مأساة سوريا.. أزمة نظام مع شعبه

ظهر أمام العالم كله من الذي تسبب في نشوب الحرب الأهلية في سوريا قبل نحو 12 عاما، بدأت بمطالب شعبية مشروعة تنادي بالحريات، وتحسين الأوضاع المعيشية، فردّ عليها النظام السوري بكل وحشية، مما أدى إلى تدهور الأوضاع ووصولها إلى حرب أهلية شهد العالم بوحشية النظام السوري في تعامله مع شعبه.
رأى الجميع -منذ البداية- أن رد فعل النظام على هذه الثورة الشعبية غير مقبول من الناحية الإنسانية. واعترف العالم بالمعارضين بوصفهم ممثلا شرعيا لسوريا، على أساس أن هذا النظام فقد شرعيته.
إطالة أمد الأزمة أدت إلى فرض سياسة الأمر الواقع، فقد تحولت سوريا -للأسف- إلى ثلاثة أجزاء تحكمها ثلاث إدارات منفصلة، ولم يعد للنظام السوري اليوم سيطرة حقيقية إلا على العاصمة دمشق وبعض المدن الأخرى، ولا يستطيع التدخل في المناطق التي تسيطر عليها الولايات المتحدة وتنظيم (بي كي كي) الإرهابي المدعوم من واشنطن.
لقد سيطر النظام السوري على بعض المناطق عن طريق إخلائها من سكانها، باستخدام أشد أنواع الأسلحة وحشية، وما كان على المواطنين السوريين إلا الاحتماء بتركيا أو لبنان أو الأردن أو الدول الأوربية من أجل إنقاذ حياتهم في مواجهة الغارات الجوية وبراميل الموت المتفجرة.
ليست أزمة بين النظام السوري وتركيا
يحلو للبعض تصوير الأزمة في سوريا على أنها أزمة بين النظام السوري وتركيا، والحقيقة أنها أزمة في الأساس بين النظام السوري وشعبه، بل مع الإنسانية إن شئنا أن نكون أكثر دقة وموضوعية.
ما يجري في سوريا لا يمكن تجاهله بحجة أنه من الشؤون السورية الداخلية، ولا يمكن التغاضي عنه ولا عن عشرات الآلاف من الناس المتضررين جراء الحرب، لأن لهذه الحرب الأهلية تداعياتها على المحيط الإقليمي، ولم تتمكن تركيا من إيقاف تدفق اللاجئين إليها إلا من خلال إنشاء منطقة آمنة للشعب السوري داخل سوريا، وهذا هو الحل الذي أظهرته أنقرة ومهّد الطريق للعمل على بداية حل الأزمة.
فمن خلال هذا التحرك، نجد اليوم أن المناطق الخارجة عن سيطرة نظام بشار وعن نطاق القوات الأمريكية، هي المناطق الأكثر أمانا لسائر سوريا، وللمنطقة بل وللقارة الأوربية. فمنذ اللحظة التي دخل فيها هذا الحل حيز التنفيذ، لم نشهد موجة لجوء كبرى، بل على العكس، عاد قرابة 600 ألف لاجئ من تركيا إلى المناطق الآمنة في سوريا.
في هذه المرحلة، أكرر أن المشكلة في سوريا ليست في الواقع مشكلة بين النظام السوري وتركيا. وبغض النظر عن نوع التقارب المحتمل بين أنقرة ودمشق، فإن هذا في حد ذاته لن يكون كافيا لإنهاء المشكلة في سوريا، لأن المشكلة بين النظام السوري وشعبه، ولا يمكن حلها دون مقترحات وضمانات وخطط معقولة قابلة للتنفيذ.
لن يكون وجود تركيا دائما في المناطق التي تسيطر عليها حاليا في سوريا، لا سيما أنها تؤكد باستمرار أن هذه المناطق هي ملك للشعب السوري ووحدة أراضيه.
الحاجة إلى مرحلة انتقالية
اليوم، ونتيجة للأزمة المستمرة منذ 12 عاما، وفي المرحلة التي وصلت إلى طريق مسدود، تؤكد أنقرة احترامها وحدة الأراضي السورية في المفاوضات التي أجرتها تركيا عبر مبادرتها.
ومع ذلك، هناك حاجة إلى مرحلة انتقالية يتم فيها إعطاء ضمانات معينة تُمكن العملية الجارية من إعطاء الأمل والاهتمام بمستقبل الشعب السوري بأكمله واللاجئين السوريين، بدلا من توليد المخاوف والقلق. قلت سابقا إنه لا يمكن للنظام ولا لإيران وروسيا الشريكتين في ارتكاب المجازر في الأراضي السورية، تقديم هذه الضمانات. حتى لو ادعت موسكو أو طهران قدرتهما على تقديم ضمانات، لأن الشعب السوري لا يثق بهما.
ويحاول البعض تجميل وجه بشار وتصويره وكأنه ليس له يد في كل ما جرى، وكأنه لم يرتكب كل هذه المجازر بحق شعبه الأعزل، والحقيقة أن النظام السوري هو المتسبب بالأساس في وصول الأوضاع إلى ما آلت إليه، وأن الأزمة السورية بين النظام وشعبه، وليست بين النظام السوري وأي نظام آخر، لكن لا يزال هناك أمل لحل الأزمة وعودة السوريين إلى أراضيهم، إذا ما تكاتفت جميع الجهود الإقليمية والدولية من أجل إيقاف سفك دماء الشعب السوري، والعمل على إعادة السوريين إلى أراضيهم بعزة وكرامة.