الإصلاح حياة

الناظر لحياتنا اليوم يجد كثيرًا من التقاطعات التي أوجدها الواقع الذي نعيشه سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، أوصلت الكثير من الناس في النهاية الى المقاطعة والمخاصمة.

أضف إلى ذلك معاش الناس الذي وصل إلى درجة من التردي وشظف العيش حتى سادت روح التنافر خاصة أمام التفاوت الطبقي وانقسام الناس (من غنى فاحش أو فقر شديد وهو الغالب)، حتى على مستوى الدول التي تعيش حالة استقطاب لمؤيد لها وكره لمعارض ونفور.

السعي للإصلاح

إذا نظرنا على سبيل المثال للأسر التي تغير فيها مفهوم احترام الوالد الذي صار يعامل معاملة الند، بل سعت جهات تحت دعوى إسقاط الحكم الأبوي من هضم حقه وإسكات صوته، وتزداد الصورة قتامة لما نراه من تعامل بين الأزواج الذي من المفترض أن تسود فيه روح الألفة والمودة إلى صراع دائم ليس فيه منتصر، فيزداد النفور والبغض والكراهية في النفوس، وحتى تضع الحرب أوزارها لا بد من مبادرة للإصلاح مفهومه في أيسر معانيه هو تقويم ما انحرف من سلوك الفرد أو الجماعة وتقريب النفوس المتنافرة، وهو واجب علينا كما قال تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ)، ومن يسعَ بين الناس بالإصلاح فهو أفضلهم درجة ومكانة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبًا أصحابه (ألا أخبركم بأفضل درجة من الصيام والصلاة والزكاة؟ قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين)، كذلك علّمنا القرآن كيف يكون الإصلاح إذا زاد الخلاف بين الزوجين يقول الله عز وجل (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا)، والحكمة من ذلك ألا نترك الفرصة لأصحاب النفوس المريضة التي لا ترضى إلا بهدم البيت الذي سادت فيه الألفة، فتستخدم جهدها كله لزيادة الفرقة، وسد هذا الباب هو صمام الأمان للمجتمع.

أيضًا المشهد السياسي في كثير من البلدان الإسلامية تسوده ريح التفرقة والتعصب والتحزب، وبات الجميع يبحثون عن مخرج لتلك الأزمات، وهنا يبرز دور المصلح الذي يمشي بين المسلمين لعصمة دمائهم يقول الله تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)، ويقول عز وجل (إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).

العلاج الناجح

إن العلاج الناجع لرتق النسيج الاجتماعي ولمواجهة هذه الأزمة الكارثية يكون على يد رسل محبة، أولئك الذين يدركون طبيعة رسالتهم كما يقول الأوزاعي (ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة لإصلاح ذات البين)، ويقول محمد بن كعب (من أصلح بين قوم فهو كالمجاهد في سبيل الله)، ومن يسعَ للتأليف بين القلوب فإن الله سيكرمه بالتوفيق الكامل في حياته، ويرزقه الحكمة التي هي مطلب أساس لجمع القلوب المتنافرة، فصافي القلب ونقي السريرة يفتح الله على يديه أبواب الإصلاح.

أيها السادة نحن في هذا الزمان نحتاج لمصلحين فقد غارت جراحنا وكثرت شكوانا ولا مخرج للحياة إلا أن نسعى لتخريج مصلحين يكون على يدهم لم الشمل، ونفخ الروح في جسد هذه الأمة.

المصدر : الجزيرة مباشر