أوكرانيا التي وثقت في الغرب بقيت وحدها

رئيس اركان القوات البحرية التركية السابق يكتب لـ “الجزيرة مباشر”:

الرئيس الأوكراني

في 24 فبراير 2022، استيقظ العالم على قصف روسيا لأوكرانيا، وفي 28 فبراير 2014، شهد العالم ضم روسيا لشبه جزيرة القرم إليها. ومن المحتمل أن تكتمل خطة العمليات العسكرية الروسية، التي ستنتهي باحتلال العديد من الأماكن في أوكرانيا وإنهاء سلطة الإدارة الشرعية، في 28 فبراير؛ لأن ذاكرة الدولة الروسية تحب العمل بالتواريخ المحددة والرموز. وقد ذكر الكثيرون أن العضوية المحتملة لأوكرانيا في الناتو واستقرار جنود الحلف في أوكرانيا كانا سببًا لتدخل روسيا في أوكرانيا. وأي شخص يعرف كيف يعمل الناتو يعرف أن هذا الأمر غير محتمل. الشرط الأساسي لعضوية الناتو هو عدم وجود احتلال أو صراع على أراضي تلك الدولة؛ لذلك فإن عضوية الناتو غير واردة بالنسبة لأوكرانيا، التي تم احتلال أراضيها في شبه جزيرة القرم منذ عام 2014. تم الاعتراف بوحدة أراضي أوكرانيا بموجب مذكرة بودابست المؤرخة بـ5 ديسمبر/ كانون الأول عام 1994، ومع ذلك فلم ترغب روسيا قط في رؤية أوكرانيا دولة مستقلة.

جذور المشكلة

الاعتقاد السائد بأن الدولة الروسية الأولى تأسست في كييف عاصمة أوكرانيا، وأن الروس اعتنقوا المسيحية عام 988 بمعمودية إمبراطور دولة كييف الروسية فلاديمير، جعل الأراضي الأوكرانية ذات أهمية تاريخية لروسيا، ودفعها إلى المطالبة بحقوقها في هذه الأراضي كما لو كانت تحافظ على هويتها. (وعلى الرغم من أن الروس ما زالوا يسمونها كييف، فإن أوكرانيا أعادت تسمية المدينة مرة أخرى). وبحسب تعبير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مقال بعنوان “الاتحاد التاريخي للروس والأوكرانيين” نُشر عام 2021، فإن الروس؛ الروس العظماء (فيليكوروسكي)، الروس الصغار (مالوروسكي)، والروس البيض (بيلوروسكي) يشكلون معًا الأمة السلافية العظيمة.

ومع ذلك، فغالبًا ما يعرب الشعب الأوكراني عن عدم قبوله بهذه الرابطة العرقية. ابتداءً من هنا أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مرارًا وتكرارًا قبل التدخل أن أوكرانيا لم تكن دولة مستقلة، وأن هذه الأراضي لها جذور روسية، وبالإضافة إلى ذلك تحدثا عن الإدارة الحالية باعتبارها نظامًا مخالفًا لشرعية الإدارة الأوكرانية. وأوضحا أن هذه الأراضي كانت جزءًا من روسيا، وأن الروس يرونها جزءًا من الجسد الواحد وسيتصرفون وفقًا لذلك.

ومع ذلك، وعلى الرغم من أن العديد من الدول في العالم تريد إلحاق العديد من الأراضي بحدودها، فإنها يجب أن تتصرف وفقًا للقانون الدولي الذي يحمي وحدة أراضي واستقلال البلدان وفقًا لمعاهدة ويستفاليا لعام 1648.

