حجم التجارة بين روسيا والاتحاد الأوربي

بوتين وجونسون

في السنوات الماضية الأخيرة، اكتسب الميزان التجاري بين روسيا والاتحاد الأوربي زخمًا كبيرًا، فقد وصل إلى أرقام (ذات تأثير فعَّال) جاذبة للانتباه، خاصة في مجالات الطاقة والصناعة.

وعند استحضارنا للعلاقات المشتركة بين روسيا والاتحاد الأوربي، نجد أن كلًّا من البنى التحتية الصناعية، واستهلاك الطاقة في دول الاتحاد الأوربي، وجزءًا كبيرًا من إنتاج الاتحاد الأوربي، كل ذلك يضع روسيا شريكا تجاريا رئيسيا للاتحاد الأوربي. وفقًا لإحصائيات عام 2021، فإن روسيا هي خامس أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوربي، ويشكل حجم التبادل بينهما نسبة 6% من إجمالي حجم التجارة في الاتحاد الأوربي مع العالم. فمقداره 7% من إجمالي واردات الاتحاد الأوربي يأتي من روسيا، و4.5% من إجمالي صادراته يتجه إلى روسيا. ووفقًا للإحصاءات الصادرة عام 2020 فإن ما مقداره 36.5% من واردات روسيا يأتي من الدول الأوربية فضلا عن أن 37.9% من صادراتها يولي وجهه شطر دول الاتحاد الأوربي. وبمطالعة البيانات المسجلة عام 2021، فإن حجم التجارة بين روسيا والاتحاد الأوربي قد سجل إجماليًّا مقداره 257.5 مليار يورو.

وجاء إجمالي استيرادات دول الاتحاد الأوربي بمقدار 158.5 مليار يورو، وقد تم تحصيل 62% منها، أي 98.9 مليار يورو من تجارة المحروقات (الوقود الطبيعي الحفري). ويبدو في هذا السياق أن حجم التجارة بين روسيا والاتحاد الأوربي يتركز في مجال الطاقة. وضمن نطاق علاقة المُورِّد والسوق فإن فرص الاتحاد الأوربي وروسيا لإيجاد بدائل أخرى محدودة للغاية.

فحص الإحصاءات العامة يكشف عن أن 99 مليار يورو هي قيمة صادرات الاتحاد الأوربي إلى روسيا. وقد شغلت الآلات والمعدات والسيارات من هذه الصادرات 28.45 مليار يورو. كما أن تجارة الأدوية من العناصر المهمة في صادرات الاتحاد الأوربي إلى روسيا. وبناءً على ما ورد في إحصاءات عام 2021، كان مقدار الصادرات الدوائية من الاتحاد الأوربي إلى روسيا 8 مليارات يورو تقريبا. وهذا علاوة على أن الاتحاد الأوربي هو أكبر مستثمر في روسيا. وبينما يبلغ رصيد الاستثمار المباشر بين روسيا والاتحاد الأوربي 311.4 مليار يورو، بلغ رصيد الاستثمار المباشر لروسيا في الاتحاد الأوربي ما قيمته 135 مليار يورو.

وهذا يعني أن روسيا سوق لا يمكن للاتحاد الأوربي التخلي عن الاستثمار فيه بسهولة. ومن جانب آخر فإن الشيء نفسه ينطبق على الاستثمارات الروسية. ونخلص من ذلك كله إلى أنه من الواضح وجود توازن متبادل جاد بين الاتحاد الأوربي وروسيا من حيث الاستثمار.

من ناحية أخرى، فإن الصادرات الروسية ولا سيما فيما يخص منتجات الطاقة، إلى الاتحاد الأوربي، تشغل أهمية كبيرة في ذلك السوق. حيث سجلت نسبة الاتحاد الأوربي من إجمالي الصادرات الروسية 15%، وسجلت نسبة وارادات روسيا من الاتحاد الأوربي 13.4% من إجمالي وارداتها. هذا بالإضافة إلى صادرات النفط الخام الروسية إلى الاتحاد الأوربي التي سجلت ما قيمته 48 مليار يورو. وهكذا بناءً على هذه الأرقام يختص سوق الاتحاد الأوربي بمساحة واسعة في صادرات الطاقة الروسية. وإلى جانب النفط الخام الذي تصدره روسيا إلى الاتحاد الأوربي، فإن قيمة المنتجات البترولية المصدرة قد بلغت 22 مليار دولار.

