هـذا القـرآن.. وذلـك الحقـد!!

لو أن أهل الإنجيل علموا ما في القرآن من تمجيد وإيمان بالسيد المسيح، والسيدة العذراء مريم، لما فعلوا ما فعلوا من حرق وتمزيق للمصحف الشريف بين الحين والآخر، ولو أن الأوربيين تحديدًا عقلوا ما في القرآن من إعجاز علمي، لآمنوا به عن اقتناع وطيب خاطر، بل ودافعوا عنه في المحافل كلها، ولو أن العالم أجمع فقه ما في القرآن من حض على الأخلاق والرحمة واللين وحسن الخلق وحب الآخر وود الجار واحترام الكبير والعطف على الصغير وحقوق الوالدين والأسرى والسجناء والتسامح والتعايش السلمي، إلى غير ذلك من كثير، لتغيرت نظرتهم للإسلام والمسلمين.

العيب فينا إذن، والقصور منا نحن، واللوم علينا بالتأكيد، نحن الذين توقفت بنا الحياة عند خلافة الدولة العثمانية، وفتوحات الدولة العباسية، وحدود الدولة الأندلسية، لم يعد أحد يسمع بالإسلام إلا ما ندر، باجتهاد شخصي لمن يشهر إسلامه تارة، أو بجهد شخصي لمن دعاه للإسلام تارة أخرى، فكان ما كان من تقصير واضح، وكان ما كان من اعتقاد كاذب بأن الإسلام يدعو للعنف، أو أن المسلمين أهل إرهاب، أو أن القرآن كتاب كراهية، أو أن رسول الإسلام داعية حرب، إلى غير ذلك من هواجس كثيرة، طغت على أذهان العامة من أهل الملل الأخرى، ونخرت في عقول خاصتهم.

كم من أهل الإنجيل أو الديانة المسيحية، يعلمون أن المسلم لا يعد مسلمًا كامل الإيمان إلا إذا آمن بالرسل كلهم، بمن فيهم المسيح عيسى عليه السلام؟ كم منهم يعلم أن كلمة عيسى ذكرت في القرآن الكريم 25 مرة؟ وكلمة المسيح 11 مرة، في معرض الإشادة واستعراض السيرة الذاتية، كم منهم يعلم أن اسم مريم ذكر في القرآن الكريم 34 مرة؟ في إطار التكريم والثناء، لدرجة أنها المرأة الوحيدة التي ذكر اسمها صراحةً، على عكس، {امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ}، أو {امْرَأَةَ نُوُحٍ وامْرَأَةَ لُوُط}، سورة التحريم، أو حتى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم {يَا نِسَاءَ النَبِي}، سورة الأحزاب.

كم من أتباع النصرانية واليهودية معًا يدركون أن القرآن الكريم أوصى بهم؟ حينما قال: {لَا يَنْهاكُم الله عن الذِيِنَ لَمْ يُقَاتِلُوُكُم في الدِيِنِ ولَمْ يُخْرِجُوُكُم مِنْ دِيَارِكُم أَنْ تَبَرُّوُهُمْ وتُقْسِطُوُا إِلَيْهِم إِنَّ الله يُحِبُ المُقْسِطِيِن} سورة الممتحنة، كم منهم يدركون نص ما جاء في سورة العنكبوت {وَلاَ تُجَادِلُوُا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَا بِالتِي هِيَ أَحْسَنُ}؟ كم منهم قرأوا عن واقعة التقاضي بين سيدنا علي بن أبي طالب وذلك اليهودي الضعيف الحيلة، أو واقعة شكوى المواطن النصراني من ابن والي مصر سيدنا عمرو بن العاص، وغير ذلك من كثير تذخر به السيرة الإسلامية على مدى 1400 عام.

جهل مطبق

نحن أمام جهل مطبق من الآخرين بالإسلام، بقوانين الحدود في الإسلام، بأركانه بسننه بقواعده بقرآنه برسوله بصحابته بتابعيهم بسيرتهم، بالتالي كان الجهل مطبقًا بالحكمة من الصلاة والصيام والزكاة والحج والوضوء والمعاملات والميراث والزواج والطلاق، إلى آخر ذلك من كل شيء تقريبًا، وهو ما أفضى إلى مثل هذه المواقف التي تنم عن حقد دفين، وفي الوقت نفسه جهل كبير، يتحمل أهل العقيدة الإسلامية المسؤولية عنه، قدر مسؤولية هؤلاء الجهلاء الذين يفصحون عن حقدهم وجهلهم في آن واحد.

