ورطة الحزب الحاكم تجعل الحكومة الهندية في أزمة كبيرة

احتجاجات في نيودلهي

فوجئت الحكومة الهندية بتصاعد ردود الفعل بشأن تصريحات عضو في الحزب الحاكم مسيئة للنبي محمد ﷺ.

جاءت هذه التصريحات في 30 مايو/أيار، وأعرب المسلمون الهنود عن غضبهم منها مطالبين باتخاذ إجراءات قانونية ضد المسؤولين عنها.

يوجد في الهند قانون صارم يحظر إهانة الشخصيات المقدسة أو الكتب أو الرموز الخاصة بالدين. وتم تنفيذ هذه القوانين في وقت سابق بشكل جيد لأن الغالبية العظمى من السكان المتدينين في الهند يحترمون ديانات بعضهم بعضًا.

حافظت المجموعات الدينية المتنوعة الموجودة في الهند على الاحترام المتبادل بشكل عام حيث كانت العلاقات بين أتباع الأديان المختلفة في البلاد ذات يوم في ظروف مثالية مقارنة بجميع المجتمعات المتعددة الأديان الأخرى.

يوجد في الهند أيضًا مجموعة من القوانين التي تقيد وتحظر استخدام الملاحظات المهينة والتصريحات المسيئة ضد أي شخصية دينية ورموز مقدسة بما فيها الرموز الإسلامية. عندما أصدر قبل أسبوعين اثنان من أعضاء الحزب الحاكم -نوبور شارما ونافين جندال- تصريحات مسيئة للنبي محمد ﷺ، احتج مسلمو الهند على التصريحات وطالبوا باتخاذ خطوات حاسمة ضدهما وفقًا للقانون. هذه القضية ليس لها علاقة بحرية التعبير بل تتعلق بتنفيذ القوانين في الهند بهذا الصدد.

بغضّ النظر عمّن يحكم

بسبب تأخير في اتخاذ الإجراءات ضد العضوين من الحزب الحاكم، بدأت مقاطع الفيديو والتغريدات الخاصة بهما تنتشر من الهند إلى جميع أنحاء العالم، مما تسبب في ألم شديد وعدم ارتياح بين السكان المسلمين في جميع أنحاء العالم. والحكومة الهندية كانت حساسة بشأن علاقاتها مع العالم الإسلامي حيث تتمتع بعلاقات متينة وليست عادية. تعود هذه العلاقات إلى قرون، وكانت الهند دائمًا جزءًا من العالم الإسلامي بشكل أوسع بغضّ النظر عمّن يحكم البلاد.

لا يعرف كثير من الهنود والعرب أن علماء الإسلام الهنود قد أسهموا بشكل كبير في علوم الحديث والفقه، مما جعل الهند ثالث أكبر مركز لعلم الحديث بعد المملكة العربية السعودية ومصر. قام العشرات من العلماء المسلمين الهنود منذ عهد المغول بتفسير النصوص الكلاسيكية التي نشرتها واستخدمتها المعاهد الإسلامية في جميع أنحاء العالم. إن احترام الهند بوصفها مركزًا للمعرفة والدراسات الإسلامية قد أضفى عليها مكانة خاصة، وكان مئات الطلاب المسلمين من جميع أنحاء العالم الإسلامي يأتون إلى الهند لتلقي العلوم الإسلامية.

وخلال نضال الهنود من أجل الاستقلال، أعرب زعماء الحرية -أمثال غاندي ونهرو ومولانا آزاد وغيرهم- عن دعمهم أيضًا لاستقلال البُلدان الإسلامية، وعارضوا جميع أشكال الإمبريالية والاستعمار. وكان هذا الدعم في الماضي سببًا آخر لتصبح بين الهند والعالم الإسلامي صداقة طبيعية، بوصفهما جزءًا من عائلة ممتدة اعتنوا بقضايا بعضهم بعضًا منذ قرون عدة.

ازدهرت العلاقات بين الهند والعالم العربي بشكل لم يسبق له مثيل خلال عمليات التوسع الحضري، إذ فضّلت دول الخليج العمالة الهندية، ومن هنا أصبحت المنطقة موطنًا لأكثر من 7 ملايين عامل هندي يرسلون تحويلات مالية تُقدَّر بنحو 40 مليار دولار سنويًّا إلى الهند.

إعادة الاتصال بالعالم الاسلامي

كانت التصريحات المسيئة التي أدلى بها اثنان من أعضاء حزب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ضد تفكير الحكومة ونهجها. فقد عقدت الهند أول مؤتمر دولي للصوفية في عام 2015 بحضور رئيس الوزراء مودي وملك الأردن عبد الله الثاني، وشارك فيه نحو 100 من علماء الصوفية والمسلمين من جميع أنحاء العالم. كان يُنظر إلى الحدث على أنه خطوة رئيسية لإعادة الاتصال بالعالم الإسلامي على أساس القيم الروحية المشتركة للإسلام والهندوسية والبوذية والمعتقدات الهندية الأخرى. أضرت التصريحات المسيئة للنبي محمد ﷺ بسمعة الهند وقوضت دبلوماسيتها في منطقة غربي آسيا.

