أرجُل الدجاج.. و”يوتوبيا” أحمد خالد توفيق!

أرجل الدجاج

 

بعد أن وعدوا المصريين بالمَنّ والسَّلوى تراجعت الوعود، وبات الشعب يئِنّ من وطأة الغلاء، وتمخّض الجبل فولد فأرًا جديدًا، ونوعًا جديدًا حلّ على الطبقة المتوسطة في طعامهم، وهي وجبة أرجُل الفراخ أو الدجاج، وذلك بعد أن نشرت صفحة باسم المعهد القومي للتغذية، على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، قائمة بالبدائل الغذائية الغنية بالبروتين، وقالت “إنها تحقق وفرة في الميزانية”.

ومن ضمن البدائل المقترحة “رُجول الفراخ” كوجبة غنية بالبروتين، ولها فوائد عديدة، كما نشرت المواقع المصرية المختلفة هذا تزامنًا مع ما نشرته صفحة المعهد القومي، مما جعل مواقع التواصل الاجتماعي تضجّ بالسخرية من المنشورات العديدة الساخرة التي نشرها المعهد، وما نشرته أيضًا مواقع صحفية أخرى.

“يوتوبيا”..

والغريب أن روّاد مواقع التواصل الاجتماعي حاولوا الربط بين رواية “يوتوبيا” للروائي الراحل الدكتور أحمد خالد توفيق، الذي تنبّأ في روايته الصادرة عام 2008 في أحد فصولها بأن سعر الدولار وصل إلى 30 جنيهًا، بينما أصبحت أجزاء الدجاج التي كانت تُلقَى في القُمامة مثل الأرجل والأجنحة من الأطعمة الرائجة بين المواطنين!

كما تنبأ أحمد خالد توفيق في روايته (التي كتبها في عهد المخلوع مبارك) بالتطورات الاقتصادية والاجتماعية، والتي تحلّ بمصر عام 2023، وتنبأ أيضًا ببناء النظام الحاكم والأغنياء عاصمة جديدة يعيشون فيها منعزلين في مأمن، تاركين الفقراء في عاصمتهم القديمة يأكلون أرجل الفراخ فرارًا من رائحتهم، وخوفًا على أنفسهم من “ثورة الجياع”.

وتحكي الرواية كيف ستكون مصر عام 2023 بعد أن عزَلَ الأغنياء أنفسهم في “يوتوبيا” الساحل الشمالي تحت حراسة المارينز الأمريكيين؛ يتعاطون المخدرات، ويمارسون المُتع المحرّمة إلى أقصاها، بينما ينسحق الفقراء خارجها، فينهش بعضهم لحم بعض، من أجل العيش، دون كهرباء، أو صرف صحي، أو رعاية طبية من أي نوع.

وعندما صدرت الرواية كان بعضهم يعدّها متشائمة وصادمة في الوقت نفسه، ولم يكن أغلب المتشائمين يرى أن ما فيها سوف يتحقق، إلا أنه في السنوات الأخيرة تحقق ما تنبّأ به العرّاب أحمد خالد توفيق بشكل غير متوقع وصادم بعد ارتفاع الأسعار بصورة جنونية، وانخفاض سعر الجنيه مقابل الدولار حتى وصل إلى أكثر من 30 جنيهًا في السوق السوداء، وأخيرًا التحدث في الإعلام عن أكل أرجل الدجاج كوجبة بديلة للفراخ واللحوم بعد ارتفاع سعريهما.

اتفاق مسبق

وكأنّ هناك اتفاقًا مسبقًا، فبعد نشر صفحة المعهد القومي للتغذية فوائد أرجل الفراخ، وجدنا بالتزامن مواقع ووسائل إعلام مصرية تنشر موضوعات وتقارير تتحدث عن فوائد تلك الأرجل، مثل موقع “كايرو 24″، و”صدى البلد”، و”مصراوي”، وغيرها من وسائل الإعلام المصرية الأخرى.

بل إن الإعلامي أحمد موسى في برنامجه “على مسؤوليتي”، وفي عملية تسويقية، استضاف في مداخلة رئيس قطاع التجارة الداخلية بوزارة التموين، عبد المنعم خليل، فدخل على الخط، وقال: “إن مصر تصدر أرجل الدجاج إلى الصين، وإنها تُعدّ هناك من أفخم الأكلات، وسعرها مرتفع جدًا”.

لنكتشف في المداخلة والبرنامج أثناء عملية تسويق أرجل الفراخ طعامًا بديلًا للمصريين، خاصة أصحاب الطبقة المتوسطة، أن أرجل الفراخ المصرية ليس هناك أي مشكلة في تناولها، وفيها مادة جيلاتينية قوية جدًا لعلاج آلام الظَّهر، وأننا نصدّرها بكميات كبيرة منها إلى الصين”، بل توجد 8 شركات مصرية تغلّف أرجل الفراخ في أطباق، وتصدّرها إلى الصين.

والسؤال هنا: هل اكتشف المسؤولون فجأة فائدة أرجل الفراخ؟

الحقيقة أن الطبقة الوسطى كانت تتعامل مع أرجل الفراخ في بعض الأسر طعامًا للكلاب لمَن يقتني كلبًا لتربيته، ولم يعرفوا من قَبلُ في سنوات القحط هذه “شوربة” أرجل الفراخ، أو أطباق أرجل الفراخ، فربما كانت الأُسر الفقيرة جدًا تلجأ -من باب الحاجة- لبائع الفراخ الطازجة، وتطلب منه ما يسمى هياكل الفراخ وأرجلها بنفس مكسورة، وأصوات خافتة -كما رأيتهم بعيني أكثر من مرة-، لذلك أكل أرجُل الفراخ ليس جديدًا على هذه الطبقة الفقيرة، أما الجديد فهو وصول الطبقة المتوسطة المتشبّثة من الوقوع في بئر الفقر لهذه الحالة بعد الارتفاع الرهيب في الأسعار.

تسويق الفقر

ليبدأ الإلحاح على المصريين من جَوقة الإعلاميين بعدم شراء أي سلعة تزيد أسعارها، وأن اللحمة تسبب أمراضًا عديدة، وأن “شوربة” الفول النابت -وهو فول بلدي يُنقع في الماء، ثم يتم غليه حتى ينضج- غنية بالبروتين أكثر من اللحمة، وأنها مفيدة صحيًا.

في الوقت الذي يعيش هؤلاء الإعلاميون وأمثالهم في غِنًى فاحش، وقصور مترفة، يسوّقون للناس الفقر والتقشّف، ويلقون باللوم على الناس بأنهم مبذرون، ولا يستطيعون كبح جماح رغباتهم.

والحقيقة أن الناس تعاني أشد المعاناة، وليس لهم ذنب، ويحاولون النجاة قدْر استطاعتهم من غُول الأسعار، فتنازلوا عن الكثير من رغباتهم، فتكمن مشكلتهم في كيفية قضاء يومهم دون احتياج، حيث تتغير الأسعار في المساء عن الصباح، ولا يجدون مَن يطمئنهم.

وعلى النقيض، فالأبواق الإعلامية بعد أن كانت تعِدهم المَنّ والسلوى، حاليًا تعدهم الفقر والعوز والاحتياج، ويصورون لهم دائمًا أن القادم أسوأ، وكأن الناس مسؤولة عما حدث في الاقتصاد والدولار، بعد أن تم إبعادهم بقصد عن المشاركة في أي خطوة.

لذا، كفاكم تسويق الفقر للناس، فأنتم في وادٍ، والناس في واد آخَرَ.

المصدر : الجزيرة مباشر