الصوم في رجب مستحب أم بدعة؟!

شهر رجب، شهر يقدره المسلمون، وبخاصة بلدان كمصر والشام، وتركيا، ويترقب الناس قدومه، وقد بدأت في الآونة الأخيرة تنتشر ثقافة عامة لدى الناس، وبخاصة على مواقع التواصل: أنه لم تصح عن فضل رجب ولا صومه أحاديث، ولذا نرى بعضهم يتسرع في الحكم على الصوم في رجب بأنه بدعة، ولم يدرِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله، فهل بالفعل الصوم في رجب لم يرد فيه ترغيب، وليست مستحبًا، فضلًا عن أنه بدعة كما يشيع وينتشر في الآونة الأخيرة؟

أحاديث فضل الصوم في رجب:

وردت أحاديث عديدة عن فضل شهر رجب، وعن فضل الصيام فيه، لكن كثيرًا منها إن لم يكن معظمها يدور بين الضعيف والباطل، وما لا يصح، مثل أحاديث: “رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي”، و: “إن لله في الجنة نهرًا يقال له رجب، ماؤه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، من صام يومًا من رجب سقاه الله من ذلك النهر”، وأحاديث أخرى كثيرة، مما دعا عالمًا كبيرًا في الحديث هو الحافظ ابن حجر لتأليف كتاب بعنوان: (تبيين العجب بما ورد في فضل رجب)، وقد انتهى إلى أنه لم يرد في فضل رجب ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا قيام ليلة مخصوصة منه حديث صحيح يصلح للحجة.

سر كثرة الأحاديث الضعيفة حول رجب:

ولعل كثرة ورود هذه الأحاديث الضعيفة والباطلة عن شهر رجب، وعن صومه، تدل على مكانته بين المسلمين، فالأحاديث إما أن توضع لتعطي ما لا قيمة له قيمة وفضلًا، أو لتغتنم رغبة الناس في العمل، فتكثر من وضع الأحاديث لتزداد رغبة الناس فيه، واهتمام المسلمين بشهر رجب، نابع من نقطة مهمة، لعلنا نلحظها في سلوك المصريين والبلاد التي تهتم بالتهيؤ لشهر رمضان، فإن المصريين عندما يأتي شهر رجب، يقولون: لقد بدأت الأشهر الثلاثة، يقصدون بذلك: رجب وشعبان ورمضان، فيربطون رمضان بما قبله، ويتساءلون قبل قدوم رجب: كم بقي من الأيام حتى تبدأ الأشهر الثلاثة، ويظل المسلمون في العالم لا يهتمون بالتاريخ الهجري كثيرًا، حتى إذا اقترب شهر رجب، يبدؤون في معرفة الأيام، وكم بقي على رمضان، فالاهتمام برجب نابع من اهتمام المسلمين بشهر رمضان نفسه، وما يتم فعله فيه من صوم، أو طاعة، هو أشبه بالإحماء الرياضي قبل المباريات، فهو استعداد وتهيئة للجسد لشهر الطاعة والعبادة.

لماذا رفض بعضهم الصوم في رجب؟

وقد كانت خشية في منع من الفقهاء أو الصحابة من صوم رجب، لأسباب معروفة في زمانهم، وربما وجدت في زماننا، وربما لم توجد، ولذا علينا أن نفهم هذه الأسباب حتى لا نضيق على الناس ما وسعه الشرع في تعبدهم، فقد كره بعض الصحابة صوم رجب، وهو ما كان يفعله عمر بن الخطاب، حين رأى من يصومون في رجب، وورد عنه أنه كان يضرب أكف المترجبين، أي: الصائمين في رجب، حتى يضعوها في الطعام، ويقول: كلوا فإنما شهر كانت تعظمه الجاهلية، ودخل أحد الصحابة على أهله وعندهم سلال جدد وكيزان، فقال: ما هذا؟ فقالوا: لرجب نصومه، قال: أجعلتم رجب كرمضان.

