المعارضة التركية وتوظيف كارثة الزلزال سياسيًا

استغلال الأحداث، وتفنيد القرارات السياسية وانتقادها، والعمل على توظيفها لخدمة مصالح سياسية لصالح فريق ضد فريق، في إطار لعبة القط والفأر المتعارف عليها، والتي أصبحت من أدوات الممارسة السياسية الطبيعية بين الحكومة والمعارضة، من الأمور التي يتناقلها الإعلام، وتتقبلها الجماهير دومًا دون حساسية تذكر، فالجميع يدرك الهدف من وراء هذه الممارسات.

إلا أن انحدار الأمور إلى مستوى استغلال الكوارث، والسعي من أجل وضعها على جدول أعمال مهاجمة الدولة، والتقليل من شأن كل ما تقوم به في مثل هذه الأمور غير الطبيعية عوضًا عن تشجيعها والوقوف إلى جوارها ومساندتها ومد يد العون لها خدمة لمصلحة الوطن والمواطنين، فإن هذا يعد أمرًا غير أخلاقي، واستغلالًا مقيتًا للمصائب والكوارث، وعملًا مرفوضًا تمامًا تحت أي زعم.

للأسف الشديد هذا ما تقوم به حاليًا أحزاب المعارضة التركية، التي ما أن وقع الزلزال المدمر الذي ضرب 11 محافظة تركية، وتسبب في خسائر بشرية ومالية لا يمكن حصرها حتى الآن، ولا يعلم حجمها إلا الله -سبحانه وتعالى- حتى فوجئ الجميع بسعي هذه الأحزاب لتوظيف هذه المأساة الإنسانية ضمن أدوات مواجهتها للحكومة التركية، وحزب العدالة والتنمية في معركتها الانتخابية معه المقررة يوم الرابع عشر من مايو/أيار المقبل.

الرقص على جثث الضحايا

إذ سارع رؤساء أحزاب المعارضة بعد ساعات قليلة فقط من وقوع الزلزال، وانهيار مئات الأبنية على من فيها من المواطنين الآمنين، ليسنوا نصل أسلحتهم، وتوجيه هجوم حاد سريع لكل إجراء تتخذه الدولة لمواجهة الآثار التي خلّفها الزلزال، فإثارة الجماهير وشحنها وإشعال حدة غضبها هدف لن تحيد عنه هذه الأحزاب، ولن تتهاون في تحقيقه.

حتى وإن تم هذا رقصًا على جثث عشرات الآلآف من الضحايا، وإن كان هناك المئات من المواطنين الذين لا يزالون في عداد المفقودين، لا يعلم ذووهم إذا كانوا لا يزالون أحياء أم أدركهم الموت في الظلام الدامس تحت الأنقاض، ومثلهم من المصابين الذين لا يعلم إلا الله -سبحانه وتعالى- إذا كان هناك أمل أمامهم في التعافي والعودة مجددًا إلى حياتهم الطبيعية بعد هول ما عاشوه خلال ساعات تحت الأنقاض أم أنهم لن يستطيعوا المقاومة وسيفارقون الحياة الدنيا، إلى جانب آلاف المشردين الذين أصبحوا في لمح البصر دون مأوى يأويهم ويحول بينهم وبين البرد القارص الذي لا يرحم.

كل ذلك لا يهم، فالمهم هو تحقيق النصر على أردوغان، والفوز في الانتخابات، وكأن وقوع كارثة الزلزال كانت هي الفرصة التي جاءتهم على طبق من ذهب، لذا وجب عليهم استغلالها لإضعاف الحزب الحاكم من خلال تصيد أخطائه والنفخ فيها لتصير بالونة ضخمة تحمل من الحقد والكراهية ما يكفي لتأليب الرأي العام التركي عليه، ودفعه دفعًا لمواجهة الحكومة والحط من قيمة وقدر ما تقوم به وما تقدمه من أعمال إغاثية.

كيليشدار يصب سهام غضبه

فكمال كيليشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري وزعيم المعارضة لم يتردد لحظة في توجيه سهام غضبه لشخص الرئيس أردوغان، الذي أعدّه المسؤول الأول عن حدوث هذه الكارثة، متهمًا إياه بأنه تراخى عن تجهيز البلاد والعباد لمواجهة الزلازل على الرغم من استئثاره بالسلطة على مدى عشرين عامًا، نافيًا أن تكون لديه النية في التواصل مع الرئيس مباشرة وإبلاغه بوجهة نظره، مؤكدًا أن هذه المسألة رغم كونها إنسانية في المقام الأول إلا أنها قضية سياسية بامتياز، متهمًا الحزب الحاكم بأنه من أوصل تركيا إلى هذه المرحلة من الانهيار والمآسي.

إنجه يروج للشائعات

بينما قام محرم إنجه رئيس حزب الوطن المعارض بنشر مقطع مصور على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي قائلًا: “أسير الآن في شوارع مدينة كهرمان مرعش، لم أشاهد شرطيًا واحدًا في المدينة، ولا أرى عمال إغاثة، لا توجد بطانيات ولا أية طعام ساخن يعين المشردين، ليس هناك دولة أصلًا”.

