هذا ما حصدته تركيا من توقيع مذكرة التفاهم مع السويد وفنلندا!

فتح الله غولن

لا شك أن الغزو الروسي لأوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير/ شباط 2022، قد ساهم في تغيير واسع المدى في المشهد الأمني العالمي، ولا سيما في القارة الأوربية. هذا وإن احتمال امتداد أكبر حرب شهدتها أوربا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وانتشارها إلى دول أخرى ومناطق جغرافية أخرى في القارة، قد أدى إلى زيادة المخاوف الأمنية، وعلى وجه الخصوص في الدول غير الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو).

ومما هو معلوم تاريخيا أن أول دولة كانت تسعى إلى استغلال المظلة الأمنية التي وفرتها المادة 5 من حلف الناتو هي فنلندا، حيث تشترك مع روسيا في حدود طولها 1300 كيلومتر. وعلى الدرب نفسه سار أيضًا الشعب السويدي الذي نهج طريق جيرانه الفنلنديين، ليضع نهاية لسياسة عدم الانحياز التي استمرت 200 عام.

وهكذا فإن سعي كلا البلدين للانضمام إلى الناتو، ينطوي على تغيير جذري في سياسة الحياد السابقة مع الحلف وأعضائه. وفي الصدد ذاته عارضت تركيا طلبات البلدين ورفضت احتمال توسع حلف الناتو معهما، حتى تم التوقيع على المذكرة الثلاثية. ولهذا فإن الخطوات المتخذة الآن هي مساع تاريخية، حيث طالبت تركيا البلدين بالتوقف عن دعمهما للإرهاب ورفع الحظر المفروض على الأسلحة. وفي حالة استيفاء الشروط التي قدمتها تركيا، فلن يكون هناك ما يمنع السويد وفنلندا من الانضمام إلى عضوية الناتو.

وقد عبَّر الرئيس التركي أردوغان عن أسباب تحفظات أنقرة على انضمام البلدين إلى الحلف بشكل مباشر، في أعقاب اجتماع قادة تركيا والسويد وفنلندا، الذي استضافه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي في اليوم السابق لقمة الناتو التي عقدت في مدريد يومي 29 و30 يونيو/ حزيران 2022. ونتيجة للمفاوضات المكثفة التي تلت ذلك الاجتماع، وما أسفرت عنه من توقيع وزراء خارجية هذه الدول الثلاث المذكرة الثلاثية، رفعت تركيا حق النقض “الفيتو” الذي استخدمته في المرحلة الأولى من المفاوضات.

بنود الاتفاقية الواردة في البيان المشترك

تدين كل من فنلندا والسويد بشكل صريح وقاطع الهجمات التي تشنها جميع المنظمات الإرهابية ضد تركيا. تتعهد فنلندا والسويد بوقف أنشطة حزب العمال الكردستاني PKK وجميع المنظمات الإرهابية الأخرى والأفراد المرتبطين بها. قررت تركيا وفنلندا والسويد التضامن وتعزيز التعاون بينها لمنع كافة أنشطة المنظمات الإرهابية. تبدأ فنلندا والسويد التحقيق في أنشطة جمع الأموال والتجنيد لصالح حزب العمال الكردستاني PKK وجميع امتداداته والمنتسبين إليه، وحظر تلك الأنشطة. تؤكد تركيا من جديد دعمها لسياسة الباب المفتوح التي يتبعها الناتو وتعرب عن تأييدها دعوة فنلندا والسويد للانضمام إلى حلف الناتو في قمة مدريد. التزام فنلندا والسويد، باعتبارهما حليفين مستقبليين في الناتو، بعدم دعم حزب الاتحاد الديمقراطي PYD ووحدات حماية الشعب الكردية YPG والمنظمة المعروفة في تركيا باسم فاتو FETÖ. تؤكد السويد تطبيقها قانونا جديدا أكثر فعالية لمكافحة جرائم الإرهاب اعتبارا من 1 يوليو/تموز، وأن حكومتها ستعزز تشريعاتها المتعلقة بمكافحة الإرهاب. تؤكد الدول الثلاث، تركيا وفنلندا والسويد، أنه لم يعد هناك أي حظر أو قيود بخصوص الأسلحة الوطنية فيما بينها. تقدم فنلندا والسويد دعما أوسع نطاقا لتركيا وغيرها من الحلفاء من خارج الاتحاد الأوربي من أجل المشاركة في المبادرات الحالية والمستقبلية لسياسة الأمن والدفاع المشتركة للاتحاد الأوربي، بما في ذلك مشاركة تركيا في مشروع بيسكو PESCO بشأن التنقل العسكري.

وبحسب المذكرة الثلاثية وبنودها العشرة، فإنه قد تم إعلان وتسجيل كلٍّ من حزب العمال الكردستاني PKK، وحزب الاتحاد الديمقراطي PYD، ووحدات حماية الشعب الكردية YPG، ومنظمة غولن FETÖ، منظمات إرهابية. والنقطة البالغة الأهمية هنا هي أن منظمة فتح الله غولن الإرهابية FETÖ، التي نفذت محاولة الانقلاب في 15 يوليو/ تموز 2016 في تركيا، يتم تسجيلها منظمة إرهابية في اتفاقية دولية لأول مرة. وهكذا تم توثيق أن وحدات حماية الشعب الكردية YPG ومنظمة غولن FETÖ الإرهابيتين هما تنظيمان يشكلان فقها إرهابيا.

