ثورة يناير.. عندما توقع السياسيون عدم حدوث ثورة!

 

بعد مرور أيام على ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، وأثناء دخولي المصعد في نقابة الصحفيين، وجدت مِن ضمن مَن كانوا معي المناضل اليساري أحمد شرف، فمازحته قائلا “كلكم لم تتوقعوا الثورة، حتى أنت استبعدت ذلك على الأقل في السنوات القادمة”، فردّ عليّ قائلا “لا، أنا كنت متوقّعها”، فلم أشأ أن أوقعه في حرج أكثر، خاصة أنه ضيف في نقابتنا العريقة التي فتحت أبوابها عقب ثورة يناير، لتكون لجميع المصريين، واكتفيت بالضحك معه لإزالة الحرج عنه.

انتفاضة الخبز

سبب حواري مع أحمد شرف أنه في بداية شهر يناير 2011 كنت في جريدة الأحرار المصرية ضمن المشاركين في عمل ملف ضخم عن انتفاضة الخبز في 18 و19 يناير عام 1977، التي هبّ فيها الشعب المصري ثائرا ضد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وذلك عندما استيقظ فيها المصريون على قرار الحكومة برفع أسعار بعض السلع الأساسية، مثل الخبز والشاي والأرز والسكر واللحوم، وغيرها من السلع الضرورية بنسبة تصل إلى الضعف.

كان رد فعل الشارع المصري على تلك الزيادات -حينَها- خروج الناس إلى الشوارع في مظاهرات امتدت من الإسكندرية شمالا حتى أسوان جنوبا، مرورا بالقاهرة وجميع المحافظات، مما جعل “السادات” يتراجع عن تلك القرارات، بل أطلق عليها مسمى “انتفاضة الحرامية”، وخرج الإعلام الرسمي يتحدث عن المخططات الشيوعية، لإحداث اضطرابات وبلبلة في البلد، وقلب نظام الحكم، وتم إلقاء القبض على عدد كبير من الناشطين السياسيين من اليساريين قبل أن تُصدر المحكمة حكمها بعد ذلك بتبرئتهم.

انتفاضة الخبز لم يكن الرئيس السادات يتوقعها إطلاقا، خاصة بعد انتصاره في حرب أكتوبر 1973، مما أثر في نفسيته كثيرا -كما ذكر المقربون منه- بل أصبح عصبيا، وأصيب ببعض الأمراض.

لن تحدث ثورة!

المهم أننا كنا نعدّ ملفا عن هذه الانتفاضة بمناسبة ذكراها، وحاورت كثيرا من الشخصيات السياسية عن الوضع في مصر -حينئذ- وكان من ضمن الشخصيات المناضل اليساري أحمد شرف، والمفكر الناصري وأمين التثقيف بالحزب الناصري فاروق العشري، وكذلك الكاتب الصحفي صلاح عيسى، وآخرون.

وعندما سألت هؤلاء السياسيين عن إمكانية قيام ثورة في مصر، وتوقعاتهم في ذلك، كانت الإجابة باستبعاد قيام المصريين بثورة على نظام “مبارك” في ذلك الوقت، بل في المستقبل القريب، أو حتى البعيد، ومِن ضمن مَن أجاب بهذه الإجابة أحمد شرف، ونشرنا الملف في 18 و19 يناير 2011 بعد قيام الثورة التونسية بأيام. ورغم ذلك، فقد كان السياسيون والمسؤولون يقولون “مصر ليست تونس، وهناك فرْق، ولن تقوم ثورة في مصر”.

نعم، كان الوضع في مصر على الأرض تحت السيطرة من قِبل نظام المخلوع “مبارك” وأجهزته الأمنية، وجميع الأجهزة الأخرى، فضلا عن قانون الطوارئ الذي كان يحكم به البلاد منذ توليه الحكم حتى رحيله، بل وصل الأمر إلى تزوير انتخابات مجلس الشعب -المسمى مجلس النواب حاليا- بحيث لم يُسمح بنجاح أي عضو معارض من جميع الأحزاب، حتى جماعة الإخوان التي كان لها 88 عضوا في المجلس السابق فشلت هي الأخرى.

