لماذا يُلاحق قضاء بيرو أسرة الرئيس المعزول كاستيو؟

مظاهرات لأنصار الرئيس المخلوع أمام البرلمان

على إثر الزلزال السياسي الذي عاشته بيرو يوم 07 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وما خلّفه من تغييرات جذرية على مستوى قيادات السلطة التنفيذية والتشريعية، ما زالت الاحتجاجات في شوارع تنادي بإطلاق سراح الرئيس المعزول بيدرو كاستيو. وتعكس هذه المساندة الشعبية التي تلقّاها كاستيو على إثر عزله ثم سجنه، رفضًا للتُهم التي وُجّهت له، بما في ذلك تهمة الفساد، لكن الأغلبية لا تستبعد تورّط عناصر من أسرته فيها.

ما من شكّ أن وصول بيدرو كاستيو الى الرئاسة في يوليو 2021 مثّل صدمة كبرى لليمين في، فالسلطة في انحصرت طوال العقود الأخيرة بين مرشحي الطبقة الأرستقراطية في البلاد ومرشحي العسكر، لكن دخول كاستيو بشكله الريفي على خط هذه القطبية جعل أباطرة اللوبي المالي والسياسي والعسكري يقفون وقفة رجل واحد لتعطيل أدائه السياسي، وجعله عبرة لكل دخيل على صفوة المناصب العليا، وقد كان لهم ذلك. وبعيدًا عن مظلومية كاستيو من عدمها، في المصير الذي آل إليه، لم يكن الرجل مسؤولًا وحده عن صورته لدى فيين، أنصارًا كانوا أو خصومًا، حيث تجندت الآلتان القضائية والإعلامية لتسليط الضوء على عدد من أفراد أسرته، استغلوا توليه منصب الرئاسة وعاشوا من خيرات المنصب بطرق غير قانونية.

وجدوا ضالتهم

وكانت تلك الحملات الإعلامية تغطي بشكل كامل على كل محاولات إعلام الحكومات الصديقة في المنطقة، على غرار فنزويلا وبوليفيا والمكسيك، في إظهار الجانب الإيجابي من شخصية كاستيو، وأبرزها صورة المُدرّس الريفي المجتهد المنحدر من أفقر محافظة في ، وسعيه لخدمة الكادحين وتمكينهم من حقوق اجتماعية كان هو أول المحرومين منها، وكثيرًا ما كانت هذه القنوات متفائلة لمستقبل كاستيو، من خلال التذكير بمسيرة بعض زعماء المنطقة مثل إيفو موراليس ولولا دا سيلفا.

غير أن خصوم كاستيو وجدوا ضالتهم في التخلص منه بسرعة فائقة، من خلال كشف تورط أقرب الناس إليه في قضايا “استخدام النفوذ” وتلقي الرشاوي مقابل إسناد صفقات مشاريع عامة و”غسيل أموال”، كل هذا كان يتمّ من داخل القصر الرئاسي، والرئيس المعزول كاستيو “لا يعلم”، حسب تقارير تلفزيونية بدأ نشرها في أبريل 2021، وكشفت تلك التقارير أن “السيدة الأولى” ليليا باريديس، في تلك الفترة كانت على علم بشبكة ابتزاز تُديرها شقيقتها الصغرى “ينيفار” ذات 26 عامًا التي تقيم معهم في القصر بشكل دائم، وشقيقان آخران كانوا ثلاثتهم، يتدخلون في الصفقات العمومية للدولة، بشكل يضمن استفادة شركات عقارية معينة من الفوز بالصفقات، وكانوا يتلقون مقابل ذلك نسبًا مالية عالية، وقد أظهر تقرير من موقع “الكومرسيو” صورًا لـ”ينيفار” تصول وتجول بين مشاريع وزارة الإسكان، رغم عدم تمتعها بأي منصب إداري في الدولة.

على صعيد آخر، وفي أغسطس 2021، رصدت وزارة الداخلية مكافآت مالية عالية لمن يدلّ السلطات على مكان قريبين للرئيس كاستيو، كانا يقومان بهذه الأعمال في المحافظات الداخلية للبيرو، وتمكنا من الهروب من العدالة قبل التحقيق معهما، ويتعلق الأمر بـ”فراي فاسكيز كاستيو”، ذي 32 عامًا، ابن شقيقة الرئيس المعزول كاستيو، والثاني “جيان ماركو كاستيو” ذي 23 عامًا، ابن شقيقه.

50 سنة سجنًا

بالرغم من التغطية الإعلامية المكثفة لـ”تورّط” بعض أقارب أسرة الرئيس المعزول كاستيو في قضايا الفساد المذكورة، لم ينجح موقف كاستيو ولا زوجته من إقناع أغلب أنصارهم بـ”افتراء” الخصوم عليهم، لا سيما وأن محامي الأشقاء الثلاثة لزوجة كاستيو لم يتمكنوا حتى الآن من التلويح بحجج براءة موكليهم، إضافة إلى ما تقدم اشترط القضاء في على الحكومة المكسيكية التي منحت اللجوء السياسي لزوجة الرئيس المعزول وابنيها منذ أسبوع، واجب عودتها إلى والامتثال إلى الأحكام القانونية التي ستصدر في حقها في حال ثبوت تورطها، وذكّر القضاء في أيضًا أن ترك ليليا باريديس تغادر نحو المكسيك، كان باعتبارها أمًّا لقاصرين تم منحهما اللجوء السياسي، لكن احتمال عودتها يبقى رهين تطورات القضية المفتوحة في حقها.

يتوقّع بعض المحللين السياسيين وخبراء القانون في ، أن إجمالي سنوات السجن التي تنتظر كاستيو، بناء على التهم الموجهة إليه قد تصل إلى 50 سنة، وهي أحكام ربما تبدو قاسية للبعض، لكن قسوتها لا تكمن في عدد السنوات بل بالعقوبة المعنوية لكاستيو، الذي مثّل مسيرة مهنة نبيلة جدًا، رجال التعليم الكادحين في القُرى الأشد فقرًا، والنقابي الفقير الذي حلم بتغيير الواقع فوجد نفسه متورطًا، في أقل من 17 شهرًا في المنصب، بتهم كثيرة من أبشعها، تهمة الفساد التي اقترفها أو غضّ الطرف عنها، في عقر بيته.

سواء كان الرجل متورطًا أو غبيًا، القانون لا يحمي الأغبياء!!!

المصدر : الجزيرة مباشر