2023.. الحرب مستمرة

الرئيس الأوكراني

 

(1) التفاؤل الحذر

اعتدنا التفاؤل مع بداية كل عام جديد، لكن الأمر هذه المرة يبدو مختلفًا، هناك توقع أن يكون عامنا هذا امتدادًا للعام الفائت، وربما تتوسع جبهات الصراع وتبدأ دول جديدة في الدخول إلى مضمار سباق التسلح كما أعلنت ألمانيا واليابان مؤخرًا، ورغم كثرة الأحداث العالمية وأهميتها فرضت الحرب الأوكرانية نفسها وكانت الحدث الأعظم تأثيرًا بلا منازع، لو أردنا أن نلخص عام 2022، لقلنا إنه العام الذي تغير فيه العالم، مثلما كان الأمر مع يوم 11 سبتمبر 2001 بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.

(2) نصائح كيسنجر للعام الجديد

وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر صانع سياسات وصاحب مبادرات في مجال إنهاء الصراعات والأزمات، تحدث في دافوس، في مايو من العام الماضي، عن ضرورة احتواء الحرب الأوكرانية وحذّر من إطالة أمدها، وأعرب عن أمله أن تكون المفاوضات بديلًا عن العمليات العسكرية، ونصح أوكرانيا حينذاك بتقديم تنازلات لروسيا فيما يخص شبه جزيرة القرم، وأن تعلن الالتزام بالحياد لطمأنة جارتها، وفي منتصف ديسمبر الماضي كتب مقالًا مطولًا في مجلة “ذا سبكتاتور” عنوانه: “كيف نتجنب حربًا عالمية أخرى؟”، تعرض فيه لتاريخ الصراع في أوربا وأسباب الحرب العالمية الأولى التي عدّها نوعًا من الانتحار الثقافي الذي دمر مكانة أوربا، وقارن الأمر بما يحدث الآن، وحذّر من مخاطر تدمير روسيا، فالأخيرة من وجهة نظره تسهم في توازن القوة العالمي، وتفكيكها أو تدمير قدرتها يمكن أن يحول أراضيها الشاسعة إلى فراغ متنازع عليه، وهو أمر سيؤدي إلى نتائج وخيمة على العالم كله.

العمليات العسكرية على الأرض تفرض واقعًا جديدًا على طاولة المفاوضات، لكن قد يؤدي ذلك إلى عدم تعجل الأطراف المنخرطة في الصراع للدخول في مفاوضات سلام على أمل تغيير الأوضاع على الأرض لصالحها، وقد يؤدى ذلك إلى إطالة أمد الحرب لتوسيع نطاقها.

وهو ما حذر منه كيسنجر حين تحدث عن عملية السلام بين روسيا وأوكرانيا وأمله في أن تبدأ قريبًا، وأقترح أن يكون لها شقان: الأول تأكيد حرية أوكرانيا، والآخر تحديد هيكل دولي جديد، خاصة لأوربا الوسطى والشرقية، وأن يكون لروسيا مكان ومكانة في هذا النظام، وهو ما تسعى له روسيا بحربها، لكن هل تجد نصائح كيسنجر آذانًا صاغية في الغرب؟

(3) الاختلاف هو أصل الخلاف

يظهر التباين واضحًا بين كلمة الرئيسين الروسي والأوكراني بمناسبة العام الجديد، تحدث بوتين عن عام 2022، وعدّه خطًا فاصلًا بين “الشجاعة والبطولة والخيانة والجُبن”، وأنه أقدم على العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا حفاظًا على سيادة روسيا ولحماية وحدة شعبها، في حين تحدث زيلنسكي عن هدف بلاده وهو استعادة كامل المناطق التي أعلنت روسيا عن ضمها بما فيها القرم.

