اشتراط موافقة الزوجة الأولى للتعدد.. بين أحكام الشريعة ومشروعات القوانين الوضعية

شيخ الأزهر

 

ثارت في الآونة الأخيرة ضجة إعلامية على المشروع المقدم لمجلس النواب المصري؛ حيث يضم حُزمة من القوانين المتعلقة بالأسرة، وهي -في مجملها- تصب في قالب ما يُسمّى قوانين المرأة وخطط الأمم المتحدة لإفساد المرأة وفطرتها، وتفكيك الأسرة وتفتيتها.

المواد القانونية لإلزام الزوج بإعلام الأولى والثانية

والمشروع الذي نحن بصدده طُرح العام الماضي، وتجدد النقاش حوله هذا العام؛ وهو ما تقدمت به النائبة نشوى الديب، ويؤيده المجلس القومي للمرأة، والجدل مستمر حوله منذ شهر، ومن مواد مشروع هذا القانون المادة رقم (14) التي تنص على أنه “إذا رغب الزوج في التعدد يتقدم بطلب لقاضي محكمة الأسرة بصفته قاضيًا للأمور المستعجلة لإخطار الزوجة برغبته في الزواج بأخرى على أن تمثل لإبداء الرأي بالموافقة أو الرفض كما تُخطر المرأة المراد التزوج بها بأنه لديه زوجة أو زوجات أخريات”.

وفي المادة 15 (كما نُشر على بوابة الأهرام في 8 أبريل/نيسان 2022) فإن “المحكمة تستدعي الزوجة المراد التزوج عليها للمثول أمام القاضي فإذا أعلنت شخصيًّا ولم تحضر أو امتنعت عن تسلم الإعلان عالمةً بما فيه، يُعدّ ذلك موافقةً منها على التعدد، وبهذا يكون الإعلان استوفى شكله القانوني”.

وأشارت المادة 16 إلى أنه “إذا مثلت الزوجة المراد التزوج عليها بشخصها أو بوكالة خاصة يبحث معها القاضي عن موافقتها على التعدد من عدمه، فإذا رفضت الموافقة على تعدد زوجها عليها وأصر الزوج على طلبه، حاولت المحكمة إجراء محاولة إصلاح بينهما، فإن لم توفق في مسعاها وأصر الطرفان على موقفهما، فإن طلبت الزوجة التطليق حُكم لها بحقوقها المالية المترتبة على التطليق، ويتعيّن على الزوج إيداعها بخزينة المحكمة خلال شهر من تاريخه وإلا عُدّ متراجعًا عن طلب الإذن بالتعدد”.

تعليق شيخ الأزهر

أما شيخ الأزهر د. أحمد الطيب، فقد علّق على هذا قائلًا: إن زوجة واحدة تكفي، معتبرًا من يقولون إن الأصل في الإسلام هو التعدد مخطئون، حيث تشهد المسألة ظلمًا للمرأة وللأبناء في كثير من الأحيان، وأن التعدد من الأمور التي شهدت تشويهًا للفهم الصحيح للقرآن الكريم والسنة النبوية، وأن المسلم ليس حرًّا في أن يتزوج على زوجته الأولى، هذه رخصة مقيدة بقيود وشروط، والتعدد حق للزوج لكنه حق مقيد.

وقال (طبقًا لتقرير نشره موقع الجزيرة نت في 25 مايو/أيار 2022) “التعدد مشروط بالعدل وإذا لم يوجد يحرم، والعدل ليس متروكًا للتجربة إنما بمجرد الخوف من عدم العدل أو الضرر يحرم التعدد، فالقرآن يقول {فإنْ خِفتُم ألا تعدِلوا فواحدة}”، وأكد على عدم دعوته إلى تشريعات تلغي حقًّا شرعيًّا، لكنه يرفض التعسف في استخدام الحق الشرعي والخروج به عن مقاصده.

وقد ذهب البعض إلى أن من حق الحاكم أن يقيّد هذا الحق؛ لأنه مباح، وللحاكم أن يقيّد المباح، ويضع له تشريعات تقيده: تضييقًا أو توسيعًا، أو منعًا مؤقتًا لمصلحة شرعية.

موقف الشرع من التعدد

أما موقف التشريع الإسلامي من التعدد فهو واضح ينبغي أن يعلنه أهل الذكر من غير مجاملات؛ فالقرآن الكريم يقول: ﴿فَٱنكِحُوا۟ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَاۤءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُوا۟ فَوَ احِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡۚ ذَ لِكَ أَدۡنَىٰۤ أَلَّا تَعُولُوا۟﴾ (النساء: 3)، فهذا أمر قرآني بالنكاح من اثنتين أو ثلاث أو أربع. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيرها: “أي: من أحب أن يأخذ اثنتين فليفعل، أو ثلاثًا فليفعل، أو أربعًا فليفعل، ولا يزيد عليها، لأن الآية سيقت لبيان الامتنان، فلا يجوز الزيادة على غير ما سمى الله تعالى إجماعًا؛ وذلك لأن الرجل قد لا تندفع شهوته بالواحدة، فأبيح له واحدة بعد واحدة، حتى يبلغ أربعًا؛ لأن في الأربع غنية لكل أحد، إلا ما ندر، ومع هذا فإنما يباح له ذلك إذا أمن على نفسه الجور والظلم، ووثق بالقيام بحقوقهن. فإن خاف شيئًا من هذا فليقتصر على واحدة”.