عند تدقيق النظر في نص المذكرة الثلاثية ذات المواد العشرة، من ناحية كونها وثيقة من وثائق القانون الدولي، يتبين أن الشروط التي قدمتها تركيا مذكورة بالتفصيل، وهي كذلك تحوي آلية للمتابعة والإشراف.

هذا وقد كشفت قمة الناتو في مدريد إلى أي مدى أن تركيا دولة مستقلة وقوية وذات مبادئ. إلى جانب أنه نتيجة للمساعي الدبلوماسية التي استمرت عدة أشهر، قد أخذت جميع القضايا التي تطالب بها تركيا وتصر عليها، في هذه المذكرة مكانة تليق بها، وبهذا المعنى استجابت السويد وفنلندا لطلبات تركيا.

وفي الصدد ذاته جاء في المذكرة أنه سيتم إنهاء أنشطة حزب العمال الكردستاني PKK وحزب الاتحاد الديمقراطي PYD والمنظمات الإرهابية التابعة له، وأنشطة منظمة غولن FETÖ الإرهابية في هذين البلدين، إضافة إلى أن مطالب تركيا بشأن تسليم أعضاء المنظمة الإرهابية الذين هم على اتصال مع هذه المنظمات الإرهابية، ستؤخذ في الاعتبار، ولتفعيل ذلك سيتم أخذ التقارير التي أعدتها تركيا لهذا الغرض في الاعتبار، وسيتم تنفيذ هذا القرار على الفور. وفي هذا السياق، فإن محتوى القانون الجديد الذي فعلَّته السويد في 1 يوليو / تموز يأتي على النحو التالي:

بناء على معطيات القانون

إن محاولات الإضرار بدولة ما بهدف الإرهاب وارتكاب جرائم عمدا، تعد جريمة إرهابية. زيادة الحد الأقصى للعقوبة بالسجن من 6 سنوات إلى 7 سنوات على الشخص الذي يثبت أنه ارتكب فعلا إرهابيا حال كونه عضوا نشطا في منظمة إرهابية. إبطال العمل بقانون التقادم بالنسبة لجرائم الإرهاب البسيطة. المعاقبة بالسجن مدة تتراوح بين سنة واحدة و6 سنوات على جرائم مثل: تمويل الإرهاب، والدعوة إلى الإخلال بالنظام العام، وتجنيد موظفين لمنظمة إرهابية، وتوفير تدريب إرهابي، بعد أن كانت الجرائم المذكورة يعاقب عليها بالسجن 6 أشهر فقط. يكون لدى المحاكم السويدية القدرة على الحكم في جميع الجرائم والبت فيها، بغض النظر عمن ارتكب الجريمة ومكان ارتكابها. تم التأكيد في البيان على أنه لا ينبغي أن تكون تلك البلاد ملاذا للعنف ومأوى للمتطرفين.

خطوة إلى الوراء

ونتيجة لذلك، تراجعت السويد وفنلندا في خطوة جادة إلى الوراء خلافا لتوقعات الرأي العام المسموم بمعارضتهما لتركيا، ووقَّعتا مذكرة تفاهم يمكن وصفها بأنها انتصار لأنقرة.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن القول إن وقوف تركيا في وجه مساعي التصديق على عضوية السويد وفنلندا في حلف الناتو، تأسيسا على دعمهما الإرهاب، ولفت الأمين العام لحلف الناتو الانتباه إلى ذلك من خلال تأكيده على التهديد الإرهابي الذي تتعرض له تركيا، قد يمهد الطريق أمام الناتو لنهج مسعى أكثر حساسية في قضية مكافحة تركيا للإرهاب في الفترة المقبلة.

كما جاءت مذكرة التفاهم هذه ردًّا على بعض الدول الأعضاء في الناتو التي تنتقد حرب تركيا ضد الإرهاب، وتنتقد بشكل غير عادل سير العملية الديمقراطية في تركيا، وفي السياق ذاته تدع وتستضيف المنظمات الإرهابية، وتفرض ضمنيًّا أو صراحة، عقوبات على الصناعات الدفاعية التركية.

هذا وقد تم التأكيد بعد توقيع المذكرة على أن تركيا دولة قوية في الناتو. أما قبل توقيعها، فقد كان من المهم كذلك اجتماع الرئيس أردوغان والرئيس الأمريكي بايدن، حيث تم خلال الاجتماع مناقشة مسألة طائرات F-16s ومجموعات التحديث وS-400 التي ستشتريها تركيا من الولايات المتحدة واختتم الاجتماع بشكل إيجابي.

وقد تم التأكيد على أن تركيا ممثل مهم للتحالف الغربي، وعلى دورها الحاسم في مستقبل الناتو والمؤسسات الأوربية.

كما أن الإشارة إلى شرعية المخاوف الأمنية لتركيا وتسجيلها أمر بالغ الأهمية.

هذا ويبدو من الإرادة المؤسَّسة في مدريد العمل على تخفيف حدة التوترات بين تركيا والولايات المتحدة، وسيتم تعزيز إمكانية التعاون المشترك في بعض القضايا.

المصدر : الجزيرة مباشر