كامل كيلاني رائد أدب الأطفال.. اسم يستحق التكريم في معرض القاهرة الدولي للكتاب

كامل كيلاني

 

كنا صغارًا، تجمعنا حواديت الجدات حول نيران المدفأة في الشتاء، وقبل النوم، تنطلق بنا قوارب الأحلام الفضية، نحو عوالم أخرى وأبطال أسطوريين، مثل الشاب الذي أنقذ القطار، بعدما أشعل قميصه لينتبه سائق القطار ويوقفه. وهذا الطفل الذي أخذ أجره كيسًا من البازلاء المسحورة، فزرعها واخضرت الأرض وصار غنيًّا. وذلك الراعي الذي كذب على أهل قريته مرات عدة، فكان عقابه أنهم لم يتمكنوا من نجدته، عندما جاء الذئب بالفعل.

والكثير والكثير من الحواديت التي ترسخت في وجداننا، وبقيت لنا دليلًا ونبراسًا، أضاءت لنا الظلمة، وشكّلت وجداننا، ثم بعد ذلك أتى دور الكتاب الملون، لنجد فيه العوض عن حكايات الجدات والأمهات، بمفترض أننا كبرنا، ويجب علينا الاعتماد على أنفسنا في انتقاء الكتب، إنها مرحلة الكتاب الملون والقصص الخيالية، تلك المرحلة التي تلعب دورًا رئيسيًّا في تكوين وجدان الأطفال منذ طفولتهم المبكرة، فتثير اهتمامهم، وتخلق لديهم مستوى عاليًا من الإبداع والخيال في تصور الشخصيات، وبيئتهم المحيطة، وتخمين ما سيحدث بعد ذلك، وتعطيهم منظورًا للحياة والعالم، وتساعدهم على التطور الثقافي والعاطفي والفكري والاجتماعي، وعلى غرس شعور الحب لديهم تجاه الأدب حينما يكبرون. الفرق هنا أننا استبدلنا كاتبًا كبيرًا محترفًا، مكان الجدة والأم، لكن له الصفات ذاتها تقريبًا، فهو يجب أن يكون رحيمًا وحنونًا، ينقل إلينا الخبرة والعظة بصور سلسة خفية، تبعد تمامًا عن المباشرة، ولذلك ارتبطنا جميعًا بتلك القصص المُرهَفة، وكتّابها العظام، مثل تشارلز ديكنز، وهانز كريستيان أندرسون، وكارلو كولودي، وعلى المستوى العربي الأستاذ عبد التواب يوسف، والأستاذ أحمد محمود نجيب، والأستاذ كامل كيلاني الملقب بـ”رائد أدب الأطفال” في العالم العربي لإسهاماته الكبيرة وتنوع موضوعاته.

أدب الأطفال وأدب الكبار

من السهل الحكم على أدب الأطفال بأنه أقل اتساعًا من أدب الكبار ولا يحتاج إلى مهارات، وأن من يمتهنونه هم أقل مهارة وحنكة من كتّاب أدب الكبار، لكن هذا اعتقاد خاطئ تمامًا، فأدب الأطفال يحتوي على أسس القصة ذاتها المتعارف عليها من بداية وذروة وعقدة وحل، في صورة مصغرة تتناسب مع المرحلة العمرية التى يخاطبها الكاتب. كما أنه ليس من السهولة بمكان الدخول إلى تلك العقول الغضة التي بدأت للتو فى تكوين مفردات ثقافتها، وجُمل متفرقة من معلوماتها الأدبية إن شئت، لتتشكل بها الشخصية الثقافية لرجل وفتاة المستقبل. ولقد كان اهتمام عمالقة الكتّاب والشعراء بأدب الأطفال كبيرًا، إذ إن قصائد أمير الشعراء أحمد شوقي للأطفال، مثل: “الثعلب والديك” و”الهرة النظيفة” و”الحمار والسفينة” وغيرها من القصائد الجميلة، تُطرب آذاننا وعقولنا باستمرار حتى وإن صرنا كبارًا.