في توجيه مباشر للدولة بالتقصير في حق مواطنيها، وإحجامها الاستعانة بقدرات قواتها المسلحة والشرطية من أجل مد يد العون والمساعدة للمواطنين في هذه الكارثة، مفضلة الانتظار لحين وصول وحدات الإغاثة من دول العالم، وهو ما نفاه الرئيس أردوغان شخصيًا عند زيارته لمواقع الزلزال، معترفًا بحدوث تقصير في بعض المواقف، نظرًا لحجم الكارثة، مؤكدًا أن هذا تم تلافيه سريعًا، وأن عمليات الدعم والإنقاذ تتم بصورة جيدة، متهمًا من يروج لمثل هذه الشائعات بالكذب والافتراء.

تجاهل السيد محرم إنجه في حديثه أن حجم الكارثة ضخم، وأن التحرك سريعًا في ظل مثل هذه الكوارث، وتلبية احتياجات المنكوبين، يحتاج إلى بعض الوقت نظرًا لكبر حجم المساحة التي تضررت جراء هذه الكارثة، هناك 11 محافظة بمجموع سكان يصل إلى حوالي 15 مليون مواطن، لذا كانت النداءات كي يتحرك الجميع لمد يد العون، فالمسؤولية في مثل هذه الظروف ليست مسؤولية الحكومة بمفردها، بل هي مسؤولية اجتماعية، أي أن الجميع بمن فيهم السيد إنجه ومؤيديه يتحملون جزءًا لا يستهان به من هذه المسؤولية، تمامًا كما سارع المواطنون إلى تلبية النداء وتقديم كل ما يستطيعون تقديمه من ملابس وطعام واحتياجات أساسية للمتضررين في تلاحم مجتمعي رائع يجب إظهاره والإشادة به.

رد المواطنين المتضررين على انتقادات المعارضة

على كل حال فإن الرد على هذه الادعاءات جاء سريعًا من جانب المواطنين الذين أكدوا أن الدولة أمدتهم باحتياجاتهم سريعًا، ووفرت لهم كل ما يلزمهم من أماكن مؤقتة للإيواء، وأسرّة وبطاطين، كما توافدت عليهم المساعدات الإنسانية من مختلف أنحاء البلاد، بل ومن خارجها، في وقت اكتفت فيه المعارضة بالمشاهدة وتوجيه اللوم والانتقادات فقط.

بينما اتهم أركان باش رئيس حزب العمال التركي الحكومة بإهدار المال العام على أمور ثانوية بدلًا من توجيهها لرفع معاناة من تضرروا من الزلزال، قائلًا إنهم يكذبون ويغشون ويتلاعبون بالمواطنين من خلال نشر أرقام وإحصائيات وهمية غير حقيقية عن أعداد المصابين والمتوفين وعن حجم الخسائر المالية.

أما أوميت أوزداغ رئيس حزب النصر المعارض فقرر أن يوجه انتقاده إلى ما سماه “الأداء البطيء للحكومة” في مواجهة كارثة العالقين تحت الأنقاض، متسائلًا: أين الدولة؟

شهادة حق يجب الإدلاء بها

لقد تابعت شخصيًا ردة الفعل السريعة التي أتت أولًا من رئيس الجمهورية، تلاه وزير الداخلية بعد وقوع الزلزال بدقائق معدودة، لم تتعد الخمسة عشرة دقيقة، حيث بثت قناة إخبارية تركية خبرًا عن تواصل رئيس الجمهورية مع رئيس بلدية كهرمان مرعش للوقوف على حقيقة ما حدث، واستمعتُ لوزير الداخلية بعده مباشرة وهو يتحدث مع إحدى الفضائيات الإخبارية التركية عن التحركات التي تقوم بها الداخلية لمواجهة الموقف، لتتوالى بعد ذلك التحركات ويركض رجال الأمن والإغاثة، ويتم الإعلان عن وصول أعداد كبيرة من المتطوعين الذين تم نقلهم بالطائرات إلى المناطق المنكوبة لتقديم المساعدة لمن يحتاجها.

لقد نسى رؤساء أحزاب المعارضة أنه لولا ما قام به حزب العدالة والتنمية من تطوير لمرافق الدولة، وتحسين الخدمات على الطرق، وإنشاء الجسور بين المحافظات، وزيادة عدد المحطات التي تقوم بتغذية المدن بالطاقة والكهرباء، والحرص على وجود مطار دولي في كل محافظة، لكانت الكارثة أكبر مما هي عليه الآن بكثير.

عجز أحزاب المعارضة، والاكتفاء بتوجيه اللوم للحكومة

لم تنتظر المعارضة حتى انتهاء الكارثة، واستكمال انتشال تلك الأجساد التي طمرت تحت أطنان من أسياخ الحديد، والكتل الأسمنتية في جو شديد البرودة لا يرحم صغيرًا ولا كبيرًا، لم تستطع هذه الأحزاب مواساة شعبها، والوقوف إلى جانب مواطنيها، والعمل مع حكومتها حتى تستطيع تركيا الخروج من هذه المحنة، ولملمت جراحها، ومداواة مصابيها، وبعد ذلك تفعل ما يحلو لها، وتوجه الانتقادات للجميع هنا وهناك، وتصب لعناتها على الحكومة، وسوء أدائها في هذه الكارثة، إذا كان هناك بالفعل سوء أداء.

المصدر : الجزيرة مباشر