بوتين يصف غزوه لأوكرانيا على أنه “عملية عسكرية خاصة”، وأن موسكو كانت مجبرة عليه لتصدي تكتل الغرب ضدها ومحاولته “تدمير” روسيا، وأما الغرب فيجد أنه لا يوجد لبوتين أدنى مبرر لغزو أوكرانيا واحتلال أراضيها.

حديث المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل لصحيفة “Zeit” الألمانية أكد اتهامات بوتين للغرب، فلقد صرحت ميركل أن اتفاقية مينسك عام 2014 (بين روسيا وأوكرانيا) كانت محاولة لمنح أوكرانيا الوقت الكافي لتستعد عسكريًا للحرب ضد روسيا، وأن الناتو لم يكن يستطيع وقتذاك تقديم ما يقدمه الآن لأوكرانيا، إذن بموجب تصريح ميركل لم يكن هدف الاتفاقية إقرار السلام بين أوكرانيا وروسيا لكن لكسب الوقت، وهو ما يؤكد حديث بوتين عن رغبة الغرب في تدمير روسيا.

الأمور بدأت تتضح بعد مرور عشرة أشهر على هذه الحرب، الأمر أكبر بكثير من حدود أوكرانيا، الدعم غير المحدود الذي يقدمه الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية هو في الأساس دفاع عن مستقبل الهيمنة الغربية، وتوزيع مناطق النفوذ على خريطة الكرة الأرضية، والأطراف جميعها تدرك أن نتائج هذه الحرب ستحدد النظام العالمي لعقود قادمة، وأن التصادم الأمريكي الصيني القادم سيحسم التنافس بين البلدين، ويحدد مكانة كل منهما في المستقبل القريب.

(4) أمريكا تستعد

الصدام المؤجل بين أمريكا والصين قادم لا محالة، وسيكون على أرض تايوان، وهناك مؤشرات على ذلك الافتراض، الإخلاء العاجل لصناعة أشباه الموصلات من تايوان ونقلها إلى الولايات المتحدة، وتوقيع الرئيس الأمريكي جو بايدن على قانون لمنح مساعدات بقيمة 52 مليار دولار لإعادة إنتاج أشباه الموصلات في بلاده، وكذلك النقص في رقائق الحواسيب الآلية، والذي ظهر فجأة قبل عام في جميع أنحاء العالم، ويبدو أن الولايات المتحدة استحوذت على هذه المكونات للاحتياطي الاستراتيجي لها في حال نشوب حرب وحتى لا تتعرض صناعتها للخطر من نقص الرقائق.

من يتابع روسيا، الصين، إيران وكوريا الشمالية، يجد أن الدول الأربع تذيع بيانات متتالية عن استعداداتها القتالية، وفي المقابل يراقب الغرب (أمريكا وأوربا) بحذر وترقب هذه الخطوات وتدين اليابان وكوريا الجنوبية تهديدات كوريا الشمالية وتعلن استعداها للرد، ويبدو أن الصراع القادم سينتقل من أوربا إلى آسيا لكن تأثيره سيعم العالم شرقًا وغربًا جنوبًا وشمالًا.

كنا نتمنى أن يكون 2023 عام سلام وتنمية وازدهار وتعاون دولي في مجال البيئة وتغير المناخ، وأن تنتهي الحرب الأوكرانية، وأن تجد أمريكا والصين طريقًا للتغلب على أخطار المنافسة المحتدمة بينهما وتطوير فهمًا مشتركًا للتعاون المفيد للطرفين وللعالم كله، حتى لا يؤدي هذا التنافس إلى أضرار بالاقتصاد العالمي، وكنا نتمنى أن يحقق الاقتصاد العالمي نموًا مرتقبًا وأن تنخفض معدلات التضخم وغلاء أسعار السلع الأساسية، لكن للأسف فقادة الدول العظمى لا يستمعون لأنين البسطاء، لكن ينصتون لتعليمات أمراء الحروب وملوك الاستحواذ والهيمنة.

المصدر : الجزيرة مباشر