100 عام بعد اتفاقية لوزان: البنود السياسية (2)

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يرفع خريطة وهو يخاطب الدورة 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة في مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك.

 

في الجزء الثاني من هذه السلسلة أتناول مع حضراتكم البنود السياسية التي تضمنتها اتفاقية لوزان التي تم توقيعها في يوليو 2023، بين تركيا والدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، والتي بموجبها تم وضع حدود الدولة التركية الحديثة، وصياغة الضوابط التي تحكم تفاعلاتها الإقليمية والدولية منذ مائة عام مرت بعد توقيع الاتفاقية.

وقد جاءت البنود السياسية للاتفاقية في خمسة وأربعين مادة، توزعت بين ثلاثة أقسام أساسية، تناول الأول ما يتعلق بالأراضي والحدود، وتناول الثاني الجنسية، بينما تناول الثالث والأخير حماية الأقليات على أراضي الدول الموقعة على الاتفاقية.

ترسيم الحدود التركية مع بلغاريا واليونان وسوريا والعراق

تناولت المادة (2) ترسيم الحدود التركية من البحر الأسود إلى بحر إيجه مع بلغاريا واليونان، وتناولت المادة (3) ترسيم الحدود التركية من البحر الأبيض المتوسط ​​إلى حدود بلاد فارس، أي مع كل من سوريا والعراق، فنصت فيما يخص سوريا على الحدود الموضحة في المادة 8 من الاتفاقية الفرنسية التركية المؤرخة في 20 أكتوبر 1921. وفيما يخص العراق، على أن تُرسم الحدود بين تركيا والعراق وفق ترتيبات ودية يتم إبرامها بين تركيا وبريطانيا في غضون تسعة أشهر، وأنه في حالة عدم التوصل إلى اتفاق بين الحكومتين خلال الوقت المذكور، يحال النزاع إلى مجلس عصبة الأمم، وتتعهد الحكومتان التركية والبريطانية بشكل متبادل بأنه، ريثما يتم التوصل إلى قرار بشأن موضوع الحدود، لن تحدث أي تحركات عسكرية أو تحركات أخرى قد تُعدل بأي شكل من الأشكال الحالة الحالية للأراضي التي سيعتمد مصيرها النهائي على هذا القرار.

على أن يتم تعيين لجنة حدود لترسيم الحدود المحددة على أرض الواقع. وتتألف اللجنة من ممثلين عن اليونان وتركيا، بحيث تقوم كل دولة بتعيين ممثل واحد لها، بحيث يقومان باختيار رئيس للجنة من مواطني دولة ثالثة، وعلى اللجنة أن تسعى في جميع الأحوال إلى اتباع الشروح الواردة في هذه المعاهدة قدر الإمكان، مع مراعاة الحدود الإدارية والمصالح الاقتصادية المحلية قدر الإمكان، ويتخذ قرار اللجنة بالأغلبية ويكون ملزماً للأطراف المعنية. وتتحمل الأطراف المعنية نفقات اللجنة بحصص متساوية.

خرائط الجزر: الأزمة المشتعلة

تناولت المواد (12، 13، 14، 15) من الاتفاقية، توزيع الجزر بين تركيا واليونان، فنصت المادة 12 على سيادة اليونان على جزر شرق البحر الأبيض المتوسط ​​(بخلاف جزر إمبروس وتينيدوس وجزر الأرانب) وهي جزر ليمنوس وساموثرايس وميتيليني وشيوس وساموس ونيكاريا. وأكدت المادة ذاتها على أنه “ما لم يرد نص مخالف في هذه المعاهدة، تظل الجزر الواقعة على بعد أقل من ثلاثة أميال من الساحل الآسيوي تحت السيادة التركية”.