فهنا كانت خشية عمر أن يعظموا رجب كما يعظم رمضان، فهو سر كراهيته لصومه، وكذلك بعض الصحابة، فلم تكن العلة هنا المنع في حد ذاته، إنما الخوف من أن يظن الناس أنه كالفريضة، ويبدأ الناس في نسيان حكمه الأصلي، وهو الاستحباب، وليس الفرضية، أو أن يأخذ نفس مكانته التي كانت عند أهل الجاهلية، وهو ما فعله عمر عندما قطع الشجرة التي بايع الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم تحتها، بما سمي ببيعة الشجرة، وذلك مخافة أن يقدسها الناس.

وبيّن الإمام الطرطوشي المالكي، سر كراهة من كره من العلماء صومه، فقال: (يكره صيام رجب على أحد ثلاثة أوجه، أحدها إذا خصه المسلمون بالصوم في كل عام، ظن العوام ومن لا معرفة له بالشريعة مع ظهور صيامه أنه فرض كرمضان، أو أنه سنة ثابتة خصه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كالسنن الراتبة، أو أن الصوم فيه مخصوص بفضل ثواب على سائر الشهور).

صوم رجب مستحب:

لقد ركز بعضهم على ما سبق من عدم صحة كثير من الأحاديث التي وردت في فضل رجب، وعلى الخوف من اعتقاد بعضهم فرضية صومه، أو إعطائه نفس درجة الشهر الكريم رمضان، فبالغ بعضهم حتى بدع، أو كاد، من يصومه، رغم أن من النصوص الواردة الصحيحة ما يبين فضلًا للصوم فيه، من حيث استحباب ذلك، فالحديث الذي رواه أسامة بن زيد رضي الله عنه، قلت: يا رسول الله! لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: “ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه، ‌بين ‌رجب ‌ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم”، فالنبي صلى الله عليه وسلم بين هنا أن الناس تنتبه لرجب ورمضان، وتغفل عن الصوم والعبادة في شعبان، فلو كان الصوم في رجب منهيًا عنه، أو بدعة، أو مرفوضًا، لنبه على ذلك صلى الله عليه وسلم، بل نبه على شهر شعبان، أن الناس تغفل عنه، ويزداد اهتمامها برجب ورمضان، ففعله هنا كان من باب التنبيه لشهر ثالث، وليس رفضًا لما يقام في الشهور الباقية من تعبد.

وقد علق الإمام الشوكاني على هذا الحديث تعليقًا مهمًا، إذ يقول: (إن شعبان شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان، إنه يستحب صوم رجب؛ ‌لأن ‌الظاهر ‌أن ‌المراد ‌أنهم ‌يغفلون عن تعظيم شعبان بالصوم كما يعظمون رمضان ورجبا به… المراد بالناس: الصحابة، فإن الشارع قد كان إذ ذاك محا آثار الجاهلية، ولكن غايته التقرير لهم على صومه، وهو لا يفيد زيادة على الجواز، وقد ورد ما يدل على مشروعية صومه على العموم والخصوص.

أما العموم فالأحاديث الواردة في الترغيب في صوم الأشهر الحرم وهو منها بالإجماع، وكذلك الأحاديث الواردة في مشروعية مطلق الصوم.. ولا ‌يخفاك ‌أن ‌الخصوصات إذا لم تنتهض للدلالة على استحباب صومها انتهضت العمومات، ولم يرد ما يدل على الكراهة حتى يكون مخصصًا لها).

الصوم في رجب بنية النوافل والقضاء:

فخلاصة الأمر هنا: أن الصوم في شهر رجب مستحب، فهو من صيام النوافل المطلقة التي لا يملك أحد أن يمنعها شرعًا، ولم يدع أحد ممن يصوم في رجب، أن من لم يصم قد أثم بعدم الصوم، وكثير ممن يصوم يريد بذلك التهيئة لرمضان، فمستحب إذن الصوم فيه، بل يملك الصائم للنوافل في رجب، وشعبان، أن يجمع بين نية الصوم للنوافل والقضاء مما فاته، سواء كانت عليه أيام قضاء في رمضان، أو كفارة من الكفارات، أو كانت امرأة أفطرت لعذر شرعي، وهو رأي فقهي معتبر، عليه نصوص وأدلة، وقال به عدد من الفقهاء المعتبرين كذلك.

 

 

المصدر : الجزيرة مباشر