فالأمر مشروط بالقدرة والعدل، فمن لم يكن لديه قدرة ولا يستطيع العدل فيحرم عليه التعدد حينئذ، بل يحرم عليه الزواج الأول مع افتقاد القدرة!

على أن التعدد ليس حكمُه الإباحة فقط، بل قد يكون التعدد واجبًا على الرجل، وقد يكون محرّمًا، فحكم التعدد الشرعي في الشريعة الإسلامية تتوزعه الأحكام الخمسة المعروفة، وهو نفس حكم الزواج تمامًا، فالزواج قد يكون حرامًا في حق بعض الرجال -الزواج الأول- وقد يكون واجبًا، وقد يكون مكروهًا أو مستحبًّا، وقد يكون مباحًا، حسب القدرة والرغبة.

ومن ثم لا يجوز لحاكم أن يتحكم في التعدد؛ لأن حكمه ليس الإباحة فقط، قد يكون مباحًا بحق بعض الأفراد ولكن في كثير من الحالات قد يأخذ حكمًا آخر غير الإباحة، ومن ثم ليس للحاكم صلاحية في تقييده.. ثم مَن الحاكم الذي يقوم بتقييد المباح؟ هل “حاكم” مثل السيسي أو بشار أو مَن هم أمثالهما لهم حق في تقييد المباح والتصرف في الشرع؟ الحاكم الذي يقوم بهذا هو الحاكم الحقيقي الذي أتى برضا الأمة واختيارها، ومشى في فترات حكمه على وفق كتاب الله وسنة رسوله.

كما أن مشروع القانون المقترح -مؤيدًا من (مجلس المرأة) الذي قالت إحدى عضواته: “إن سيدنا آدم كان متزوجًا بواحدة فقط”!!- ركز على: المقدّم والمؤخر، والتحاليل الطبية المتخصصة، والإيجاب والقبول، والشهادة، ولم يذكر الولي، ولا الإشهار!!

وقد جاء كلام شيخ الأزهر مجاملًا للنساء أكثر منه تعبيرًا عن حقيقة الشرع، صحيح أن هناك ممارسات خاطئة تقع من الرجال في التعدد، وكذلك تقع من الزوجة الأولى أيضًا للإنصاف؛ لكن هذا لا يحملنا على القول بأن واحدة تكفي لمن أراد الثانية بحقها، ولا أن الرجل ليس حرًّا في هذا التصرف؛ حيث إن الانحرافات الموجودة بالواقع تعالَج ويُقدَّم لها الدواء من الشرع، ولا يجوز أن تأتي على الأصل بالإبطال أو التقييد.

هل اشتراط موافقة الزوجة الأولى يحل العُقَد؟

يجب أولًا تقرير أن الشرع لم يشترط هذا الشرط، وهو شرط ليس في كتاب الله ولا سنّة رسوله، وفي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: “كلُّ شرطٍ ليس في كتابِ اللهِ تعالى فهو باطلٌ، وإِنْ كان مائَةَ شَرْطٍ”.

فللزوج أن يتزوج من الثانية والثالثة والرابعة دون أن يُعلم أحدًا من أهل الأرض، ما دام العقد صحيحًا، وعنده شروط التعدد من قدرة وتحقيق العدل؛ فليس لأحد سلطان عليه، وليس للزوجة الأولى طلب الطلاق لهذا السبب؛ لأنه ليس سببًا شرعيًّا له.

إن اشتراط موافقة الزوجة الأولى سيفتح الباب أمام الأزواج للزواج بدون توثيق قانوني، وفي هذا إضاعة لحق المرأة، وفتح لباب استهانة الرجال بعقد الزواج الذي سمّاه الله ميثاقًا، وهو ما سينتشر به الزواج العرفي الشرعي غير القانوني، وتوثيق الزواج قانونيًّا أصبح مقررًّا شرعًا؛ لأنه أصبح معروفًا، و”المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا ما لم يخالف نصًّا”، ومشروع القانون مخالف للمقصود الشرعي من الزواح والتعدد.

إن الأولى بمن قدّمت هذا المشروع وبمجلس المرأة وعضواته بدلًا من مخالفة أحكام الشريعة وابتداع بدع منكرة، وبدل أن يشترط في مشاريع قوانينه المقترحة شروطًا ليست في كتاب الله ولا سنّة رسوله، الأولى به أن يتحدث عن العانسين والعانسات ويبحث لهن عن حل، ويتحدث عن نسبة الأرامل والمطلقات وكيف يشرّعون لهن تدابير قانونية تقيهن من الانحراف وتحفظ أعراضهن، أو يتحدث عن الأعراف الواقعة في بعض البيئات المصرية المتعلقة بالمرأة والتي تخالف أحكام الشريعة، أو يتحدث عن النساء المُخفَيات قسرًا في سجون مصر، وبدلًا من الافتئات على أحكام الشريعة وابتداع ما ليس في دين الله يمكنهم أن يتفقهوا أولًا في أحكام هذه الشريعة، ويعلموا أنه لم تكن على الأرض امرأة يتزوجها آدم سوى حواء؛ ولهذا تزوج بواحدة!!

المصدر : الجزيرة مباشر