ونصت المادة 13 على أنه “من أجل ضمان الحفاظ على السلام، تتعهد الحكومة اليونانية بمراعاة القيود التالية في جزر ميتيليني وخيوس وساموس ونيكاريا، لن يتم إنشاء أي قاعدة بحرية ولن يتم عمل أي تحصينات في الجزر المذكورة، ويُحظر على الطائرات العسكرية اليونانية التحليق فوق أراضي ساحل الأناضول. وبالمثل، ستمنع الحكومة التركية طائراتها العسكرية من التحليق فوق الجزر المذكورة، وستقتصر القوات العسكرية اليونانية في الجزر المذكورة على الوحدة العادية التي يتم استدعاؤها للخدمة العسكرية، والتي يمكن تدريبها على الفور، وكذلك على قوة الدرك والشرطة بما يتناسب مع قوة الدرك والشرطة موجودة في كل الأراضي اليونانية”.

وتوضح الخريطة التالية إلى أي مدى ترتبط هذه الجزر بالأراضي التركية

وجاءت المادة 14 لتنص على أنه “تتمتع جزر إيمبروس وتينيدوس، التي لا تزال تحت السيادة التركية، بتنظيم إداري خاص يتكون من عناصر محلية ويقدم كل ضمان للسكان الأصليين غير المسلمين فيما يتعلق بالإدارة المحلية وحماية الأشخاص والممتلكات. وسيتم ضمان الحفاظ على النظام فيها من قبل قوة شرطة يتم تجنيدها من بين السكان المحليين من قبل الإدارة المحلية المذكورة أعلاه المنصوص عليها والتي وضعت بموجب أوامرها، ولن يتم تطبيق الاتفاقيات التي أبرمت، أو قد يتم إبرامها، بين اليونان وتركيا فيما يتعلق بتبادل السكان اليونانيين والأتراك على سكان جزر إمبروس وتينيدوس”.

لوزان تنقل جزراً تركية إلى إيطاليا ومنها إلى اليونان

نصت المادة 15 من اتفاقية لوزان على أن “تتنازل تركيا لصالح إيطاليا عن جميع الحقوق والملكية على الجزر التالية: ستامباليا (أستراباليا)، رودس (رودوس)، كالكي (خاركي)، سكاربانتو، كاسوس (كاسو)، بيسكوبس (تيلوس)، ميسيروس (نيسيروس)، كاليمنوس، ليروس، باتموس، ليبسوس (ليبسو)، سيمي، وقوس، التي تحتلها الآن إيطاليا، والجزر التابعة لها، وكذلك فوق جزيرة كاستيلوريزو”، وأكدت المادة 16 على أن “تتخلى تركيا بموجب هذا عن جميع الحقوق والملكية أيا كانت على أو تخص الأراضي الواقعة خارج الحدود المنصوص عليها في هذه المعاهدة والجزر الأخرى غير تلك التي تعترف بها سيادتها بموجب المعاهدة المذكورة، ومستقبل هذه الأراضي والجزر يتم تسويته أو سوف يتم ذلك من قبل الأطراف المعنية، ولا تمس أحكام هذه المادة أي ترتيبات خاصة تنشأ عن علاقات الجوار التي تم أو قد يتم إبرامها بين تركيا وأي دول مجاورة”.

ورغم هذه النصوص القاطعة إلا أنه بعد هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، انتقلت الجزر إلى اليونان بموجب المعاهدة الموقعة بين إيطاليا والدول الحلفاء في 10 فبراير/ شباط 1947، وتضمنت المعاهدة بنودا واضحة تنص على عدم تسليح اليونان لتلك الجزر، حيث أكدت على أنه “سيتم نزع السلاح عن هذه الجزر وستبقى منزوعة السلاح”، إلا أن اليونان انتهكت المعاهدة بتسليحها جزيرة ميس، وتُصر على تسليح جزر منطقة بحر إيجة التي تضم مجموعة جزر مأهولة وصخرية يتجاوز عددها الـ 20 جزيرة.

