الصراع على رئاسة مصر.. (1-6) منصور حسن

منصور حسن

أزمة مارس 1954، بين محمد نجيب وعبد الناصر، كانت أول مظاهر الصراع العسكري/ العسكري على رئاسة مصر منذ قيام الجمهورية، ثم كانت أزمة السادات ومراكز القوى، حالة أخرى من الصراع داخل دهاليز السلطة بين أطراف تنتمي للسلطة ذاتها.

لم يكن الصراع -في حالتيه الأولى والثانية- صراعًا ديمقراطيًّا، أو منافسة يُحتكم فيها إلى الشعب، بل كان خليطًا من المؤامرات التي تديرها وتدبرها شخصيات من داخل السلطة، ضد أخرى تنتمي للسلطة العسكرية الحاكمة ذاتها.

الطريق الوحيد إلى رئاسة مصر منذ يوليو 1952 حتى عام 2005، كان ذلك الاستثناء الشكلي المزور، الذي يجدد للرئيس القديم، أو يرفع مكانة النائب الذي اختاره ليكون خلفًا له.

الرئيس الأوحد

ومن هنا، وقبل تعديل المادة رقم 76 من الدستور عام 2005، هبط الصراع، وانتقلت المنافسة إلى مقعد “نائب” الرئيس، بوصفه رئيس الأمر الواقع، أو رئيس المستقبل، حال غياب الرئيس الحالي قدرًا أو قهرًا.

فالرئيس يظل هو الرئيس “الأوحد” إلى أن يختار بنفسه نائبًا له، يحل محله بعد وفاته، وكان هذا هو السبب الرئيس الذي منع مبارك من اختيار نائب له طول حياته حتى قيام ثورة يناير، فمنذ عام 1981 حتى عام 2011، ولمدة 30 عامًا، ظل مقعد نائب الرئيس شاغرًا، لرفض مبارك اختيار نائب له.

والتفسير الحقيقي لسرّ موقف مبارك الرافض لتعيين نائب له طوال هذه المدة هو ما قاله مبارك نفسه: “لا أريد صراعات”، في إشارة منه إلى ذلك الصراع الذي دار بينه وبين منصور حسن الوزير الأسبق في عهد السادات، الذي تحمّست لاختياره السيدة جيهان السادات عام 1981 ليكون أول نائب “مدني” لرئيس الجمهورية، وكان السادات متحمسًا له أيضًا، لكنه أراد تعيينه نائبًا ثانيًا للرئيس على أن يكون النائب الأول عسكريًّا، وبالفعل أعطى السادات الكثير من الصلاحيات الإدارية والتنفيذية لمنصور حسن وزيرًا لرئاسة الجمهورية، لكنها تصادمت -بطبيعة الحال- مع صلاحيات النائب مبارك، مما أدى إلى غضب مبارك واعتكافه في منزله قبل وفاة السادات بأسابيع قليلة، وهو ما حمل السادات على تأجيل إعلان تعيين منصور نائبًا “مدنيًّا” له تفاديًا لغضب الجيش الذي استماله مبارك في صراعه مع منصور حسن، ثم انتهى الأمر باغتيال السادات وسط جيشه، في ظل ملابسات مُلغزة، وأسرار لم يكشف عنها التاريخ بعد، رغم مرور أكثر من 40 عامًا على حادثة المنصة.

شخصيًّا لا أخفي إعجابي بالوزير منصور حسن ومحبتي له، ليس فقط لأنه منحني عام 1979، جائزة “تشجيعية” في مجال الصحافة، في إطار عيد الفن والثقافة الأول، عندما كان هو وزيرًا للثقافة والإعلام، وكان اختيار اسمي -بفضل الله- وترشيح من أستاذي مصطفى أمين.

لكن سر إعجابي الأكبر بمنصور حسن هو شخصه وفكره وسلوكه، وتوجّهه الليبرالي “المحافظ”، واحترامه لنفسه، على مدار تاريخه السياسي الطويل، الذي قضى منه 30 عامًا في شبه عزل إجباري هي سنوات حكم مبارك.

منصور حسن، الذي كان يصغر مبارك بتسع سنوات، كان حلمًا ملهمًا لجيل الشباب، بوصفه أقرب إليهم سنًّا، وبوصفه أول مسؤول كبير يأتي من خارج السلطة العسكرية، أو طابور البيروقراطية.

فالشاب الواعد، منصور حسن، الذي تخرّج في مدرسة فيكتوريا بالإسكندرية، وحصل على ماجستير العلوم السياسية من جامعة ميتشغان الأمريكية، جمع بين وزارتي الإعلام والثقافة عام 1979، وضم إليه السادات وزارة رئاسة الجمهورية عام 1981، ليحمل ثلاث حقائب وزارية معًا، وليقدم نموذجًا موحيًا بمرحلة “مدنية” جديدة في تاريخ مصر، بعد توقيع اتفاقيات السلام.

الرجل القادم

وكادت الأمور تسير في هذا الاتجاه، الذي كان سيغيّر وجه مصر والمنطقة كلها حتى نشرت مجلة نيوزويك صورة منصور حسن على كل غلافها الرئيس، مع عبارة “الرجل القادم في مصر”، مما أثار غضب نائب الرئيس مبارك ومخاوفه، إذ شعر بالخطر الشديد، خاصة بعد صدور قرار السادات بعرض البريد الخاص به على منصور حسن، وكانت هذه هي المهمة الوحيدة تقريبًا التي يقوم بها مبارك في هذا الوقت.

هذا فضلًا عن مخاوف مبارك من تزايد نفوذ السيدة جيهان السادات في السنوات الأخيرة من حكم السادات، وهي التي كانت مساندة بشدة لفكرة تعيين نائب مدني للرئيس، ومتحمّسة بشكل شخصي لمنصور حسن.

30 عامًا قضاها منصور حسن في الظل، وكان مجرد ذكر اسمه في أي مناسبة حتى ولو كانت اجتماعية، يثير غضب مبارك وسخطه، حتى إننا عندما أسسنا حزب “الغد” في أكتوبر 2004، وعقدنا المؤتمر الأول في قاعة المؤتمرات الكبرى، وتم اختيار الهيئة القيادية للحزب وكان من بينها محمد منصور حسن -نجل منصور حسن- الذي انتُخب سكرتيرًا عامًّا مساعدًا للدكتورة منى مكرم عبيد السكرتيرة العامة، أبلغني يومها كمال الشاذلي في اتصال هاتفي بأن اختيار نجل منصور حسن هو استفزاز متعمد، وغير مبرر من جانبنا للرئيس، الذي لا يحب أن يسمع اسم منصور حسن!!

ولم يزدنا هذا الموقف إلا إعجابًا وتمسكًا بمنصور حسن رمزًا ونجله زميلًا بالحزب، وعندما قررنا في حزب الغد خوض أول انتخابات رئاسية، عقب إعلان مبارك من مسقط رأسه فتح الباب لأول انتخابات تعددية في تاريخ مصر، قررت قبل تقديم اسمي للانتخابات، أن أتواصل مع شخصين لاستطلاع موقفهما من فكرة الترشيح للرئاسة باسم الحزب، وكان الاسم الأول هو منصور حسن، وكان الثاني عبد الحليم أبو غزالة، وكلاهما رفض الفكرة لأسباب مختلفة.

وهذا ما سأشير إليه تفصيلًا في المقال القادم من سلسلة الصراع على كرسي الرئاسة في مصر.

(الأحد الحلقة الثانية وأسرار وتفاصيل ما قاله أبو غزالة عندما عرضت عليه الترشح للرئاسة).

المصدر : الجزيرة مباشر