الأمان الروسي

السؤال الرئيسي الذي يجب طرحه في إطار الحرب الروسية الأوكرانية هو كما يلي: كيف تأكدت روسيا من أنها لن تتعرض لممارسات عسكرية رادعة في سياق التدخل في وحدة أراضي أوكرانيا في انتهاك للقانون الدولي؟ وهذا أمر يمكن التنبؤ به للغاية؛ فإذا تدخلت روسيا، التي لها علاقات وثيقة مع التحالف الغربي في الدولة الأوكرانية، وكان هناك رد عسكري من قبل الغرب، فإنه من الممكن أن يؤدي هذا الصراع إلى حرب عالمية. ومع ذلك، فإن نهج الصين التوسعي أصبح يهدد العالم كله اقتصاديًّا ولوجستيًّا وعسكريًّا، ولا يهدد الغرب فقط بل روسيا أيضًا، لكن يبدو أن هاتين الكتلتين قد توصلتا إلى اتفاق صامت وخفي على العودة إلى العالم الثنائي القطب القديم ومنع القطب الثالث من اكتساب السلطة.

مشروع طريق الحزام الصيني هو خطة كبيرة وتوسعية للغاية؛ إذ يسعى المشروع للاستيلاء على الأسواق التجارية وطرق التجارة وشبكات الإنتاج والقوة المالية والأرباح في الدول الضعيفة من خلال الاستثمار، وينتشر في مناطق كثيرة من العالم. إذا أكملت الصين هذا المشروع فإن النظام العالمي الثنائي القطب الذي كان مستمرًّا منذ سنوات سيتغير، وسيتزعزع التكتل الغربي والروسي. لن تكون هذه الصدمة اقتصادية فحسب، بل سيبقى العالم تحت الهيمنة الصينية في جميع المجالات من التمويل إلى الغذاء والسلع الاستهلاكية وغيرها,.

ومن المرجح أن تنخفض نتيجة لذلك فعالية وقوة الغرب وروسيا في مناطقهم. وهذا هو السبب في أن الغرب يبدي أنه لا يتفاعل مع سياسات روسيا التوسعية لتعود إلى حدود الاتحاد السوفيتي السابق من خلال التدخل في أوكرانيا، ولكنه لا يتخذ إجراءات رادعة.

ولهذا السبب بالتحديد أرسلت روسيا منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) إلى كازاخستان عندما بدأت الاحتجاجات فيها، مما مكنها من قمع تلك الاحتجاجات وسحب البلاد إلى مجرى روسيا.

لمواجهة الناتو

ليس من قبيل الصدفة أن روسيا جلبت منظمة معاهدة الأمن الجماعي إلى جدول الأعمال في كازاخستان، البلد الذي تم فيه الإعلان عن مشروع مدّ طريق الحزام إلى العالم. ومن المرجح أن تحل منظمة معاهدة الأمن الجماعي محل حلف وارسو الذي تأسس عام 1955 لمواجهة حلف الناتو، وستكون هناك اتفاقية “أمنية” و”تعاونية” بين الدول التي تتكون من دول سوفيتية سابقة بقيادة روسيا. ومن هنا فيمكن أن نقول إن كل هذه التطورات أعراض لاتفاق ضمني بين روسيا والغرب.

لقد تم تجاهل شأن أوكرانيا تماما بعد أن وافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على القرار الذي يعترف باستقلال دونيتسك ولوغانسك في ليلة 21 فبراير/ شباط 2022، ثم غزا الجيش الروسي دونيتسك ولوغانسك تحت اسم “عمليات قوة السلام”، فكل ما فعله الغرب تجاه ذلك كان الحديث عن عقوبات اقتصادية على روسيا. في هذه الحالة سحبت الدول الغربية جنودها ومواطنيها من أوكرانيا، وأرسلت ألمانيا 5000 خوذة إلى أوكرانيا وكأنها تلقي نكتة ضمنية وتقول “احموا أنفسكم”.

من المحتمل أنه في 28 فبراير، الذكرى السنوية لضم شبه جزيرة القرم، ستضم روسيا (جزئيًّا أو كليًّا) أوكرانيا إليها، وستكون على بعد خطوة واحدة من تشكيل حدود الاتحاد السوفيتي السابق. أما ردّ الغرب فلن يتجاوز الإدانة وخاصة أن أوروبا تعتمد على الغاز الروسي، وبذلك يصبح استقلال أوكرانيا عبارة عن مرحلة تاريخية.

المصدر : الجزيرة مباشر