العجز التجاري الهندي وراء الاحتفاء بمصر

موكب يوم الجمهورية في نيودلهي "رويترز"

يعاني الاقتصاد الهندي من عجز مزمن في الميزان التجاري السلعي منذ أكثر من ربع قرن، مع تراجع نسبة تغطية الصادرات للواردات خلال السنوات الأخيرة عما كانت عليه أواخر القرن الماضي، ويعد كبر قيمة واردات الطاقة السبب الرئيسي لذلك العجز التجاري، ولهذا تزيد قيمة العجز في سنوات ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي والفحم كما هو الحال في العام الماضي والحالي.

وتضمن التوزيع النسبي لموارد الطاقة للهند في العام الأسبق، استحواذ الفحم على حوالي 57% من الإجمالي يليه النفط بنسبة 27%، والغاز الطبيعي بـ6% والطاقة المتجددة بـ5% والطاقة الكهرومائية بـ4%. وفي ذلك العام كانت نسبة الاكتفاء الذاتي من الفحم 67% ومن الغاز الطبيعي 50% ومن النفط أقل من 13%.

وفي ضوء كثرة السكان البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة، فقد احتلت الهند المركز الثاني في واردات الفحم بين دول العالم بنسبة 15%، والمركز الثالث عالميا في واردات النفط الخام، والمركز السادس عالميا في واردات المشتقات البترولية، والمركز السادس عشر دوليا في واردات الغاز الطبيعي، ولهذا بلغت قيمة واردات الطاقة 170 مليار دولار في العام الأسبق تمثل نسبة 30% من مجمل الواردات.

ونظرًا لكبر قيمة واردات الطاقة فقد احتلت الدول العربية أماكن بارزة على خريطة الواردات الهندية، حيث احتلت الإمارات العربية المركز الثاني، والسعودية المركز الخامس، والعراق السادس، وقطر الخامس عشر، والكويت الثامن عشر، وسلطنة عمان الرابع والعشرين، إلى  جانب إندونيسيا في المركز العاشر وماليزيا في المركز الرابع عشر ونيجيريا في التاسع عشر.

  فائض هندي في التجارة مع مصر

وتأتي خطورة العجز التجاري من كبر حجمه، مما يجعله يستوعب الفائض المتكرر بالميزان التجاري الخدمي منذ خمسة عشر عاما، وكذلك موارد تحويلات الهنود بالخارج التي احتلت بها الهند المركز الأول بدول العالم في العام الأسبق بقيمة 89 مليار دولار، ليسفر ميزان المعاملات الجارية عن عجز مزمن، وعندما انخفضت أسعار الطاقة عام 2020 مع ظهور فيروس كورونا، حقق ميزان المعاملات الجارية فائضا للمرة الأولى خلال خمسة عشر عاما.

وخيّم العجز التجاري المزمن على خريطة شركاء الهند في التجارة، حيث كان هناك عجز تجاري مع تسع دول من الدول العشرة الأوائل في التجارة مع الهند، وضمن الدول العشرين الأوائل في التجارة معها كان هناك عجز تجاري مع 16 دولة، وفائض تجاري مع أربع دول فقط. ومن هنا تسعى الهند لزيادة صادراتها إلى  الدول النامية خاصة بنغلاديش ونيبال وفيتنام ونيجيريا وسريلانكا وإسرائيل ومصر.

وحسب البيانات المصرية الصادرة عن جهاز الإحصاء الحكومي فإن الهند تحقق فائضا تجاريا مع مصر منذ عام 2012 وحتى الآن من دون انقطاع، مع زيادة ذلك الفائض تدريجيا، ليحقق في العام الماضي أعلى معدل له بلغ 2.1 مليار دولار خلال عشرة أشهر فقط مقابل 1.186 مليار دولار فائض في العام الأسبق كاملا.

وهو ما يعني على الجانب الآخر تراجع نسبة تغطية الصادرات المصرية إلى الهند، مقارنة بقيمة الواردات منها، لتنخفض العلاقة التجارية من تحقيق فائض مصري خلال سبع سنوات من العقد الأول في الألفية الجديدة، بنسبة تغطية بلغت 27% عام 2017 ثم تحسنت النسبة بعد ذلك بعض الشيء.