المسؤولية هنا تقع على المؤسسات الإسلامية بالدرجة الأولى، وهي التي تقوقعت في معظمها في خدمة الأنظمة الحاكمة، أيضًا تقع على القائمين على أمر الأموال الإسلامية، وهي التي أُنفق معظمها في غير موضعها، فلم نسمع يومًا عن جزء من ميزانية أي من الأنظمة لنشر الدعوة الإسلامية، أو حتى مجرد توضيح سماحة الإسلام بالخارج، أيضًا تقع المسؤولية على أتباع الإسلام كلهم، لأنهم لم يسعوا إلى مجرد تفعيل الأمر الإلهي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى غير ذلك مما يطول شرحه في هذا المجال.

الحقيقة المؤلمة، هي أن ذلك الغرب المتطرف بحكم الواقع، استطاع أن يضعنا نحن المسلمين طوال الوقت في خندق الاتهام والدفاع، أصبحنا نردد على مدار الساعة: لسنا متطرفين، لسنا متشددين، لسنا إرهابيين، على الرغم من أنهم هم المتشددون والمتطرفون والإرهابيون، نحن نعترف بهم رغم افترائهم ونقائصهم، نقر بديانتهم رغم فسادها بشوائب التثليث التي اخترعوها، نقدس كتابهم رغم ما يدور حوله من شبهات تحريف ابتدعوها، إلا أن كل ذلك لم يشفع لنا، لأننا تنازلنا عمليًا عن أعز ما نملك، وهو الإسلام، فرطنا عمليًا في أهم دستور للحياة، وهو القرآن، أغفلنا عمليًا أهم عوامل التحضر، وهو سنة النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، باختصار: أهملنا أهم مقومات العزة والكرامة، فكانت النتيجة ما نحن عليه الآن.

ينبوع واحد

من المعلوم، أن الأديان كلها والشرائع الصحيحة تنهل من ينبوع واحد، فالجذور واحدة، والأسس متشابهة، والرسل جميعًا تتابعوا لأداء رسالة واحدة، إلى أن كان خاتم الأنبياء، فكان قول الله سبحانه وتعالى في سورة المائدة، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيِنَكُم}، ليس هناك دين يبيح الخمر، ليس هناك دين يشرع الزنا، ليس هناك دين يؤيد المثلية، ليس هناك دين يحض على الاستعمار والعنصرية، وهو ما يعني أن هذه الممارسات الغربية كلها لا علاقة لها بالمسيحية أو بالأديان عمومًا، على الرغم من ذلك دأبوا على جرنا إلى ذلك المستنقع الآثم، بدعوى أن ذلك هو التطور والتحضر، ساعدهم على ذلك بعض منا ممن ضلوا الطريق، ممن طُمس على قلوبهم بدعاوى العلمانية وغيرها، فكان ما كان من طعن في الإسلام، وتمزيق للكتاب الذي {لَا يَأْتِيِهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ولَا مِنْ خَلْفِهِ}، سورة فصلت.

أعتقد أن مجريات الداخل والخارج معًا، تحتم علينا إعادة النظر في التعامل مع ذلك الواقع، تحتم علينا الخروج من خندق الدفاع، تحتم علينا مواجهة الموقف بشجاعة، نحن هنا ندافع عن دين الله، عن كتاب الله، عن رسول الله، الأمر لم يعد يحتمل التردد، لم يعد يقبل الانبطاح، لم يعد يقبل غض الطرف، المسؤولية تقع على الجميع، كل على قدره، أفرادًا كانوا أو جماعات، لم يعد هناك أمل في الحكومات، ولا حتى المنظمات والمجالس والجامعات، عربية كانت أو إسلامية، آن الأوان كي ينطق العلماء، كي يتحدث خطباء المنابر، كي يجهر أولوا الرأي، الهدف النهائي أن تكون كلمة الله هي العليا، بالحكمة والموعظة الحسنة، الصمت لم يكن أبدًا حلًا لأي من الأزمات، كما التخاذل لم يكن أبدًا من شيم المسلم الحق.

المصدر : الجزيرة مباشر