لوجوس هوب.. معرض الكتاب العائم

السفينة لوجوس هوب

“شخص يقرأ هو شخص لا يمكن هزيمته بسهولة”، عبارة سطرها الألمان على جدران معرض فرانكفورت الدولي للكتاب.

علاقتي بالكتب قديمة جدًّا، لا يمكن أن أحدد متى بدأت، أتذكر تلك الكتب المصفوفة بعناية في مدرستي، وتحديدًا في مكتبتها العامرة، التي جذبتني من كل الأنشطة، ودائمًا ما كنت أمكث فيها في فترات الفسح وأوقات الفراغ. القراءة، ذلك الفعل الاستثنائي الذي شكّل وجدان الأمم وضمائرها، والذي سيبقى محافظًا على هيبته وجلاله، مهما تطورت احتياجات العصر، وتغيرت مجريات الزمن.

ومع بداية كل عام، تنتشر فعاليات معارض الكتاب في جميع أنحاء العالم، ويحتفي القراء بالإصدارات الجديدة من الكتب، حيث ينتظرون بشغف أحدث أعمال كتّابهم المفضلين، وهو عيد للقراء في جميع أنحاء العالم، حيث يسطع نجم البعض، ويأفل نجم البعض الآخر.

تجربة استثنائية

وفي بداية هذا العام، كنت مع تجربة استثنائية في عرض الكتب، حيث تناثرت الأخبار عن سفينة الكتب العائمة “لوجوس هوب” التي تجوب العالم، وأنها سوف ترسو في مصر، وتحديدًا في ميناء بورسعيد، يوم 4 من يناير/كانون الثاني، وستفتح أبوابها للجمهور من 5 يناير إلى 21 يناير. لم أتردد في خوض هذه التجربة الفريدة، وسافرت في الصباح الباكر من القاهرة إلى بورسعيد، وبالفعل وجدت نفسي أمام السفينة بعد أقل من ثلاث ساعات.

وتُعَد زيارة سفينة الكتب هي الثانية لميناء بورسعيد الذي يقع على المدخل الشمالي لقناة السويس، بعد 12 عامًا من زياراتها الأولي. قمت بقطع تذكرة دخول، وفوجئت برسم الدخول الرمزي وهو 5 جنيهات مصرية فقط، أما دخول الأطفال تحت 12 عامًا والكبار فوق 60 عامًا فهو مجاني.

كان الزحام شديدًا عند باب دخول السفينة، وانتظرت في طابور طويل حتى جاء دوري، وعرفت أن الزحام بسبب تسليم البطاقات الشخصية التي لا يُسمح بالدخول من دونها.

بحلول الوقت الذي دخلت فيه، كان عليّ الاستماع لتوجيه قصير باللغة الإنجليزية توضح فيه إحدى المتطوعات بعض المعلومات المهمة عن السفينة.

علمت أثناء الشرح أن هذه السفينة تُدار من خلال منظمة (GBA) غير الربحية، ومقرها ألمانيا، وأنها تواصل إدارة سفينتين قبلها هما (دولوس) و(لوجوس الثانية) وقامتا بزيارة أكثر من 150 دولة ومقاطعة منذ عام 1970.

أنشئت هذه السفينة عام 1973، وأُطلِق عليها اسم “جوستاف”، وشُيّدت في الأصل لتكون سفينة ركاب، وكانت تعمل في شمالي المحيط الأطلسي. وفي عام 1983، سُلّمت السفينة إلى خط سيمريل (شركة شحن)، وغُيّر اسمها إلى “نورينا”، وكانت تبحر بين جزر فارو والدنمارك.

قامت سفن GBA التي تحمل شعار (كتب جيدة للجميع) في عام 2004 من جمع تبرعات لشراء “نورينا” بوصفها سفينة بديلة لـ”لوجوس الثانية”، وأعيد تجديدها بالكامل لتكون “سفينة كتب”، وغُيّر اسمها إلى “لوجوس هوب”. وأوضحت المتطوعة أن “لوجوس” كلمة يونانية، ويُترجَم معناها تقليديًّا إلى مبادئ أو خطاب.