وخلال الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي، بلغت قيمة الواردات المصرية من الهند 3.7 مليارات دولار مقابل 1.5 مليار دولار، والغريب أن الواردات من الهند زادت بنسبة 45% على قدرها في نفس الأشهر من العام الأسبق، في حين انخفضت قيمة الصادرات المصرية إلى الهند بنسبة 14%.

  أغلب الصادرات نفط وغاز طبيعي

وخلال العام الأسبق تضمن التوزيع النسبي للصادرات المصرية إلى الهند، 44% للنفط الخام و17% للغاز الطبيعي المسال و13% للأسمدة، و6% للمنتجات الكيماوية ونفس النسبة للقطن و3% للفواكه، و1% للحديد ومصنوعاته ونصف بالمائة للزجاج ومصنوعاته.

وعلى الجانب الآخر تضمن التوزيع النسبي للواردات المصرية من الهند 22% للحوم و10% للسيارات والدراجات وأجزائها، و9% للمنتجات الكيماوية و8% للحديد ومصنوعاته، و7% للأجهزة الكهربائية و6% للآلات وأجزائها و4% للشعيرات التركيبية، ونفس النسبة للّدائن ومصنوعاتها و2% للمطاط ومصنوعاته ونفس النسبة للحبوب.

وإذا كانت التجارة الخارجية تمثل المكون الأكبر بالعلاقات الاقتصادية بين مصر والهند، فإن مجمل العلاقات الاقتصادية بين مصر والهند من تجارة واستثمار وسياحة ونقل وتحويلات وخدمات يأتي في صالح الهند منذ عام 2008 وحتى الآن من دون انقطاع، وفي العام المالي 202/ 2021 الذي كان آخر بيانات منشورة، بلغت متحصلات مصر من كافة صور تعاملاتها الاقتصادية مع الهند 437 مليار دولار، في حين بلغت قيمة مدفوعاتها للهند 2.44 مليار دولار، بعجز 2 مليار دولار.

حيث حققت الهند فائضا في العلاقات التجارية وزادت حصيلتها من السياحة المصرية بالهند على إنفاق السياحة الهندية المحدودة بمصر، كما زادت متحصلات الهند من خدمات النقل للطائرات والسفن المصرية، على مدفوعاتها عن خدمات النقل لمصر متضمنة رسوم عبور قناة السويس، وكذلك زادت متحصلات الهند من تحويلات العمالة الهندية بمصر على مدفوعات العمالة المصرية بالهند، بل زادت حصيلتها من الاستثمار المباشر على مدفوعاتها للاستثمار المباشر بمصر.

وتشير بيانات البنك المركزي المصري إلى محدوية الاستثمار الأجنبي المباشر الهندي الوارد إلى مصر، الذي بلغت قيمته 29 مليون دولار في العام الأسبق، وكانت قيمته سالبة عام 2020، ليصل إجمالي  قيمته خلال السنوات العشر الممتدة من 2012 حتى 2021، إلى نحو 305 ملايين دولار بمتوسط سنوي يبلغ 30.5 مليون دولار.

من كل ما سبق يتضح هدف رئيس الوزراء الهندي من رفع مستوى العلاقة بين البلدين إلى  مستوى شراكة استراتيجية، واستهدافه زيادة حجم التجارة بين البلدين إلى 12 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، لإدراكه أن هناك فائضا تجاريا هنديا كبيرا بتلك التجارة في بلد يبلغ سكانه 104 ملايين نسمة.

ويؤكد ذلك تحسن مركز الهند في الواردات المصرية، من المركز الخامس عشر عام 2011 لتظل تتقدم حتى احتلت المركز الرابع في العام الماضي بعد الصين والسعودية والولايات المتحدة، في حين جاءت الهند في المركز العاشر في قائمة دول الصادرات المصرية العام الماضي، إلى جانب سعي رئيس الوزراء لبيع أسلحة هندية لمصر منها المقاتلة الهندية تيجاس، ولهذا كانت دعوة الهند لمصر لتكون ضيفا خاصا في قمة العشرين التي ترأسها الهند خلال العام الحالي!

المصدر : الجزيرة مباشر