التعامل مع “سحب” الأبناء في السويد

مؤسسة “السوسيال” في السويد وفي غيرها هي -كما جاء في تعريفها- مؤسسة الخدمات الاجتماعية أو الإدارة الاجتماعية في السويد، وهذا هو اسم إدارة البلدية التي تقدم تقاريرها إلى اللجنة الاجتماعية لكل بلدية أو أي لجنة أخرى مسؤولة عن العمل الاجتماعي والسياسي الذي يُنظمه قانون الخدمات الاجتماعية، وقد يختلف الاسم الدقيق لمجلس الإدارة من بلدية إلى أخرى.

وأثار ما قامت به هذه المؤسسة في السويد حفيظة المسلمين في كل مكان، فضلا عن الآلام التي سببها هذا التصرف للأسر في السويد مسلمين وغير مسلمين، ولكن المسلمين كانوا أكثر تألّمًا باعتبار أنهم أكثر المهاجرين، وأنهم أعمق إحساسًا بتغييب الأولاد من الأسر الغربية التي لا تتمتع بما تتمتع به الأسر المسلمة من تماسك وترابط.

والممارسات التي تمارسها الأسر مع أولادها التي يترتب عليها هذا “السحب” يجب أن تُراجع؛ لأن كثيرا منها لا يقره الإسلام نفسه، ولا تبيحه الأعراف السوية، فما سمعته من تصرفات مع الأبناء مما لا يسع المجال لذكره بعضه مخالف لشريعة الإسلام في التعامل مع الأبناء. صحيح أن هذا لا ينبغي أن يترتب عليه حرمان الولد من أسرته ولا الأسرة من ولدها بهذه الطريقة البشعة التي لا يقبلها حرٌّ فضلا عن مسلم كريم مكرم، لكن ينبغي في الوقت نفسه أن يكون التعامل مع القضية تعاملا راشدا يحقق التزام الشرع، ويراعي مصلحة الوجود الإسلامي بسلوك كل الطرق المشروعة لرفع هذا القانون.

وحديثي هنا لا يتعلق بقبول هذا التصرف ولا رفضه، كما لا أتحدث عن انتقادات أو لأشخاص تعاملوا مع القضية بطغيان أو إخسار، وإنما حديثي عن المنهجية التي يجب أن تُتَّبع في تناول هذه القضايا، وعن الأخلاق التي ينبغي أن تُلتزم.

من الذي يتحدث؟!

هذه قضية وقعت في بلد غربي هو السويد لا في بلد شرقي، وبحمد الله تعالى أصبح للمسلمين في الغرب مؤسسات شرعية ودعوية تتحدث باسمهم وتعرف واقعهم وتلبي حاجاتهم من الأحكام الشرعية والآداب المرعية، ومن ثم فحين يقع أمر أو تنزل نازلة في بلاد الغرب، فالمعنِي بالحديث عنها بالدرجة الأولى هو تلك المؤسسات، لكن الذي تحدث عنها في هذه الواقعة رجلان:

الأول: رجل -والرجل هنا هم الدعاة والعلماء مؤسساتٍ وأفرادًا- مقيم هناك ويباشر الواقع وعنده وعي بواقع المسلمين وقوانين البلاد، وعنده دراية وخبرة يوازن بهما بين كيفية التزام المسلمين بدينهم عقيدة وأخلاقا وشريعة، وبين واجباتهم نحو البلدان التي يقيمون فيها بما يتسق مع دينهم ويحفظ وجودهم.

الثاني: “رجل” لا يقيم في بلاد الغرب، وهذا لا يدري عن الواقع شيئا، ولا دراية له بحقيقة ما يجري وخلفياته ومآلاته و”المكر” الذي يحيكه الغرب و”لوبياته” بغرض القضاء على الوجود المسلم على الأرض الغربية وتشويه الإسلام نفسه.. وهذا “الرجل” لا يجوز له أن يتكلم في قضية لا يعلم أبعادها، فلا يعلم كم نسبة أسر المسلمين الذين حدث معهم ذلك، ولا نسبة عدد المسلمين من مجموع من سُحب؛ ولهذا قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في كتاب “الرسالة”: “وقد تكلم فى العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به وأقرب من السلامة له إن شاء الله”.