وفي سياق آخر، هناك علاقات تجارية راسخة بين روسيا والاتحاد الأوربي في صادرات الغاز؛ حيث بلغت صادرات الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوربي ما قيمته 17 مليار يورو.

كما سجلت صادرات روسيا من الفحم إلى دول الاتحاد الأوربي مبلغ 7 مليارات يورو. هذا إلى جانب الفحم الذي يحتل أهمية كبيرة في توليد الكهرباء والأنشطة الصناعية في الاتحاد الأوربي، وخاصة الفحم الروسي الذي تتراوح حصته في إنتاج الكهرباء في الاتحاد الأوربي بين 5 و7.5%.

وفيما يتعلق بالأنشطة التعدينية، فقد شهد حجم التجارة بين روسيا والاتحاد الأوربي تقدما متسارعا ومرتفعا للغاية. حيث سجلت صادرات الحديد والصلب الروسية إلى الاتحاد الأوربي مبلغ 4.5 مليارات يورو. وبالنظر إلى المعادن الأخرى ضمن الصادرات المعدنية الروسية إلى الاتحاد الأوربي، فقد سجل الألمنيوم والنيكل والنحاس والأحجار الكريمة ما قيمته 5.5 مليارات يورو. وبناءً على كل هذه الأرقام، فإن حصة المواد الخام الروسية في الإنتاج الصناعي للاتحاد الأوربي مهمة للغاية.

على الرغم من أن روسيا ليس لديها نصيب كبير في صادرات المنتجات الزراعية إلى الاتحاد الأوربي، فإن صادراتها تبلغ قيمة 100 مليون يورو.

العلاقة التجارية بين روسيا والمملكة المتحدة البريطانية

لقد اكتسبت العلاقات التجارية بين المملكة المتحدة البريطانية وروسيا أهمية كبيرة، لا سيما في مجال المعادن الثمينة. أما في مجال الطاقة فإن روسيا، وهي سوق مهم للصناعة البريطانية، لم تنشئ ميزانها التجاري مع المملكة المتحدة في مجال الطاقة كما هو الحال في دول الاتحاد الأوربي؛ إذ إن المعادن الثمينة تشغل نسبة 81.9% من إجمالي واردات المملكة المتحدة من روسيا. ولا شك أن لهذا الرقم أهمية كبيرة، وحيوية للصناعة والاستهلاك في المملكة المتحدة.

تأتي المملكة المتحدة البريطانية في المرتبة الرابعة عشرة (14) بين المستقبلين للصادرات الروسية، وتحل شريكا في المرتبة الثانية عشرة (12) في مصادر وارداتها. ووفقًا لبيانات عام 2021، فقد تلقت المملكة المتحدة 2.2% من إجمالي وارداتها من روسيا. وبعبارة أخرى فقد استوردت إنجلترا ما قيمته 12.3 مليار يورو من روسيا عام 2021. وبإلقاء نظرة على مجموع الإحصاءات العامة، فإن حصة روسيا من إجمالي صادرات المملكة المتحدة تبلغ 0.9% فقط. ففي عام 2021، صدَّرت المملكة المتحدة إلى روسيا بقيمة 3.6 مليارات يورو فقط.

أما بالنسبة لمسألة الطاقة، فقد جاءت العلاقات التجارية بين إنجلترا وروسيا على النحو التالي: سجل الوقود الذي تستورده المملكة المتحدة من روسيا قيمة 6.24 مليارات يورو، وهذا يمثل نسبة 9.7% من واردات المملكة المتحدة من الوقود، أما بالنسبة للنفط، فإن روسيا هي أكبر مُوَرِّد للنفط المكرر للمملكة المتحدة، ويمثل النفط المكرر 24.1% من إجمالي واردات المملكة المتحدة من روسيا. ومن ناحية أخرى فقد غطَّت بريطانيا 5.9% من وارداتها من النفط الخام من روسيا. وتبلغ قيمة ذلك ما يقرب من 1.2 مليار يورو. وفيما يخص الغاز الطبيعي، تبلغ حصة روسيا 4.9% من إجمالي واردات الغاز البريطانية، بقيمة 1.2 مليار يورو.

حسب إحصاءات عام 2021، فقد تقدمت سلع التصدير الرئيسية من المملكة المتحدة إلى روسيا، لا سيما في المنتجات الصناعية وقطع غيار مركبات النقل. فقد بلغت قيمة الآلات ومعدات النقل التي صنَّعتها المملكة المتحدة لصالح روسيا 1.8 مليار يورو. وفضلا عن ذلك كله فإن إنجلترا تعد أحد شركاء روسيا في تصدير المواد الكيميائية. ووفقًا لإحصاءات عام 2021، فقد كسبت المملكة المتحدة ما مجموعه 840 مليون يورو من صادراتها من المنتجات الكيماوية إلى روسيا. وقد قُدِّمت 360 مليون يورو من هذه الصادرات الكيماوية في شكل منتجات دوائية ومستحضرات طبية.

