أفكار “تسرق” منك اختيار السعادة وتجعلك عدوًّا لنفسك

السعادة ضيف يعتز بنفسه ولا يفرض نفسه علينا ويتأكد من تشبثنا به واختيارنا له ويختبر ذلك جيدًا قبل البقاء بأعمارنا.
نبدأ بخطأ تعليق كل سعادتك في الحياة على شخص أو موقف أو انتصار ونجاح في الحياة؛ فستصدم حتى بعد الفوز بما رغبت فيه، باكتشاف أن في الحياة ضغوطا ومشاكل وأزمات تحتاج منك إلى بذل الجهد، وما فزت به أسعدك بعض الوقت، ولكنه لم يكن خاليًا من التبعات الجانبية وليس شهدًا خالصًا؛ فلا شيء في الدنيا كذلك.
لا تؤجل سعادتك؛ فتقول سأفرح بعد انتهائي من العمل أو عندما أذهب في رحلة؛ افرح وأنت تعمل، وافرح وأنت تنتظر الرحلة؛ وفي كل يوم فرص للفرح فلا تهدرها أبدًا.
افرح بما لديك وبادر للفوز “بالأكثر”؛ فإن لم تفعل فستكون مثل “سيزيف” الذي عاقبته الآلهة بالأسطورة الإغريقية بحمل الصخرة والصعود بها إلى أعلى ثم النزول بلا توقف.
تنبه لكثرة التوقعات من نفسك وممن تحب ومن نجاحك في العمل؛ فكثيرا ما تقودك لمخاصمة السعادة بدلا من احتضانها، وتجنب التوقعات السلبية من الحياة ومن نفسك ومن الجميع؛ فكما قال فرويد: “لن تعثر عن السعادة وأنت غارق في الألم”.
رأيت سيدة كانت متألمة فقلت لها تذكري مواقف أسعدتك فقالت بأسى: “دعتني صديقتي الثرية بمنتجع رائع ولم أفرح طوال الوقت؛ لتفكيري بأنها دعتني والأيام ستمر سريعا وسأعود إلى منزلي المتواضع، ولن أتمكن من العودة إلى المنتجع ثانية فتكلفة الإقامة به باهظة ولن تدعوني مجددا”.
كانت هذه السيدة نموذجًا متكاملًا لكل من يحرم نفسه من الفرح باللحظة خوفًا وانتظارًا لما بعدها؛ والأذكى الفرح والامتنان لوجودها وبأننا ما زلنا على قيد الحياة وبإمكاننا الفرح بأي شيء حتى لو كان قطعة صغيرة من الحلوى؛ بشرط عدم مقارنتها بما لدى الآخرين وهو أكبر وأخبث سارق للسعادة.
الامتنان أوكسجين السعادة؛ فيذكرنا بالنعم التي لدينا ويزيدها، قال الإمام علي كرم الله وجهه: “إذا وصلت إليكم أطراف النعم لا تنفروا أقصاها بقلة الشكر”.
السعادة والمال
ربط السعادة بالمال خطأ شائع فالساعي وراء المال -فقط- كمن يشرب من ماء البحر فلا يرتوي أبدًا، نقدر أهمية وجود المال لإشباع حاجاتنا الأساسية وللحماية من ضغوط الفقر ومشاكله التي من السفه التخفيف منها، لكن نتذكر أن أغنى أغنياء العالم لديهم مشاكل من نوع آخر، ومنهم من يتملكه الخوف المرَضي على ثروته فيعيش محرومًا من الفرح بها ويصبح خادمًا وعبدًا لها وليس سيدًا عليها يتمتع بها.
نرى أهمية المال في الحياة وضرورة السعي لزيادة رصيدنا منه لتحقيق قدر لطيف من الرفاهية المادية يجنبنا التفكير المجهد قبل التخطيط لرحلة أو شراء الكماليات ومنع الخوف من عدم استطاعة إكمال النفقات المطلوبة الشهرية وأحيانا الأسبوعية أو اليومية، ولكن ربط السعادة بالمال وحده هو أكبر مصدر للإيذاء.