وإن تحدث هذا “الرجل” -والحديث ليس ممنوعا عليه مطلقا- فإنما يتحدث بعد الرجوع لأهل العلم الشرعي والخبرة الواقعية، والخبرة هنا لا أعني بها الإحاطة بالواقعة فقط، وإنما علم وخبرة بالواقع وتكتلاته وتشكيلاته وأبعاد ما يجري، والسياق العام والخاص الذي جاءت فيه الواقعة، والوقوف على مآلات أي تصرف، وتحديد المآل لا يقدر على الوقوف عليه أو إدراكه إلا من كان على علم وخبرة بهذا كله.

نقول هذا لأنه ربما يرجع هذا “الرجل” الذي لا يقيم على أرض الغرب إلى آحاد الدعاة من المقيمين هناك فينقل له صورة مجتزأة عن الواقعة، أو ينقل له الواقعة دون وضعها في السياق الحقيقي والخلفيات التي صدر عنها هذا التصرف أو ذاك، ولا المآل الذي ستؤول إليه هذه التصرفات بناء على هذا الوعي الشامل، فينطلق صاحبنا بخطاب عاطفي يحشد به الرأي العام؛ فيفسد من حيث أراد الإصلاح، ويهدم من حيث أراد البناء.

بأي منهجية أخلاقية نتعامل؟!

ما إن وقعت الواقعة التي قامت بها مؤسسة “السوسيال” في السويد بسحب بعض أبناء المسلمين حتى قام بعض من تحدثوا عنها ممن لا يدرون شيئا عن واقع الأمر وحقيقته، وهيجوا الرأي العام بكلام عاطفي، وصوروا الأمر على أنه “سبي”، و”اختطاف” وهي مفردات حربية معروفة، مما دفع أصحاب المصالح السياسية في الغرب لتهييج الرأي العام في بلد الواقعة وحشد الناس من أجل الإيعاز لجهات متنفذة بأن هؤلاء هم المسلمون، و”الرجل” الذي لا يقيم في الغرب لا يدري عن هذا شيئا!

ثم وقعت هناك مزايدات ممن لا يقيم على الأرض ضد من يقيمون عليها من الدعاة والعلماء ممن هم معنيون بالقضية ويعرفون أبعادها، فاتُّهموا بأنهم خونة ومفرّطون في دينهم وفي أبناء المسلمين، بل اتُّهم بعضهم بالردة والكفر، ورمى بعضهم العلماء والدعاة المقيمين في الغرب بأنهم يخشون على وجودهم، ويحرصون على وجودهم فيها وإقامتهم عليها، ولهذا فهم يفرطون في دينهم ويبيعون المسلمين ولا يحرصون إلا على أنفسهم ومصالحهم، وهذا كلام سخيف لا يصدر عن عقول سليمة ونفوس مستقيمة!

علينا ألا نزايد على دعاة المسلمين وعلمائهم في بلاد الغرب، بل الواجب أن نثق في مجمل وجودهم ومؤسساتهم، ونرجع إليهم الأمر سواء في الحديث أصالة، أو في الصدور عن مشورتهم الشاملة الواعية في الحديث نيابة ومؤازرة، فحديث من لا يعلم هذا الأمر يضر ولا ينفع، ويفسد ولا يصلح، ويفرق ولا يجمع، ويدمر مقاصد الوجود الإسلامي على هذه الأراضي ولا يقيمها، وتُؤتَى الدعوة من قبله وتصاب بهزائم شديدة.

وليس معنى هذا ألا يتحدث أهل الشرق من المسلمين عن أهل الغرب، ولا أهل الغرب عن أهل الشرق، فالمسلمون يد واحدة، وتتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، لكن الحديث هنا عن احترام العلم وتقدير السعي، وإحسان الظن، وإسناد كل أمر لأهله، وهذا هو المنهج الراشد الذي يأمرنا به الإسلام.

المصدر : الجزيرة مباشر