“خلّيهم يتسلّوا”!

وكانت هذه الانتخابات بهندسة وتنسيق رجل الأعمال أحمد عز، الصديق المقرّب لجمال مبارك، نجل الرئيس المخلوع.

وتجلّى الغرور وعدم الاهتمام بقوى المعارضة أثناء كلمة “مبارك” في الجلسة الافتتاحية لمجلس الشعب 2010، عندما سأله نواب الحزب الوطني المنحلّ عن البرلمان الموازي الذي شكلته قوى المعارضة من نواب سابقين ومرشحين تم إسقاطهم خلال الانتخابات التي جرت، فردّ مبارك وهو يضحك باستخفاف “خلّيهم يتسلّوا”.

لم يتوقع “مبارك” والذين معه أنه خلال أسابيع قليلة ستكون هذه الجملة وهذا المجلس سببين في خلعه، ويكون هذا المجلس الذي يلقي فيه كلمته قد تم حله هو والحزب الوطني أيضا في ثورة 25 يناير المجيدة التي لم يتوقعها “مبارك” ورجاله، ولا وزير داخليته حبيب العادلي، وجميع أجهزته، ولا أحمد عز ورجاله، ففي لحظة واحدة كان الشعب يقول كلمته، ليسطر في كتب التاريخ سطورا من أشرف وأعظم أيام الشعب المصري في تاريخه الحديث.

غرور مبارك.. وغفلة الإخوان

وذكّرني غرور “مبارك” ورجاله -حينئذ- بغفلة الإخوان قبل 30 يونيو، حيث قابلتُ قبلها بأيام نائب مجلس شورى بلدياتي، ومعه نائبان آخران، وقلت لهم “إن الإعلام ضدكم، وكذلك معظم الناس الآن”، فما كان ردهم إلا أن الشعب معهم، ولن يحدث شيء، بل قالوا “انظر لرغيف الخبز وحجمه ونظافته، وزجاجة زيت التموين، وأنبوبة الغاز”، فقلت لهم “هناك عشرات القنوات تعمل ضدكم، وإعلامكم فاشل جدا في توصيل أي رسالة، أو الدفاع حتى عن رغيف الخبز هذا الذي تتباهون به”، وما هي إلا أيام وحدث ما حدث في 30 يونيو.

لذلك، لم يكن أكثر المتشائمين من رجال “مبارك” يتوقعون نجاح ثورة يناير، بل إنني رأيت بنفسي ليلةَ موقعة الجمل في الأول من فبراير 2011 (بعد خطاب مبارك العاطفي الذي قال فيه إنه سيموت في مصر) بعضَ الشباب الصغير في السن وغيرهم يتركون الميدان مع التواعد غدا بالذهاب إلى ميدان مصطفى محمود، حيث المظاهرات المؤيدة لمبارك، وعندما سمعنا الخطاب ونحن في نقابة الصحفيين خرجنا في مظاهرة رافضة حتى ميدان التحرير.

وبعد ظهر الثاني من فبراير، حدثت موقعة الجمل التي سقط فيها 11 قتيلا من المتظاهرين، و2000 جريح على الأقل، مما جعل الشعب يتعاطف مع الثوار، وتكون معركة الجمل زخما جديدا في الميدان، ليمتلأ بعد ذلك وحتى خلع مبارك بالثوار، ولتصبح موقعة الجمل دافعا لنا لاستكمال ثورة لم نحافظ عليها كما يجب.

وهكذا، فإن الثورات بلا موعد محدد، ولكنها دائما مؤكدة، عندما يريد الشعب.

المصدر : الجزيرة مباشر