما يلي:

لا تحضر ولا تشتر لابنك كل ما يريده ولا تخضع للإلحاح “وللزن”؛ فتضعف شخصيته ولا يستطيع مقاومة الإغراءات؛ فالدنيا لن تلبي رغباته لأنه يطلبها. ولمنع “توحش” تطلعاته التي لا يستطيع تلجيمها والسيطرة عليها، اهتم بتدريبه على كبحها ليقودها ولا يكن عبدًا لها، فالتدريب على تأجيل إشباع الرغبات يمنحه الصلابة والقدرة على التحمل، مع تقدير ما لديه وأن لا يعتبره حقًّا له؛ فليشكر الرحمن ثم يشكر والديه ويشعر “بالامتنان” لاهتماهما به وحرصهما على إسعاده؛ فالطفل الذي لا يشكر والديه أقل سعادة من الشاكر مع عدم المنّ أو التعيير إلا عند التعامل بسوء أدب والتقليل مما يحصل عليه فيجب منعه من التمادي.

وتجنب تفضيله على الأهل أو إخوته ماديًّا لكي لا تزرع فيه الأنانية وتفسد شخصيته.

عضلات الاستغناء

حتى لو كان دخلك مرتفعًا فاصطحبه معك منذ صغره للشراء وقل: سنرى العروض ونقارن ونعرف الأفضل من حيث السعر والجودة؛ وذلك لتعوّده على عنصر جيد في قوة الشخصية وهو تأجيل اتخاذ القرار وعدم التسرع لتحاشي الندم بعدها، ولتقوية “عضلات” الاستغناء عما لا يحتاج إليه، وتعلّم اتخاذ القرار بعيدا عن ضغوط الانبهار بالسلع أو لامتلاك بعض أقرانه لها.

قل: سنوفر ونتمتع بالذكاء؛ فلا ننفق الأكثر ونحن نستطيع إنفاق الأقل ليتعلم التفكير قبل الإنفاق بلا مبالغة؛ حتى لا يدخل في التقتير على النفس وليتعلم الإنفاق بقدر الاستفادة وألا يشتري غير الضروري؛ ليدخر المال لينفقه مستقبلًا فيما يفيده ويسعده، فإذا اشترى ما لا يحتاج إليه فسينفد المال وسيحتاج إليه مستقبلًا فلا يجده، وأخبره بأنه إذا تمتع بقوة الشخصية الحقيقية؛ فلن يقيم نفسه أبدًا بممتلكاته ولا بإنفاق زملائه بالمدرسة وبالنادي ولا بـ”ماركة” ملابسهم أو هواتفهم المحمولة؛ لأنه أهم و”أغلى” من تقييم نفسه بذلك، ولا تكثر من الكلام وتحوله إلى “محاضرة”؛ فسينصرف عنك ويشعر بأنك تجبره على التفكير مثلك، وكلنا نرفض الإجبار، وكثف كلامك ولا تتجهّم وأنت تتكلم ولا تبالغ في الجدية أو في الحماس، وامزح معه بعد ذلك لتنفي شعوره بالإرغام.

عندما يطلب شراء شيء لا تقل: لن أشتريه، بل قل: لا تحتاج إليه؛ فلديك كذا وكذا وذكره بما لديه، وامنعه من تكديس الأشياء خضوعًا للرغبة في الشراء أو التقليد، وأن لا يتسرع في شراء كل ما يعجبه. وعليك أن تبني شخصيته وعلاقاته أيضا وليس التحكم في الإنفاق فقط، واجعله يفعل ذلك دائما، فالتفكير في المزايا والعيوب وما يضيفه إلينا الشراء سيمتد ويصبح أساسيا في بدء علاقات أو إنهائها.