لقد تأخر المسؤولون الهنود في إدراك قوة وسائل التواصل الاجتماعي التي تنقل المعلومات والمعلومات المضللة بشكل أسرع مقابل إجراءاتهم القانونية. بعد أسبوع من تلك التصريحات الغريبة، كان العالم بأسْره على علم بها باستثناء السلطات الهندية المسؤولة عن تنفيذ القانون. بدأت البعثات الدبلوماسية الهندية خلال الآونة الأخيرة بجمع المعلومات من وسائل التواصل الاجتماعي العربية، وشعرت بالضرر الذي يلحق بجهودها الدبلوماسية بسبب التصريحات المستهجنة قانونًا. وتم استبعاد المسؤوليْن عن التصريحات وتجميد عضويتهما في الحزب.

جاء رد الفعل الأجنبي الأول أيضًا الذي تصاعد خلال أيام في 15 دولة. كانت الحكومة والبعثات الدبلوماسية سريعة وواضحة في إبعاد الحكومة عن موقف الشخصين وتصريحاتهما. وقدّمت الحكومة تصريحاتها بشكل رسمي والتوضيحات اللازمة التي حظيت بتقدير مختلف الدول العربية والإسلامية بما فيها المملكة العربية السعودية وتركيا.

ومع ذلك، فقد ترك هذا الحادث دروسًا كثيرة لدبلوماسية الهند في غربي آسيا. الهنود على الرغم من توسيع العلاقات الثنائية مع المنطقة، فإنهم ظلوا يتعاملون معها على أساس المعاملات الاقتصادية فقط، وظلت العلاقات بين شعوب كلا الجانبين -التي كان من الممكن أن تخبر عن الحساسيات- ضعيفة للغاية. وعلى عكس الصين التي تعمل على توسيع دبلوماسيتها العامة في المنطقة من خلال فتح قناتها التلفزيونية ومواقعها الإلكترونية والمراكز الثقافية العربية، لم تحاول الهند الوصول إلى السكان العرب والرأي العام. لا توجد للحكومة الهندية جهود في التبادلات بين الهند ودول غربي آسيا في الطريقة التي تزور بها الشخصيات الدينية الهندوسية الدول الغربية لترويج اليوغا والتقاليد الروحية الهندوسية.

المدهش

ومن المدهش أن أعضاء أكبر حزب سياسي في العالم (بهاراتيا جاناتا) ليسوا مدربين بشكل كافٍ على الدبلوماسية العامة والقضايا المشتركة بين الهند وأصدقائها. وإن تجاهل التصريحات المسيئة للنبي ﷺ ووصفها بأنها شأن داخلي للهند ليس مناسبًا. لماذا لا يعلم أعضاء الحزب الحاكم أن شعوب الدول الصديقة للهند في الخليج وجنوب شرقي آسيا تربطهم علاقة عاطفية خاصة بالنبي محمد ﷺ؟ هذا يُظهر افتقار الحزب الحاكم للتدريب والتوعية بالعلاقات الخارجية. لماذا لا توجد حوارات وتبادلات ثقافية بين الهند ودول الشرق الأوسط؟ لا بدّ من العلاقات الجيدة مع الدول الأعضاء بما فيها دول العالم الإسلامي للحصول على عضوية الهند الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهي ضرورية أيضًا لأن الهند كانت جزءًا من حضارتهم لقرون، وأسهمت في تنمية هذه الدول بشكل كبير.

الهند ليست ولا يمكن أن تكون دولة معزولة مثل الدنمارك. إنه مصير الهند، سواء أحببنا ذلك أم لا، حيث تُعد بفضل تاريخها وجغرافيتها جزءًا من العالم الإسلامي المتنوع للغاية وآسيا الوسطى ومنطقة أوراسيا الناطقة بالفارسية والعالم العربي التركي ودول جنوب شرقي آسيا. يحتاج أعضاء حزب بهاراتيا جاناتا إلى فهم مشابه للذي كان لدى أعضاء المؤتمر الوطني أثناء نضال الهند من أجل الاستقلال.

من خلال عزل العضوين، اتخذ الحزب الحاكم بالفعل خطوة في مسار صحيح، وتجنب تكرار أحداث عام 2005 في الدنمارك، عندما اهتز العالم بأسْره بسبب الاحتجاجات الرسمية والعامة بشكل كبير. لكن ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي تشير إلى أن سمعة الهند ودبلوماسيتها يواجهان تحديًا كبيرًا في المستقبل. تحتاج كل من الحكومة الهندية والحزب إلى دبلوماسية عامة نشطة، لتهدئة المشاعر المتصاعدة المعادية للهند، وإنقاذ مصالحها الوطنية الكبرى في الخارج خاصة بمناطق الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب شرقي آسيا.

المصدر : الجزيرة مباشر