 

لوزان ووضع مصر وليبيا والسودان

نصت المادة (17) من الاتفاقية على أنه “يسري تنازل تركيا عن جميع الحقوق والامتيازات على مصر وعلى السودان اعتباراً من 5 نوفمبر 1914″، وأكدت المادة (18) على أن “يتم تحرير تركيا من جميع التعهدات والالتزامات فيما يتعلق بالقروض العثمانية المضمونة على الجزية المصرية، وفيما عدا المدفوعات السنوية التي تقدمها مصر لخدمة هذه القروض والتي تشكل الآن جزءاً من خدمة الدين العام المصري، فإن مصر معفاة من جميع الالتزامات الأخرى المتعلقة بالدين العام العثماني.

وأشارت المادة (19) إلى أن “أي مسائل تنشأ عن الاعتراف بدولة مصر يتم تسويتها باتفاقيات يتم التفاوض عليها لاحقاً بطريقة تحدد فيما بعد بين الدول المعنية. ولا تنطبق أحكام هذه المعاهدة المتعلقة بالأراضي المنفصلة عن تركيا بموجب المعاهدة المذكورة على مصر”.

وهو ما يعني أن الاتفاقية التي تم التوقيع عليها في يوليو 1923، لم تتطرق إلى تصريح 28 فبراير 1922، الصادر عن بريطانيا بخصوص مصر الذي نص على أنه “بما أن حكومة جلالة الملك- جورج الخامس- عملًا بنواياها التى جاهرت بها، ترغب فى الحال فى الاعتراف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة، وبما أن للعلاقات بين حكومة جلالة الملك وبين مصر أهمية جوهرية للإمبراطورية البريطانية، فبموجب هذا نعلن المبادئ الآتية: انتهت الحماية البريطانية على مصر، وتكون مصر دولة مستقلة ذات سيادة. حالما تصدر حكومة عظمة السلطان- فؤاد- قانون تضمينات نافذ الفعل على جميع ساكنى مصر، تلغى الأحكام العرفية التى أعلنت فى 2 نوفمبر 1914. إلى أن يحين الوقت الذى يتسنى فيه إبرام اتفاقات بين حكومة جلالة الملك وبين الحكومة المصرية، فيما يتعلق بالأمور الآتى بيانها، وذلك بمفاوضات ودية غير مقيدة بين الفريقين، تحتفظ حكومة جلالة الملك بصورة مطلقة بتولى هذه الأمور، وهى: أ- تأمين مواصلات الإمبراطورية البريطانية فى مصر. ب- الدفاع عن مصر من كل اعتداء أو تدخل أجنبى بالذات أو بالواسطة. ج- حماية المصالح الأجنبية وحماية الأقليات. د- السودان. وحتى تبرم هذه الاتفاقات تبقى الحالة، فيما يتعلق بهذه الأمور، على ما هى عليه الآن”.

وفيما يخص ليبيا، فقد نصت المادة 22 من اتفاقية لوزان على أنه “دون الإخلال بالأحكام العامة للمادة 27، تعترف تركيا بموجب هذه الاتفاقية بالإلغاء النهائي لجميع الحقوق والامتيازات التي تتمتع بها في ليبيا مهما كانت بموجب معاهدة لوزان بتاريخ 18 أكتوبر 1912 والصكوك المتصلة بها”.

ووفق هذه النصوص يمكن القول إن الاتفاقية جاءت للقضاء الكامل ليس فقط على امتداد الدولة العثمانية في الأراضي العربية مثل سوريا والعراق ومصر وليبيا والسودان، ولكنها أيضاً قامت بتحجيم الدولة التركية بحدودها التي رسمتها في بحر إيجة وشرق المتوسط، من خلال نص الاتفاقية على السيطرة اليونانية على جزر لا تبعد سوى ثلاثة كيلو مترات عن البر التركي، وتبعد عشرات الكيلو مترات عن البر اليوناني، وهو ما كان سبباً رئيسياً في التوتر المستمر للعلاقات بين الدولتين، وأعطى ذريعة لليونان للاعتداء على الحقوق التركية في ثروات شرق المتوسط.

المصدر : الجزيرة مباشر