الصراع على رئاسة مصر: «لغز عمر سليمان» (4-6)

هل كان جمال مبارك وراء محاولة اغتياله في يناير 2011، أم المخابرات الحربية؟! أم المشير طنطاوي؟!

عمر سليمان

هل ما زال عمر سليمان حيًا؟!

هل مات مقتولًا في المحاولة رقم 15 لاغتياله؟!

هل قُتل في تفجير المخابرات في سوريا؟!

هل أصابه مرض مجهول كالذي أصاب أبا عمار؟!

لماذا انتقلت جثته إلى الإمارات قبل وصولها إلى القاهرة؟!

هل شارك أحد الجثة؟ وما سر الصور التي نُشرت بعد وفاته؟

أكان جمال مبارك وراء محاولة اغتياله في يناير 2011 أم المخابرات الحربية؟! أم المشير طنطاوي؟!

هذه الأسئلة السبعة، وغيرها من الأسئلة الملغزة، لا أحد يملك إجابة قاطعة عليها، ويبقى الشيء الوحيد المقطوع به أن عمر سليمان مات بفعل الصراع على رئاسة مصر..

صحيح لم ينافس عمر سليمان مبارك “الأب” على الرئاسة، ولم يكن يزاحمه إعلاميًا أو شعبيًا، لكنه كان عقبة كبيرة في مشروع أسرة مبارك لتوريث السلطة لنجله جمال..

كان اللواء عمر سليمان من أكثر الشخصيات قربًا من مبارك، ومن أبعدهم عن آل مبارك (السيدة الرئيسة، والرئيس تحت التشطيب)!

المقاومة

فمبارك الذي كان يضع كامل ثقته في عمر سليمان طوال 20 عامًا تولى فيها سليمان موقع مدير المخابرات الحربية 1991–1993، ورئيس المخابرات العامة 1993 – 2011، كاد يعلن أكثر من مرة اختيار سليمان نائبًا له -خاصة عام 2007- إلا أن هذه الرغبة قوبلت برفض ومقاومة كبيرة من طرفين هما (الأسرة، والجيش).

الأسرة لمخاوفها كون تولي سليمان موقع النائب، يقضي تمامًا على مشروع التوريث، أما الجيش فقد كان قائده العام المشير طنطاوي يحمل مشاعر سلبية وغيرة شخصية تجاه عمر سليمان، وربما كانت كراهية عمر سليمان هي الشيء المشترك الوحيد، بين قيادة الجيش وأسرة مبارك خاصة حرمه ونجله الذي حاول الوقيعة بين الرئيس وسليمان، عندما طلب زيارة مبنى المخابرات العامة للتعرف على أنشطتها عام 2009، إلا أن سليمان لم يستقبله في بداية الزيارة، التي خرج منها جمال بمعلومات محدودة عن الجهاز، وصفها لوالده أنها المعلومات ذاتها التي كان يمكن أن يحصل عليها من “الإنترنت”! بل إن جمال كان يسعى لإقالة عمر سليمان وتعيين أنس الفقي -أحد رجاله- بديلًا عن سليمان!

وتبقى محاولة اغتيال سليمان في بدايات أحداث الثورة -بعد أن قرر مبارك تعيينه نائباً في الأيام الأخيرة- من الأمور الغامضة التي تزيد مساحة الغموض المحيطة بسليمان حيًا وميتًا..

ورغم أني لم ألتقِ عمر سليمان شخصيًا إلا لمرة واحدة -في مكتبه- بناء على طلب من مبارك للتدخل لحل أزمة بيني وبين الدكتور كمال الجنزوري، إلا أن انطباعي في هذا اللقاء لم يقلل كثيرًا شعوري بغموض الرجل، الذي لا تعرف عندما تلتقيه هل هو صامت عن عمق؟ أو هو فارغ يداري فراغه بالصمت؟

دهاء السادات ووطنية عبد الناصر

بعضهم كان يراه في دهاء السادات، وبعضهم يراه في وطنية عبد الناصر، في حين رآه آخرون إصلاحيًا وعاقلًا في زمن الفساد والجنون، لكن الرجل أسقط كل هذه الرهانات، وسقط من أول حديث أجراه بعد خروجه لدائرة النور، وتعيينه نائبًا لمبارك في الوقت الضائع.

صورة عمر سليمان -والرجل الذي خلفه- وصوته، وهو يعلن تخلي مبارك عن الحكم، بات في كل الآذان لا يلتبس مع غيره من الأصوات الرخيمة المشابهة، وكذلك صوت العقيد معمر القذافي، الذي ظل طنينه في آذاننا أربعة عقود وأكثر.

أسفت كثيرًا من شخص عمر سليمان، عندما انتشرت على بعض المواقع الإلكترونية وصفحات الفيسبوك وتويتر تسجيلات «مسرَّبة» لمكالمة بين القذافي وسليمان، في نهايات عام 2004.

