حكم صوم يوم الجمعة منفردًا

صيام النوافل أمر مرغوب فيه، وحث عليه الشرع، ولكن وردت نصوص في السنة النبوية تنهى عن صيام أيام معينة، ومن ذلك إفراد يوم الجمعة بالصوم، وفي أحيان كثيرة يأتي يوم عرفة أو عاشوراء في يوم جمعة، ويقع الناس في حيرة من أمرهم، هل يصومون هذا اليوم أم لا؟ وكيف يفهمون النهي الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصوم في هذا اليوم؟ وما موقف المدارس الفقهية من صيام هذا اليوم؟

النهي الوارد في إفراد الجمعة بالصوم

أما النصوص التي وردت في السنة عن صوم يوم الجمعة منفردا، فهي:

في صحيح البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو بعده”. وحديث: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من غرة كل هلال، وقلما كان يفطر يوم الجمعة”. وهناك حديث ثالث يقول فيه الراوي: سمعت أبا هريرة، يقول: “ما أنا نهيت عن ‌صيام ‌يوم ‌الجمعة، محمد نهى عنه ورب البيت”، وورد نفس النص عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما كذلك، وهناك أحاديث أخرى تدور حول نفس المعنى.

فمجمل هذه الأحاديث تنهى عن صوم يوم الجمعة منفردا، إلا أن يكون الصائم قد صام يوما قبله، أو يوما بعده، حتى لا يفرده بالصوم وحده، فهل هذا النهي الوارد في النصوص التي ذكرت وغيرها هو نهي تحريم؟ بمعنى أنه يحرم الصوم، أم أنه غير مستحب، وأنه جائز بالأصل، لكن الأولى ألا يفرد بالصوم، وهل هناك علة من وراء هذا النهي، فإذا انتفت العلة ينتفي النهي؟

تعليل الفقهاء لمنع صوم الجمعة منفردا

لقد بوب الإمام مسلم لحديث النهي عن الصوم بعنوان: كراهة صيام يوم الجمعة منفردا، وهو ما جعل الإمام النووي في شرحه له يجعل عنوانه كما يلي: باب كراهة إفراد يوم الجمعة بصوم لا يوافق عادته، فخرج بالنهي ما كان من عادة الإنسان أن يصومه، فوافق يوم الجمعة، كصيام يوم عرفة، أو عاشوراء، وغيرهما.

وذهب الفقهاء إلى النظر في علة نهي السنّة عن صوم الجمعة منفردا، فذكروا عدة أسباب تبين لنا بوضوح لماذا لم يجمعوا على تحريم الصوم في هذا اليوم، بل اختلفوا فيه كما سنبين موقفهم الفقهي من الصوم، فأما عن تعليلهم لهذا النهي النبوي، فكان كما يلي:

أما الإمام الشافعي فقد أول كل هذه النصوص التي تنهى عن صوم الجمعة بأنها على من كان الصوم يضعفه، ويمنعه من الطاعة، يعني: يوم الجمعة، لأن يوم الجمعة فيه عدة أنواع من العبادة كصلاة الجمعة وغيرها.

ومنهم من اقترب من قول الشافعي، فقال بأن يوم الجمعة يوم عيد للمسلمين، ويتنافى الصوم معه، وإن كانت الجمعة عيدا أسبوعيا. بل منهم من جعل وجه كراهية إفراد هذِه الأيام بالصيام التفرقة بين شهر رمضان وسائر ما يصوم الناس غيره؛ لأنه مقصود بعينه فرضًا وغيره ليس كذلك.

وسبب رابع ذكروه، وهو مخافة أن يجعل صوم الجمعة صوما مفروضا، من باب ابتداع الناس، بما للجمعة من فضل، حتى إن كثيرا ممن لا يداومون على الصلاة اليومية يحافظ على صلاة الجمعة، لما لها في النفوس من مكانة، فهذا الفريق يؤول هذا النهي بهذا السبب، فكان النهي عن صومه من باب سد الذريعة.

درجة النهي عن صوم الجمعة منفردا

تلك أسباب مذكورة ومفصلة في كتب شرح الحديث، وكتب الفقهاء، وقد رد عليها محققون كبار، بأنها لا ترقى لأن تكون أسبابا قوية للمنع، ولذا فرغم ورود هذه النصوص النبوية بالنهي عن الصوم يوم الجمعة منفردا، فإن الفقهاء وشراح الأحاديث لم يحملها معظمهم على نهي التحريم، بل حملوها على التنزيه، أي أقل درجات النهي، وهو إلى الجواز أقرب، بل منهم من أجاز الصوم بلا كراهة، فجمهور العلماء على أن النهي هنا للتنزيه لا التحريم.

موقف الفقهاء من صوم الجمعة منفردا

بناء على ما سبق من علل وأسباب للنهي عن صوم الجمعة منفردا، وعلى فهم جمهور الفقهاء لكل النصوص التي وردت في النهي، على أنه تنزيه، اختلفت آراؤهم في الموقف من صوم الجمعة، فجمهور المالكية والحنفية لا يرون بأسا بصومه، لأنه يوم لا يكره صومه إذا صام قبله أو بعده، فلم يكره إفراده بالصوم كسائر الأيام؟! بل ورد عنهم استحباب صومه كيومي الاثنين والخميس.

أما الشافعية والحنابلة فذهبوا إلى كراهة صيامه، إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده، أو وافق يوم الجمعة عادة له بأن كان يصوم يوما ويفطر يوما مثلا، فوافق ذلك الجمعة، فعندئذ لا يكره. وهناك تفاصيل داخل كل مذهب سواء من استحب الصوم، أو من كرهه، تراجع في مظانها من كتب المذاهب الفقهية.

الخلاصة

الخلاصة في صوم يوم الجمعة منفردا أنه للمسلم أن يأخذ بقول من استحب وفضل أن يصوم يوما قبله، أو بعده، وله أن يأخذ برأي من أجاز صومه منفردا، وكلهم فقهاء معتبرون، سواء كان يوم الجمعة وحده، أم وافق يوم عرفة، أو عاشوراء، أو صيام نافلة عند المسلم بوجه عام، فالأمر فيه سعة واختلاف كبير، لا نضيق على  الناس فيه واسعا مما وسعه الشرع الحنيف، وهو ما يدعو كل متسرع يستدل بنصوص شرعية دون نظر طويل فيها، إلى أن يتريث حتى يرى أقوال العلماء والشراح والفقهاء فيها، لأنها تزيده نظرة أوسع وأشمل وأيسر، حتى لا يضيق في أمر وسع فيه الفقهاء، بناء على فهمهم لنصوص الشرع.

المصدر : الجزيرة مباشر