يربط البعض السعادة بتمتعه بشبكة اجتماعية واسعة ولا نعرف السبب؛ فهل سيسعى للترشح في انتخابات ويهمه رضا الناس عنه وترحيبهم بوجوده معهم؛ فالثابت أن الناس مشغولون بأنفسهم -بدرجات متفاوتة- ولا يعنيهم الآخرون ويتذكرونهم فقط عند رؤيتهم، ومعظهم يستخدم الآخرين؛ فيرون كيف يستفيدون من العلاقات؛ فبعضهم يفضل من يفضفض معه، وآخر يرحب بالمرِح الذي يجلس معه ليبتعد عن التفكير في مشاكله ويجدد نشاطه وآخر يصاحب من يفتخر بمعرفته لتميزه أو لشهرته أو ثرائه…
الجميع لا يحفلون كثيرا بمن يعرفون بل ينغمسون في تفاصيلهم الخاصة؛ فما الحاجة وراء “استعباد” النفس بإرضاء الناس؟ أليس من الأذكى التركيز على المقربين والتعامل بلطف مع الباقي؟
ثم لماذا الخوف من الوحدة أحيانا؟ ولماذا الهرب من الانفراد بالنفس؟ أليس فرصة رائعة للفرح ومكافأة أنفسنا على مزايانا وإنجازاتنا وانتصاراتنا -وإن بدت غير كافية- والتنبه لما يعرقل خطواتنا للفوز بسعادة أكبر وبرضا أجمل عن النفس وعن الحياة ومنع الإحباط من السيطرة على أعمارنا؟
أسوأ عدو لنفسه
من أعداء السعادة ربطها بالحصول على كل ما هو مثالي من المظهر والتفكير والتصرفات؛ فلا أحد بالكون مثالي. وهذا ليست دعوة للانهزامية وتقبل التراجعات في الحياة؛ ولكنها مطالبة بالرحمة بالنفس؛ فبدونها تتحول حياتنا إلى جحيم وإن أشاد الجميع بنجاحنا وتميزنا؛ فالمتشبث بالمثالية أسوأ عدو لنفسه؛ وعندما تضبط نفسك “متلبسًا” بها؛ فلا تستسلم وكن وسطًا وتوقع عودة التفكير في المثالية لاعتياده، وابتسم وقم بإزاحته بلطف وبحزم وقل: وإن عدت عدنا.
يظلم بعض الناس نفسه بالحرمان من حقها في السعادة بربطها بالانتهاء من مواجهة مشاكله؛ والواقع يؤكد عدم انتهائها، وهذا ليس تشاؤما بل قراءة أمينة للحياة فستخفت حينا ثم تظهر ثانية، وواجبنا على أنفسنا التعامل مع السعادة على أنها ضرورة كتناول الطعام وتعاطي العلاج فهي كالفيتامينات تقوي الجسد وكالمضادات الحيوية تقاوم الإفراط في التفكير في الأسوأ وتنعش النفس وتجدد الزهو وتضاعف الحيوية؛ فلنسعد بأن المشكلة أيًّا كانت لم تكن أشد وأقسى ونذكر أنفسنا بمشكلات أخرى واجهتنا وانتصرنا عليها لنفرح ولنحذر من التباكي على سوء الحظ أو رثاء النفس؛ فهذا أبشع ما نفعله بأنفسنا.
نحتاج جميعًا إلى التعلم من القول الرائع للأديب سومرست موم: “من أكبر أخطائي أني كنت أمر على لحظات الفرح مرورًا عابرًا وأعيش الحزن بكل مشاعري”.
من الإيذاء الشائع للنفس تأجيل الترفيه للانغماس بالعمل أو لأي سبب أو حرمان النفس من ممارسة الهوايات للانشغال؛ وجميعنا نضيع يوميًّا أوقاتًا في متابعة وسائل التواصل الاجتماعي حتى مع شدة انشغالنا؛ والأذكى تخصيص وقت للترفيه يوميا وآخر أسبوعيا للهوايات ولو ربع ساعة يوميا للجلوس بهدوء بانفراد لتناول المشروب المفضل بعيدا عن الفضائيات ووسائل التواصل؛ فقط نركز على تنفسنا ونقول كلامًا لطيفًا لأنفسنا بهدوء ونبتسم -مهما كانت الظروف- والابتسام يفرز بالمخ هرمونات تحسن المزاج ولو كان غير حقيقي؛ فلنمنحه لأنفسنا وننعم بزيادة البراح النفسي.