ما زالوا أحياء تحت الأنقاض

بشار الأسد في زيارته للمنكوبين

 

في حين ما زال هناك عالقون تحت الأنقاض بعضهم أحياء لم تصل إليهم فرق الدفاع المدني بإمكانياتها المحدودة وسط تجاهل العالم للكارثة الإنسانية في الشمال السوري، وتوجّه الكثيرون إلى مساعدة تركيا وإرسال بعض الدول مساعدات لمناطق النظام، وسط تلك الفوضى والدمار والفقد والتفجع، كثر المحللون لتلك الظاهرة الطبيعية، وانقسموا إلى أقسام. أكثرهم انتشارًا وتأثيرًا مَنْ ربط الكارثة بالدين وذهب بعيدًا في تحليل علاقة الإنسان بربه التي أدّت إلى حدوث الزلزال!

الثواب والعقاب

“اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا” بغضّ النظر عن ذكر اسم صاحب المقولة المنسوبة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبعضهم يعدّها حديثًا ضعيفًا، إلا أنّ هذه المقولة تُمثل بوصلة دقيقة لما يجب أن يعمله الإنسان في حياته، فالعمل لأجل الدنيا يستوجب الأخذ بالأسباب الدنيوية، والعمل للآخرة يستوجب الأخذ بالأسباب الأخروية. لكن ما يحصل في الواقع يخلط أمور الدنيا بأمور الآخرة، ويفسر دينيًّا ما يجب تفسيره علميًّا، ويفسر علميًّا ما يجب تفسيره دينيًّا. ولا تزال حادثة علماء الأزهر الذين أرسل إليهم نابليون رسالته الشهيرة فجلسوا يدققونها إملائيًّا ونحويًّا متغافلين عن موضوعها الذي يستوجب إعلان الجهاد الأكبر، لا تزال هذه الحادثة تمثل نمط تفكير عند كثير من المثقفين وأصحاب الأقلام وكثير ممن يحسبون أنفسهم علماء دين.

سارع كثير من أصحاب الأقلام الدينية فور حدوث الزلزال إلى اعتباره غضبًا من الله وعقابًا خاصًّا لكلّ من يبتعد عن الدين، وأنّه نتاج ما فعل السفهاء منّا، وأنّه تخويف من الله كي يعود المنحرفون عن الدين إلى دينهم، إلى آخر هذه الأسباب التي تصوّر الله الرحمن الرحيم على صورة شخص غاضب ومنفعل يقتل الأطفال والأبرياء بجريرة بعض السفهاء والمجرمين!

وفي المقابل، نجد بعض الأقلام تذهب مذهبًا مختلفًا حيث تعتبر هذا الحدث ابتلاء من الله لمؤمنين يحبّهم، ويريد أن يدخلهم الجنة وهذه هي الحكمة التي أرادها الله. والعبرة كما يذهب أصحاب هذا الاتجاه في الخواتيم، فقد أراد الله لهم هذه النهاية وما على الإنسان سوى التسليم بقدر الله. ومجرد ذكر مفردة التسليم يشعر المرء بحالة من الاسترخاء قد تصل به إلى التهاون بما يجب عليه فعله.

نظرية المؤامرة

أمّا على الجانب الآخر، فنجد أصحاب نظرية المؤامرة يفسرون الظاهرة بأنها نتاج مشروع هارب (HARP) الأمريكي أو مشروع الشفق النشط عالي التردد (ألاسكا 1997) لصناعة كوارث مناخية وطبيعية، وهو مشروع سري واقعي استخباراتي عسكري بامتياز، ويعزون السبب إلى قنبلة نووية صنعت شرخًا على عمق 10 كيلومترات داخل الأرض. وبالتالي، فإنّ جميع الضحايا هم نتاج جريمة بشرية مكتملة الأركان.

ذكر هؤلاء أنّ الأمريكان أجروا تدريبات لإجلاء المدنيين في حال وقوع زلزال مع جمهورية قبرص، لكن المنطق يدحض هذه النظرية، فالزلزال لم يحدث في بحر مرمرة ولم يكن قريبا من إسطنبول، بل كانت بؤرته في كهرمان مرعش!

تخبّط بلا طائل

كل هذه النظريات والأسباب التي وردت جاءت أثناء الكارثة، في وقت يتطلب التدخل السريع والعاجل لإنقاذ أكبر قدر ممكن من العالقين تحت الأنقاض، وتأمين أدنى متطلبات الناجين من طعام وكساء وإيواء.

هل كان من الممكن تقليص عدد القتلى؟ ستختلف الإجابة بين مؤمن ومؤمن، وستختلف بين مؤمن وآخر غير مؤمن. لكن المؤكد أن لا أحد يعلم ساعة أحد، إذ يجب العمل بأقصى طاقة لإنقاذ أكبر قدر ممكن من البشر. أما ما حصل على أرض الواقع، فالكارثة التي تصنعها الحكومات والمنظومة الدولية تعزز كارثة الزلزال وتفاقم من آثاره على الأرض. بعد يومين أعلن مسؤول في الأمم المتحدة أنّهم يفكرون بتقييم الوضع في الشمال السوري، وفي اليوم الخامس سُمح لقافلة مكونة من 14 شاحنة بدخول المعبر، وقيل إنّها مساعدات مُجدولة مسبقًا من الأمم المتحدة. وفي الوقت الذي أعلن فيه عدد هائل من السوريين الاستعداد للذهاب إلى المناطق المتضررة والعمل مع فرق الإنقاذ، تأخر وقف العمل بإذن السفر لحملة (الكيملك) حتى اليوم الثالث.

الأبطال الحقيقيون

فور وقوع الزلزال، سارع السوريون في الداخل وفي مختلف المحافظات التركية إلى تشكيل فرق خاصة تجمع التبرعات النقدية والعينية، وتعمل على إيصالها بشكل مباشر إلى المتضررين السوريين إن في الداخل أو في الدولة التركية، وظهرت نماذج من الشباب والفتيات لا نملك إلا الوقوف احترامًا لهم ولجهودهم، علمًا أنهم لا ينتمون إلى أي منظمة أو تيار حزبي أو فكري، يعملون بصمت وفي الظل دون انتظار كلمة شكر من أحد.

لم يقتصر ذلك على مناطق الشمال السوري وهاطاي بل أيضًا في مناطق النظام الذي سرق الكم الهائل من المساعدات ولم يرسل إلى المناطق المتضررة شيئًا منها، بل باعها التجار واللصوص للمواطنين، وأعلنوا عن البضائع بالمفرق والجملة على مواقع التواصل. واكتفى النظام السوري بإرسال  المُنصَّب رئيسًا برفقة زوجته إلى حلب ليتفقد الضحايا، ويضحك أمام الكاميرات.

بينما ظهر الرئيس التركي مع زوجته ليطمئن شعبه إلى سير العمل في مواجهة الكارثة، وأعلن الحداد سبعة أيام على الضحايا، والطوارئ ثلاثة أشهر لإزالة الأنقاض وإعادة الحياة إلى المدن المنكوبة!

الأسد وزوجته في زيارة تفقدية لمناطق الزلزال
أردوغان وزوجته

 

 

المصدر : الجزيرة مباشر