بلغ إجمالي الواردات والصادرات بين المملكة المتحدة وروسيا ما مقداره 19 مليار يورو وفقًا لإحصاءات عام 2021. وبمقارنة هذه الأرقام بالبيانات التي تم الحصول عليها عام 2020، فقد نما إجمالي الواردات والتجارة بين روسيا والمملكة المتحدة بنسبة 28.7%، مما أدى إلى زيادة مالية قدرها 4.2 مليارات يورو. ومن أجل استيعاب الوضع التجاري بين روسيا وإنجلترا، يمكن سرد أهم عناصر الصادرات البريطانية إلى روسيا على النحو التالي:

السيارات ووسائل المواصلات الأخرى (463 مليون يورو، وهو ما يمثل حوالي 14.6% من صادرات المملكة المتحدة إلى روسيا). المنتجات الطبية والصيدلانية (326 مليون يورو، وتمثل حوالي 10.3% من صادرات المملكة المتحدة إلى روسيا). مولدات الطاقة الميكانيكية (463 مليون يورو، وتمثل حوالي 14.6% من صادرات المملكة المتحدة إلى روسيا).

في الوقت الذي تُصدِّر فيه إنجلترا بشكل أساسي المنتجات الصناعية ذات التقنية الفائقة إلى روسيا، وتصدر روسيا المعادن الثمينة مثل الذهب والبلاتين إلى إنجلترا، فإنه يتم إدراج المواد الخام للطاقة باعتبارها ثاني أكبر عنصر تصدير بينهما.

نتيجة

لقد تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في ترك تأثيرات عميقة وعلى وجه الخصوص في سلاسل التوريد العالمية وأسعار السلع الأساسية التي فرضتها الدول الغربية. حيث إن هجوم روسيا على أوكرانيا ينذر بحرب اقتصادية عالمية جديدة. إن تطوير روسيا للاستثمارات الأجنبية ولا سيما الصينية والإيرانية والتركية والإماراتية والسعودية وفي الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وبشكل خاص العمل على تحسين علاقاتها الاقتصادية مع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، يمكن أن يكون بمثابة أحد تحركات روسيا لملء الفراغ الذي خلفته العقوبات الغربية، في ضوء شمولية الفهم الروسي للاقتصاد الكلي. فقد صارت روسيا اقتصادا منفتحا على أسواق ومُورِّدين جُدد في مجالات الطاقة والغذاء والصناعة والدفاع. وهكذا ظهرت بدائل جديدة وفرص تعاون فيما يتعلق بسلاسل التوريد العالمية وطرق الطاقة، في أعقاب قرارات دول الاتحاد الأوربي والمملكة المتحدة بخفض حجم تجارتها مع روسيا. وقد أعلنت منظمة التجارة العالمية تضرر حجم نمو التجارة العالمية هذا العام، وبالتالي انخفاض الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وتشهد الدول الغربية، بما في ذلك الاتحاد الأوربي وبريطانيا، أخطر تأثيرات للحرب الروسية الأوكرانية التي غيرت التوازن في الاقتصاد العالمي. ففيما يتعلق بالاتحاد الأوربي ، الذي يبلغ حجم تجارته 257.5 مليار يورو، يبدو من الصعب للغاية توفير مورد جديد للطاقة وإنشاء بديل جديد في السوق بدلا من روسيا. ومن ناحية أخرى فإن فرصة أن تجد المملكة المتحدة، التي لديها علاقة تجارية بقيمة 19 مليار يورو مع روسيا، لمنتجاتها بديلًا جديدًا في السوق لمنتجاتها ذات القيمة المضافة بدلاً من روسيا، تعد عملية مكلفة للغاية وطويلة. وبينما كان من المتوقع -قبل اندلاع الحرب- أن تنمو التجارة العالمية عام 2022 بما بين 4% و5%، جاءت الآثار الرئيسية للحرب على الاستثمارات المؤسسية الدولية سلبية على الاقتصاد الكلي، حيث تشغل روسيا حاليًا 1% من أسهم الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم، بسبب انسحاب أكثر من 400 مستثمر أجنبي من روسيا، وبناء على ذلك، انخفضت توقعات النمو العالمي إلى 3%.