اشرح بهدوء وبلا انفعال وبلا توسل كأنك “تتسول” الموافقة.. مثلا هذه اللعبة سعرها غير مناسب أو لديك مثلها أو سريعة الكسر وصناعتها سيئة، وهذا الزي لا يناسبك ولديك أفضل منه، أو هذا الطعام مليء بالألوان الصناعية الضارة أو به دهون صناعية مؤذية، وقدم البديل الذي يمكنه صناعته، وكذلك الصلصال وبعض الألعاب البسيطة يمكن صنعها، ويتعلم بذل بعض المجهود لتقليل التكلفة المادية ولصنع الأفضل بالمنزل وإحاطة ذلك بالبهجة بلا مبالغة أو افتعال، وصوره بالفيديو أثناء فعل ذلك ليصبح ذكرى جميلة.

المال والحب والشبع

تذكر أن منح المال بكثرة للابن يضره نفسيًّا وسلوكيًّا ويفسد نظرته للسعادة ويربطها بالمال “وحده”، فتتأثر شخصيته بالسلب وترتبك حياته ويخسر بالربط الخطأ بين الحب ومنحه المال.

يجب أن يشعر بالشبع وأن يتعلم الفرق بين الإنفاق المعتدل والإسراف؛ فالأول لتلبية أهم الاحتياجات والثاني لشراء أي شيء يخطر بالبال؛ وسيشكل شخصيته ويتوهم أحقيته في تلبية كل ما يريد، ولن يشعر بالرضا ولا بالقناعة، وسيلهث دومًا نحو المزيد.

لا تقل: لا أملك المال اللازم فيشعر بأن المشكلة بسببك، أو يعيش في معاناة وينسى كل ما اشتريته له وما يمتلكه، ويركز على ما لم تحضره وتصنع شخصية “ساخطة” وغير سعيدة تشعر بالضعف بلا مبرر وأحيانا بالعوز بلا سبب؛ فقد رأيت يوما سيدة تنتفض غضبًا لأن صديقتها لديها حمام سباحة أكبر من الفيلا التي تسكن بها هي!! أو يشعر بعجز مادي وقل: سعرها مبالغ فيه أو سنبحث عنها في مكان آخر فربما نجدها بسعر أفضل أو سأساعدك على شرائها وادخر أنت الباقي أو سأحضرها لك في عيد ميلادك أو مكافأة للتفوق، وقل أساعدك ليعرف أنك لست مسؤولا عن تلبية جميع رغباته وعليه تحمل الرغبات “الزائدة”، وقد يقول لا أحتاج إليها لهذه الدرجة، وليتعلم أن هناك أشياء “يستطيع” تأجيلها مع بذل الجهد للحصول عليها.

وسيعتاد أن ما لا يدفع هو ثمنه لا يلزم شراؤه وسيحترم نقود أسرته ويتعلم أن طلباته ليست أوامر يجب تنفيذها وسيفيده ذلك في اكتساب شخصية قوية لا تتوقع أنها محور اهتمام الجميع، فمن يفكر هكذا تكون شخصيته هشة سهلة الانكسار.

علّم ابنك طرد علامات الطمع وعدم الشبع والنظر إلى ما بأيدي الآخرين؛ فكل ذلك يضر بشخصيته ويحرمه من السعادة والنجاح في الحياة، وعوّده مساعدة الفقراء -بلا ضغط- حتى لا يكون أنانيًّا؛ فالأناني دومًا غير سعيد مهما امتلك، ولا تلبّ أيّ رغبة له بعد قوله لماذا فلان عنده وأنا لا؛ فستصبح عادة لديه وسيصعب عليك الخلاص منها، وارفض بهدوء وبحزم ولا تتراجع.

يجب أن يعرف أن الإنفاق يجب أن يكون له هدف وليس لملء الفراغ أو للتباهي بين أصحابه أو ليشعر بأنه أفضل منهم، ولا تبالغ فيتحول المال عنده إلى هدف وليس وسيلة لتيسير الحياة، وعوّده ألا يشتري شيئًا وهو غاضب أو خاضع لإلحاح البائع فسيخدعه، وألا يتخذ أيّ قرار بالحياة إلا بعد التأكد من فائدته وألا يتسرع في الثقة.

المصدر : الجزيرة مباشر