بسبب الحرب على أوكرانيا: الملايين سيموتون جوعًا

نصب تذكاري من الزهور لضحايا الحرب

مما لا يخفى على من يتابع الأحداث أن ما شهده العالم في السنوات الثلاث الماضية من كوارث وأزمات مثل جائحة وباء كورونا COVID-19، والاحتباس الحراري، والحرب الروسية الأوكرانية.. لها تأثير سلبي للغاية في مناطق العالم أجمع.

فإنه تزامنًا مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، فشلت المساعي الأولية لتخفيف وطأة وباء COVID-19 الذي بدأ عام 2019 من أجل التعايش معه، ذلك إلى جانب ما تسبب فيه حظر الهند صادرات القمح بسبب ارتفاع درجات الحرارة، من فتح الباب أمام أزمة غذائية جديدة.

وجدير بالذكر فإن الحرب بين أوكرانيا وروسيا تهدد تأمين الغذاء للغالبية العظمى من سكان الشرق الأوسط وأفريقيا، فكما هو معروف تعد أوكرانيا وروسيا من بين أكبر خمسة مصدرين دوليين للشعير ودوار الشمس والذرة، فروسيا وأوكرانيا وحدهما يلبيان حوالي 30% من صادرات القمح العالمية، وقد أدت الحرب المستمرة منذ شهور إلى زيادة أسعار القمح بنسبة 41% وأسعار الذرة بنسبة 28% بالإضافة إلى ذلك تمتلك هاتان الدولتان ما مقداره ثلث صادرات القمح العالمية، ففي عام 2020 فقط، استوردت الدول الأفريقية منتجات زراعية بقيمة 4 مليارات دولار من روسيا، إلى جانب ما يقدر بـ2.9 مليار دولار من أوكرانيا، وعلى سبيل المثال، نيجيريا التي تأتي رابع أكبر مستورد للقمح في العالم، فإنها من أجل تلبية الاحتياجات الغذائية لسكانها البالغ عددهم 206 ملايين نسمة، تحصل على 25% من وارداتها من أوكرانيا وروسيا. علاوة على دول مثل السودان وأوغندا وتنزانيا، التي تغطي ما يقرب من نصف وارداتها من القمح من هاتين الدولتين، لكن أسعار المنتجات الغذائية المستوردة من كل من روسيا وأوكرانيا قد ارتفعت نتيجة لهذه الحرب المستمرة بينهما، وتبعًا لذلك فإن الشعوب الأفريقية التي لم تتعاف بعد من أضرار جائحة كورونا كوفيد-19، قد عانت أشد المعاناة في مواجهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

استيراد القمح

عندما نلقي نظرة على أزمة القمح الخطيرة في الشرق الأوسط وأفريقيا يتجلى لنا أن:

ليبيا تعتمد لتوفير 40% من احتياجاتها من القمح، على الاستيراد من أوكرانيا وروسيا، وكانت مصر تستورد 80% من القمح الذي تستهلكه سنويًّا من أوكرانيا وروسيا، وتستورد لبنان 90% من القمح الذي تستهلكه، وقد تدهورت سلاسل التوريد في البلاد بشكل سيء للغاية، وتعتمد دولة بنين الواقعة في غرب أفريقيا على روسيا بنسبة 100% للحصول على احتياجاتها من القمح، ويستورد السودان 75% من القمح الذي يستهلكه من أوكرانيا وروسيا، في حين يستورد الصومال 100% من القمح الذي يستهلكه من أوكرانيا وروسيا.

خلال السنوات الخمس الماضية كانت المنتجات الزراعية تدر على روسيا دخلًا أكثر من مبيعات الأسلحة، ففي حين يتم توجيه 13% من صادرات المنتجات الزراعية الروسية، والتي بلغت قيمتها 36 مليار دولار في عام 2021، إلى دول الاتحاد الأوربي، فقد حصلت تركيا وحدها على حصة 12% من الصادرات.  وتهدف وزارة الزراعة الروسية إلى زيادة صادراتها من المنتجات الزراعية إلى تركيا بمقدار 5 مليارات دولار بحلول عام 2030. بينما يأتي القمح في المقدمة كونه “منتجًا استراتيجيًا” في الواردات الروسية، فإن الاعتماد على المنتجات الغذائية الأساسية مثل الشعير وفول الصويا ودوار الشمس والذرة في تزايد مستمر، ولهذا فإنه من المتوقع أن تواجه الدول التي تعتمد على روسيا في الواردات الزراعية، صعوبات خطيرة بداية من عام 2022، كلما حمي وطيس الحرب الأوكرانية الروسية، وعلى سبيل المثال تشير التوقعات إلى أن السودان الذي يعتمد بنسبة 75% على القمح الروسي والأوكراني، قد يخسر 300 ألف شخص جراء أزمة نقص محتمل في الغذاء.

