الرابح الأكبر في كأس العالم

لقد حصل أمير قطر على شعبية عالمية لم تتحقق لغيره، وحاز الاحترام من المسلمين وغير المسلمين، وما كان هذا التوفيق والمحبة في القلوب والعزة إلا نتيجة لما أظهره من الاعتزاز بالدين

الجائزة الكبرى في ختام بطولة كأس العالم لكرة القدم حصلت عليها قطر، ورغم تتويج فريق الأرجنتين الفائز بالبطولة وتوزيع الجوائز على اللاعبين فإن شعوب العالم التي شاهدت المباريات عبّرت عن إعجابها بالبلد العربي المسلم الذي قدّم نموذجا فريدا له خصوصية مبهرة ولون مميز لم يعهدوه في البطولات السابقة.

كل شيء في البطولة تم تنفيذة بدقة، وكل تفصيلة مدروسة بعناية، والعقل الذي أدار الملف منذ بدايته إلى نهايته يستحق التحية، فالبطولة لم تكن مجرد حدث رياضي خاص بمشجعي كرة القدم، أو مجرد منافسة لهواة الكرة المستديرة تجري كل أربع سنوات، وإنما معركة سياسية وثقافية استدعت صراعات حول الهويات والحضارات لها مئات الأعوام.

لم يكن هذا المشجع الإنجليزي الذي ارتدى زي فرسان الهيكل ليذكّرنا بالحروب الصليبية قد جاء لتشجيع كرة القدم، ولم تكن وزيرة خارجية ألمانيا التي تحايلت لتعليق علم قوس قزح على ذراعها من عشاق الرياضة، ولم تكن الحملات في الاتحاد الأوربي ضد قطر -وحتى الآن- لشيء آخر غير الحقد على بلد مسلم يتمسك بهويته أصبح مركز اهتمام العالم لمدة شهر.

الحملة الغربية على قطر ومحاولة كسرها لفرض علم الشواذ على البطولة لفت الأنظار إلى المعركة الحضارية الدائرة في خلفية المشهد الكروي، وكان هذا الصراع الذي قادته الدوائر الرسمية الأوربية لفرض نموذجها غير الأخلاقي له تأثير معاكس، إذ أحدث استنفارا وسط الشعوب المسلمة والجماهير القادمة من قارات العالم للدفاع عن حضاراتها وقيمها.

لقد تعاملت القيادة القطرية بذكاء وثبات أمام الضغوط الغربية فتمسكت بثقافتها، ورغم أن الفيفا هو الذي يدير البطولة فإن قطر حكومة وشعبا فرضت هويتها واحترام عقيدتها، واستطاعت تقديم الإشارات التي تؤكد هويتها بصفتها دولة عربية مسلمة، وأتاحت للشعوب التعبير عن رأيها، فكان علم فلسطين مرفوعا في كل المباريات من شعوب العالم.

ماكرون وحصاد الكراهية

من الحماقة التي أظهرها الأوربيون أنهم تكتلوا للدفاع عن علم قوس قزح، ولم يدافعوا عن قيم وأخلاق، وهذا يفضح الحضارة الغربية وفسادها وانهيارها، ولم يكن لديهم أي شيء آخر يقدموه لشعوب العالم، ولذلك عندما فشلوا في استخدام البطولة للدعاية للانحراف الأخلاقي أصيبوا بالصدمة والتلاشي قبل خروج فرقهم من البطولة.

حتى عندما حضر ماكرون مباراة فرنسا والمغرب لم يكن مُرحَّبا به في المدرجات، حيث قوبل بهتاف الجماهير في الملعب: “لا إله إلا الله.. محمد رسول الله”، احتجاجا على تأييده للرسوم المسيئة لسيدنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ورفضا لحملة الحكومة الفرنسية للتضييق على الفرنسيين المسلمين، وبدا ماكرون في الاستاد وحيدا، لم يشاركه أحد ممن حوله فرحته عندما فاز المنتخب الفرنسي على المغرب، وحتى عندما تعادل الفرنسيون مع الأرجنتين.

من المشاهد المصورة الكاشفة لعدم الاهتمام بوجود ماكرون أن لاعبي الفريق الفرنسي -ومعظمهم من أصول أفريقية- لم يعيروه اهتماما، سواء في غرفة تغيير الملابس عقب مباراة المغرب، أو في الملعب أثناء توزيع الميداليات وتسليم الكأس للأرجنتين، ورغم أنه حضر كأس العالم ليمثل أوربا فإن المشهد الجماهيري الذي يمثل شعوب العالم لم يعطه ما كان يتمنى.

مشهد الختام

كانت البصمة الأخيرة التي وضعها الأمير تميم على المشهد الأخير في البطولة قمة التألق القطري، عندما ألبس العباءة العربية لميسي في لحظة تتويجه وفريق الأرجنتين، لتكون هي الصورة التي حُفرت في الذاكرة عن كأس العالم 2022، وهذه الصورة تمثل ضربة لحملات التشويه للزي العربي الذي يذكّرهم بالجلباب والعمامة بأنواعها، وهي هيئة النبي محمد ﷺ.

لقد حصل أمير قطر على شعبية عالمية لم تتحقق لغيره، وحاز الاحترام من المسلمين وغير المسلمين، وما كان هذا التوفيق والمحبة في القلوب والعزة إلا نتيجة لما أظهره من الاعتزاز بالدين، وما قام به الشيخ تميم درس لكل زعماء العرب الذين يتسابقون للانسلاخ من دينهم لإرضاء غير المسلمين، فضاعت البوصلة وذهبت البركة وفقدوا الاحترام في الداخل والخارج.

ستبقى بطولة كأس العالم في قطر حاضرة في المشهد العالمي فترة من الزمن، وستحظى بكثير من التحليل، ليس بوصفها حدثا رياضيا، وإنما حدث سياسي وحضاري يعبّر عن نقلة موحية في العالم العربي، تأتي في إطار حالة الوعي والعودة إلى الذات واكتشاف مواطن القوة، فالأمة فازت بفوز قطر، وهي خطوة رمزية مهمة في طريق استعادة الكرامة والانعتاق من الهيمنة.

المصدر : الجزيرة مباشر