القذافي يسأل عمر سليمان: ما حكاية حزب الغد وأيمن نور؟ عمر سليمان يرد عليه بسلسلة من عبارات السب والقذف -بحق الحزب- وبحقي شخصيًا، قائلًا: إنه أمريكي! جمع عددًا من الأقباط حوله، وناس معاه وبتاع، وقد يكّون حزبًا ما تقدرش تقوله لأه.. طبقًا بقى لمساحة الديمقراطية!”.

القذافي يسأل سليمان «مجددًا»: كيف يكون أيمن نور أمريكيا؟ فيرد عمر سليمان قائلًا «بيشتم فى مصر، ويطلع كل النواقص اللي عندنا، وطالع ده عشان بقي ينافس الحزب الوطني بتاعنا، ويبتدي برضه يتكلم عن المزيد من الديمقراطية ويطالب بمساحة من الحرية!».

القذافي يرد على سليمان: «وأمريكا كيف عملت كل العمايل دي؟ كيف وأنتوا وأمريكا أصدقاء؟!».

إلى آخر المكالمة التي تعرض فيها عمر سليمان للإخوان -أيضًا- قائلًا «إن الأمريكان خونة، وبيغذوا الإخوان المسلمين، اللي لو عايزين ينزلوا الشارع بالمليون يقدروا»، ويضيف «نعانى من الضغط الخارجي الكبير، حتى يعدل الرئيس الدستور، لكن ميزة مصر هي وجود الرئيس مبارك؟! مش أي حد يبقى نائب، أو رئيس، مصر مش هتمشي كده». هذه المقتطفات من مكالمة عمر سليمان والقذافي تكشف المزيد عن تلك الطريقة وذلك المنهج الذي كان -ومازال مصر يحكم به- منطق الكذب والتخوين والتضليل.

عندما يكون دليل رئيس جهاز المخابرات العامة على عمالة مواطن مصري لأمريكا، أنه بيطلع كل النواقص اللى عندنا، أو أنه عايز ينافس الحزب الوطني «بتاعنا»، وبيتكلم «برضه» عن المزيد من الديمقراطية، ويطالب بمساحة من الحرية، فهذا دليل إدانة جديد لعصر كامل لم يكن فيه عقلاء، حتى هذا الرجل الذي كان يراهن عليه البعض، كعاقل وإصلاحي.

فعندما يكون الاتهام الذي يوجهه سليمان لحزب الغد، أنه جمع عددا من الأقباط، وناسا آخرين -بغض النظر عن صحة المعلومة أو كذبها- فهذا يكشف ويفضح طائفية النظام السابق ونظرته الخطيرة للمواطنين فيه على خلفية الهوية الدينية!

إذا كان سليمان يعتقد أن دعوتي للديمقراطية هي جريمة وسلوك سيئ، فأنا أعتقد أن الجريمة هي ألا أدعو إلى الديمقراطية، أو أعرف الأخطاء وأصمت وأتستر عليها، وأنا أرى الخطايا تتراكم ولا أكشفها!

نتفق أو نختلف حول شخص عمر سليمان، إلا أن أحدًا لا يختلف أن الرجل كان من أخلص المخلصين لمبارك، ومن أبرز المدافعين عما فعله مبارك بمصر لـ30 عامًا، ويكفي أن نراجع شهادته أمام محكمة مبارك.

ألم يكن عمر سليمان الرجل الثاني في نظام مبارك لسنوات بعيدة؟! ألم يكن طرفًا وشريكًا في كل ما صدر من أفعال بحق مصر؟! ألم يكن حتى رحيل مبارك يوم 11 فبراير/شباط 2011 هو نائبه الوحيد والناطق باسمه، والمفوض منه في إدارة شؤون البلاد في تلك اللحظات التي ارتكبت فيها كل الجرائم وسفكت فيها دماء الشعب؟!

السيئ والأسوأ

كاذبٌ من يقول إن عمر سليمان لم يكن عضوًا في الحزب الحاكم، فقد كان الرجل نافذًا في جميع مؤسسات حكم مبارك، بل الذي يراجع مكالمة سليمان والقذافي، يسمع سليمان وهو يقول للقذافي «إن أيمن نور أنشأ حزبًا يستهدف منافسة حزبنا»، أي الحزب الوطني!

ورغم هذا وللإنصاف، وبمنطق مقارنة السيئ بالأسوأ، لا شك أن صعود عمر سليمان لمقعد الرئاسة، ربما كان أفضل بكثير من الوضع الحالي، الذي يخلو من أي فهم سياسي، أو رؤية وطنية واضحة للأوضاع الداخلية والخارجية.

سيظل عمر سليمان رمزًا من رموز النظام القديم، وعندما قرر النظام الجديد ولأول مرة أن يكرم ذكراه، فقرر رأس النظام أن يطلق اسم كل من سمير غانم وعمر سليمان على أحد شوارع العاصمة الإدارية الجديدة!

المصدر : الجزيرة مباشر