المجتمع في سفينة لوجوس هوب

يتكون مجتمع سفينة “لوجوس هوب” من 400 متطوعًا يمثلون 70 جنسية متنوعة، ومن مهن وأعمار مختلفة، وأحيانًا يأتي المتطوعون مع عائلاتهم وأطفالهم الذين يكون لديهم مدرستهم الخاصة على متن السفينة.

وكل متطوع على سفينة “لوجوس هوب” له دور في الحفاظ على استمرار عمل السفينة، ولا أحد يتقاضى راتبًا، سواء كان القبطان أو المهندسين أو الأطباء أو عمال النظافة، فكل متطوع لديه ما يكفيه من المال لنفقاته الشخصية أثناء تطوعه لمدة عامين فقط، ويقولون إنهم يقدّمون هذه الخدمات مجانًا من أجل التجول حول العالم.

ولمعرفة كيف تبدو الإقامة على سفينة “لوجوس هوب”، فُتحت حجرة صغيرة بجانب مكان التوجيه تُظهر كبائن الطاقم البسيطة التي تحتوي على سرير صغير من طابقين وكرسي وإضاءة خافتة. وعلى الرغم من أن الهدف الرئيسي للسفينة هو خدمة الناس، فإن المتطوعين الموجودين على متنها يستفيدون أيضًا بشكل خاص خلال فترة خدمتهم، إذ يوفر برنامج التدريب المنظم -جنبًا إلى جنب مع الخبرة العملية والتواصل بين الثقافات- فرصًا قيّمة للمعرفة وتطوير الشخصية وتعلّم مهارات جديدة.

معرض الكتاب

بعد الشرح الوافر بالمعلومات، دخلت أخيرًا معرض الكتاب الذي يضم أكثر من 5000 عنوان لمجالات مختلفة من العلوم والطب والمعاجم والرياضة والهوايات والطبخ والفنون والفلسفة والروايات وكتب الأطفال والكتب التربوية المسيحية، إلى جانب الأدوات المكتبية و”الإكسسوارات” والهدايا التذكارية. ويتم شراء الكتب بعدد الوحدات، فمثلًا 100 وحدة تعني 60 جنيهًا، وهي أسعار معقولة، فهدف المنظمة هو نشر العلم والثقافة وإتاحة القراءة لأكبر عدد ممكن من الناس. وتسهيلًا على الزوار في حساب الوحدات، قاموا بتعليق ورقة على الحائط، لتوضيح أعداد وحدات كل كتاب أو هدية تذكارية، وحساب كل وحدة حتى يتمكن الزائر من معرفة أسعار الكتب قبل الشراء.

وترددت أقاويل وأثيرت ردود فعل بأن للسفينة توجهات دينية، ويعود ذلك إلى وجود العديد من الكتب المتعلقة بالديانة المسيحية، والرموز والآيات الموضوعة على أغلب الهدايا التذكارية.

 

مشاركة المعرفة

تهدف السفينة “لوجوس هوب” إلى مشاركة المعرفة من خلال كل ميناء تقصده، فاتحة أبوابها لمئات بل وآلاف الزوار كل يوم. وزار السفينة منذ انطلاقها أكثر من 49 مليون شخص من مختلف البلدان، وهذا الرقم يعادل شخصًا واحدًا من بين كل 170 شخص في العالم. يمد السفينة بالكتب ناشرون من دول عدة، وفي كل ميناء ترسو فيه السفينة يتم تجهيزها بعرض كتب بلغة الدولة، مما يوفر للعديد من الزوار فرصة للاختيار من بين مجموعة واسعة من المؤلفات.

بمجرد الانتهاء من التجول داخل معرض الكتاب، ستجد مقهى دوليًّا صغيرًا في اتجاه المَخرج، يقدّم مشروبات ووجبات خفيفة و”آيس كريم” وفِشارًا وغير ذلك، وجميعها من إنتاج المتطوعين، كما يوجد عدد من المتطوعين للحديث مع الزوار والإجابة عن أسئلتهم.

لقد كانت بالتأكيد تجربة ثرية ومبهجة، كما كانت مبهجة للأشخاص الذين زاروها من قبل.

من مكتبة السفينة (تصوير: الكاتبة)

 

المصدر : الجزيرة مباشر