حضور الصين

من ناحية أخرى، كثفت القوى العالمية إجراءاتها لمواجهة هذا الوضع، ووفقًا لبيانات وزارة الزراعة الأمريكية، ستحتكر الصين 69% من احتياطيات الذرة العالمية و60% من الأرز في النصف الأول من عام 2022، ومع ذلك يبدو أن الصين، التي لم ترض بعد عن ذلك، ما زالت تواصل عملية التخزين بأقصى سرعة. علاوة على ذلك فقد أعلنت الهند، ثاني أكبر منتج للقمح في العالم، أنها توقفت عن بيع القمح خارج البلاد، فالهند تحتل أهمية كبيرة بالنسبة للدول التي تعتمد في توفير احتياجاتها من القمح على روسيا وأوكرانيا، وخاصة الدول الأوربية.

قررت حكومة دلهي الآن الحد من صادرات السكر إلى 10 ملايين طن من أجل حماية احتياطاتها والسيطرة على التضخم. وتحتل الهند، أكبر منتج للسكر في العالم، المرتبة الثانية بعد البرازيل في الصادرات، ومع القرار الذي دخل حيز التنفيذ ابتداءً من الأول من يونيو الحالي، صرحت وزارة الغذاء بأنه يهدف إلى تجنب النقص في المخزون المحلي إلى جانب الحفاظ على المسار المتوازن لأسعار السكر، وفي حين تم توقيع اتفاقيات تصدير بقيمة 9 ملايين طن، فإنه قد تم بالفعل إرسال ما يقرب من 8 ملايين طن من السكر إلى الخارج حتى الآن، ومع كل هذه المعطيات السابقة الذكر، هناك قلق شديد من حدوث صدمة عالمية في الإمدادات الغذائية بسبب الزيادة السريعة في تكاليف إنتاج الغذاء في العالم.

ومن ناحية أخرى فإن الصين، التي كثفت استعداداتها فيما يتعلق بمسألة الأزمة الغذائية، بأكثر الطرق جدية، قد حققت جزءًا كبيرًا من نموها هذا العام عن طريق الإنتاجية القائمة على الغذاء، وقد نما الاقتصاد الصيني بنسبة 4.8% على أساس سنوي في الربع الأول من العام الحالي، ليصل إلى 4.25 تريليون دولار.

إن حقيقة كون الحرب الأوكرانية الروسية، أكبر عامل تسبب في أزمة الغذاء العالمية، واقع يظهر بجلاء في تقارير المنظمات العالمية مثل صندوق النقد الدولي.

وتبعًا لتوقعات صندوق النقد الدولي في تقريره أن أزمة الغذاء ستتضخم، فمن المتوقع أن ينخفض معدل النمو العالمي ​​إلى 3.6 لعام 2022 و2023، مقارنة بـتوقعات النمو العالمي في عام 2021 التي بلغت 6.1، وبناء على الإحصاءات الواردة في تقرير صندوق النقد الدولي، فإن معدل النمو العالمي سينخفض إلى ما يقرب من 3.3% بسبب الحرب واضطرابات سلسلة التوريد والضغوط التضخمية، وكذلك جاء في التقرير أنه من المتوقع أن تصل معدلات التضخم لعام 2022 إلى 5.7% في الاقتصادات المتقدمة و8.7% في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، ويؤكد التقرير وجود حاجة ماسة لبذل جهود متعددة الأبعاد لمواجهة الأزمات الإنسانية والتخفيف من آثار الأزمات المناخية.

وبعد كل ما وصلت الأحداث إليه اليوم، احتلت المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية مكانًا في التوتر الناجم عن مصادر الطاقة والمعادن المهمة مثل النفط والغاز الطبيعي واليورانيوم، والتي تشكل المحور الرئيس للتوترات الجيوسياسية.

وخلاصة ذلك، إن دول الشرق الأوسط وأفريقيا بالإضافة إلى المنظمات العالمية مثل الأمم المتحدة، ليس لديها القدرة على التنسيق للتعامل مع الأزمة الحالية، كما يبدو أنه بسبب الغذاء لا مفر من أننا سنعيش سنوات عدة قادمة مليئة بأعمال شغب، والتي خرجت شرارتها الأولى بالفعل في العالم، كما أنه من المحتمل أن يتسبب اختبار الجوع في الشرق الأوسط والبلدان الأفريقية، المعروفة بأنها الأكثر هشاشة، إلى تدفقات جديدة من الهجرة.

وبمرور الوقت من الممكن أيضًا أن يعاني مئات الملايين من البشر ويلات سوء التغذية، أو حتى يموت الملايين جوعًا.

المصدر : الجزيرة مباشر