شخصية معرض كتاب الطفل

ومع تنظيم معرض القاهرة للكتاب، ذلك العرس الثقافي الكبير الذي يُعقد لهواة القراءة كل عام، اختارت اللجنة العليا لمعرض القاهرة الدولى للكتاب في دورته الـ54، المقامة في الفترة من 25 يناير/كانون الثاني حتى 6 فبراير/شباط 2023، اسم الكاتب المصري الراحل كامل كيلاني “شخصية معرض كتاب الطفل”، احتفاءً به وبإسهاماته الإبداعية في مجال أدب الطفل.

مقتطفات من حياة كامل كيلاني

وُلِد الكاتب كامل كيلاني في القاهرة عام 1987 لأسرة محافِظة، ونشأ في حي القلعة، كان والده مهندسًا شهيرًا. حفظ كامل القرآن الكريم في كُتّاب بحي القلعة، ثم التحق بمدرسة أم عباس عام 1907، وحصل على شهادة البكالوريا، وبدأ فى دراسة اللغتين الفرنسية والإنجليزية ثم التحق بالجامعة المصرية (جامعة القاهرة حاليًا) ودرس فيها الأدب الإنجليزي وحصل على ليسانس الآداب قسم اللغة الإنجليزية عام 1930، ثم التحق بوظيفة مُعلّم في المدرسة التحضيرية، ثم تبعها بالتدريس في شتى ربوع مصر.

كان كامل كيلاني منفتحًا على العالم ويهوى التعرف على الثقافات الأخرى، وقد ساعدته دراسته الجامعية للغة الإنجليزية على ترجمة العديد من الأعمال الأدبية، منها “حي بني يقظان” و”روبنسون كروزو”. وكان لديه اهتمام كبير بالأطفال، فوجّه كتاباته لهم منذ عام 1927، وكانت أول رواية يكتبها هي (السندباد البحري) وتلاها عدد من القصص يصل إلى 250 قصة، منها: مصباح علاء الدين، نوادر جحا، شمشون الجبار، شهرزاد بنت الوزير، وعلي بابا.

وكان لهذه القصص دور محوري ومؤثر في التكوين العاطفي والنفسي للطفل، وربطها بقيم وعادات المجتمع، وترسيخ القيم الدينية والأخلاقية، فمثلًا في سلسلة “أضواء من المولد السعيد – من حياة الرسول” التي تتكون من 37 جزءًا، تناول من خلالها قصة حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من مولده حتى وفاته بأسلوب بسيط يناسب عقلية الطفل.

وقد حرص كيلاني في جميع كتاباته على استخدام اللغة العربية الفصحى، إيمانًا منه بأنها الطريق لتشكيل هوية الطفل العربي. ومما يلفت النظر في كتابات كيلاني هو استخدامه للشعر، الذي كان ينظمه ويبدو ذلك واضحًا في أعماله الأدبية التي تتخللها أبيات من الشعر. وقد تُرجمت أعماله إلى عدد من اللغات منها الإنجليزية والفرنسية والصينية والروسية.

وتوفي الأديب الكبير كامل كيلاني عام 1959، تاركًا إرثًا أدبيًّا كبيرًا لا يزال محفورًا في العقول. وكان قد أوصى بكتابة جملتين على قبره تلخصان حياته، هما:

أنفع الناس وحسبي أنني أحيا لأنفع

أنفع الناس ومالي غير نفع الناس مطمع

ويُعَد تكريم كامل كيلاني من خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب إحياءً لذكراه، وفرصة لإلقاء الضوء على أعماله الأدبية. كما يُكرّم المعرض الشاعر الراحل صلاح جاهين بوصفه شخصية المعرض لهذا العام، على إبداعاته المثمرة. وتحل المملكة الأردنية الهاشمية ضيف شرف المعرض لهذه الدورة.

المصدر : الجزيرة مباشر