ومع استمرار الحرب وصلت أسعار الغذاء والطاقة الأساسية في جميع أنحاء العالم إلى مستويات عالية، بما في ذلك تصاعد أزمة العرض والأسعار داخل الاتحاد الأوربي. حيث تشهد معدلات التضخم في الاتحاد الأوربي زخما متزايدا نتيجة للآثار السلبية للتوازنات الاقتصادية بين الاتحاد الأوربي وروسيا. يمكن تلخيص العلاقات التجارية بين دول الاتحاد الأوربي وبريطانيا من طرف وبين روسيا من طرف آخر على النحو التالي:

بينما تعد روسيا مُورِّدًا للمواد الخام لكل من الاتحاد الأوربي والمملكة المتحدة البريطانية، فإن السوق الروسي في الوقت نفسه سوق مهم ومستهلك للمنتجات ذات القيمة المضافة في الاتحاد الأوربي والمملكة المتحدة. ونتيجة لتقليص العلاقات التجارية بين روسيا والاتحاد الأوربي والمملكة المتحدة، فلن يتمكن الاتحاد الأوربي وبريطانيا من توفير المواد الخام اللازمة للصناعة، بتكاليف ميسورة وشروط معقولة، وروسيا التي تعد سوقًا مهمًّا للسيارات والأدوية والمنتجات المصنعة، سوف تصبح منطقة اقتصادية مفقودة أمام الاتحاد الأوربي والمملكة المتحدة، ولا سيما المملكة المتحدة التي زادت علاقتها التجارية بروسيا منذ عام 2014 بنسبة 181%، فحجم التجارة بينهما الذي كان قد وصل 7.6 مليارات يورو عام 2014، ارتفع إلى 21.7 مليار يورو مع بداية عام 2021. وبينما تعد دول الاتحاد الأوربي أكبر سوق مستقبل لصادرات روسيا بنسبة 33.8%، فإن روسيا هي الأخرى أحد أكبر المستوردين للمنتجات الأوربية بنسبة 34%.

وبناءً على ذلك فإن فرصة تطوير بديل لهذه العلاقة التجارية الثنائية محدودة للغاية أمام كل من دول الاتحاد الأوربي وروسيا في الوقت نفسه، حيث يعتمد الاستهلاك والصناعة الروسيان اعتمادا كبيرا على دول الاتحاد الأوربي. ومن جانب آخر، فإن المملكة المتحدة والدول الإنتاجية الصناعية الرائدة في الاتحاد الأوربي تعتمد على الطاقة الروسية. ففي حين يتراوح تأثير حصة الفحم الروسي في توليد الكهرباء في الاتحاد الأوربي ، وحده ما بين 5% و7.5%، فإن نسبة 66.9% أي ما مقداره (15.5 مليار يورو) من إجمالي واردات بريطانيا من روسيا تتكون بشكل مباشر من واردات الذهب، كما أن نسبة 15% بقيمة (3.4 مليارات يورو) من وارداتها تأتي من معدن البلاتين.

وبإلقاء نظرة على إجمالي واردات المملكة المتحدة من روسيا الذي تبلغ قيمته 23.2 مليار يورو، يتضح أن 81.9% من إجمالي تلك الواردات تقوم مباشرة على معدني الذهب والبلاتين. وفي السياق ذاته تتبادر إلى الذهن الصادرات البريطانية إلى روسيا من منتجات التكنولوجيا ذات القيمة المضافة العالية، فعلى سبيل المثال: 14.6% من إجمالي تلك الصادرات تتكون من السيارات ومركبات النقل.

وتأتي صناعة النقل في صدارة المجالات التي يُستخدَم معدن البلاتين فيها بشكل مكثف. ويعني ذلك ما تقوم به المملكة المتحدة من معالجتها للمواد الخام التي تتلقاها من روسيا فترفع من قيمتها أي تجعلها ذات قيمة مضافة، ثم تعيد بيعها إلى السوق الروسي، لكن المملكة المتحدة نفسها قد تواجه خسائر فادحة فيما يتعلق باستيراد المواد الخام ثم تفقد سوقا كبيرا لصناعتها، نتيجة لما قد ينشأ من السلبية التجارية بينهما.

وخلاصة القول في هذا السياق، أن العلاقات التجارية الثنائية بين المملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوربي من ناحية وبين روسيا من ناحية أخرى، قد وصلت إلى مستوى سيكون له تأثيرات عالمية متعددة الأبعاد على حد سواء.

المصدر : الجزيرة مباشر