هل يصبح المونديال عربيا خالصا؟

أفراح بفوز منتخب المغرب

 

بفوز منتخب المغرب على البرتغال، حقق المغاربة إنجازا تاريخيا غير مسبوق في تاريخ العرب والساحرة المستديرة، بالتأهل إلى نصف نهائي كأس العالم، وأهدوا جماهير العرب إنجازا لطالما طال انتظاره، وفرحة كم كان العرب في حاجة إليها.

بفوز المغرب على البرتغال، والتأهل إلى نصف نهائي كأس العالم، سجل التاريخ أن مونديال قطر 2022 كان محطة فارقة في تاريخ الإنجازات العربية، بما شهده من أحداث وإنجازات وأرقام قياسية، ليصبح علامة فارقة ليس فقط في تاريخ كرة القدم والرياضة عموما، بل في تاريخ المنطقة العربية؛ سياسيا وثقافيا ورياضيا.

صعود عربي

ثلاثة إنجازات متتالية حققها منتخب المغرب، مثلت سبقا وسابقة، بقيادة مدربه الوطني وليد الركراكي، وذلك بصعوده إلى الدور الثاني على رأس مجموعته، ليصبح أول منتخب عربي في تاريخ المونديال يحقق هذا الإنجاز، بقيادة مدرب عربي.

ويأبى أسود المغرب إلا أن يحقق منتخبهم إنجازا تاريخيا آخر غير مسبوق في تاريخ العرب بالصعود إلى ربع النهائي، بعد الفوز التاريخي المستحق على المنتخب الإسباني، لتنتعش الآمال لدى الجماهير العربية، في أن يكون للعرب فريق يصل إلى ما قبل النهائي، بل ويتجاوز إلى النهائي ذاته.

وبعزيمة لا تلين، ورغبة في تحقيق تحوّل تاريخي، وببصمة عربية، قلب المغاربة موازين القوى في عالم الساحرة المستديرة، وفازوا على البرتغال بكل نجومها وملوكها الكرويين، ليشهد العالم تاريخا جديدا في عالم الرياضة، وتسجل صفحات مونديال قطر التاريخي نقطة تحوّل فارقة في تاريخ الرياضة العربية، وانطلاقة للصعود العربي، من داخل المستطيل الأخضر في عالم كرة القدم، ومن دوحة قطر العربية.

وقد رفع وصول المغرب إلى المربع الذهبي سقف الطموحات العربية، وبات السؤال: هل يصنعها المغاربة ويتوَّجوا بالبطولة، ويصبح المونديال عربيا خالصا تنظيما وتتويجا؟

إعادة الاعتبار إلى المدرب العربي

لقد سجّل مدرب منتخب المغرب وليد الركراكي اسمه في سجلات التاريخ الرياضي، كأحد أعظم المدربين الوطنيين في تاريخ الرياضة العربية والعالمية.

فقد تولى الراكراكي تدريب المنتخب المغربي في 31 أغسطس/آب 2022، خلفا للمدرب البوسني الفرنسي وحيد خليلودزيتش، قبل أقل من 3 أشهر فقط من المونديال، واستطاع خلالها أن يُحدث نقلة للفريق، وأن يقوده للوصول إلى نصف النهائي.

لقد أعاد المدرب المغربي وليد الركراكي الاعتبار إلى المدرب العربي، بما حققه من إنجازات تاريخية مع منتخب المغرب في المونديال. ولعل النقطة الفارقة من وجهة نظري في صعود المغرب المتتالي، حتى الوصول إلى نصف نهائي كأس العالم، هي تحقيق هذا الإنجاز على يد مدرب وطني، يُعَد أول عربي يحقق هذا الإنجاز في تاريخ اللعبة.

الإنجازات بين الأجنبي والوطني

المتتبع للمنتخبات الوطنية العربية سيجد أن المدرب الأجنبي كان صاحب الحظوة والتفضيل لقيادة هذه المنتخبات، ومرجع ذلك غالبا إلى ما يمكن أن نطلق عليه عقدة الأجنبي، وفقدان الثقة غير المبرر في المدرب الوطني.

لم تحقق المنتخبات العربية على مدار تاريخها إنجازات ذات اعتبار بقيادة المدربين الأجانب، الذين أثقلوا ميزانيات الاتحادات الكروية العربية برواتبهم الفلكية، التي تفوق بمراحل رواتب كثير من المدربين الوطنيين. بل الجدير بالذكر أن الإنجازات المعتبرة لهذه المنتخبات تحققت عندما تولى قيادتها مدربون وطنيون.

لقد مثّل فوز المغرب بقيادة مدربه وليد الركراكي المحطة الفاصلة للخلاص من عقدة المدرب الأجنبي، فالثقة في كل ما هو أجنبي تكاد تكون عقدة عربية مستحكمة، ولا تقف عند حدود كرة القدم، ولكنها تتجاوز ذلك إلى آفاق أوسع، في شتى مناحي الحياة الأخرى في منطقتنا العربية.

عقدة الأجنبي أو “عقدة الخواجة” لها جذور تاريخية في منطقتنا العربية، ترجع إلى فترة الاحتلال الأجنبي، وقد ساعد على تكريسها الأوضاع الداخلية للدول العربية، والإعلام المحلي، والإعلام الموجَّه من الخارج، على حد سواء.

التاريخ ينصف المدرب الوطني

ها هو المغرب يفعلها بقيادة مدرب وطني عربي، ولكن لا يمكن القول إن المدرب الوطني هو الأفضل على الإطلاق، وكذلك ليس المدرب الأجنبي هو الأفضل دائما، ولكن الحقيقة الفارقة هي أن المدرب الوطني في بلداننا العربية -وقياسا على الكوادر الوطنية في المجالات الأخرى- لم يُعط فرصة حقيقة كاملة لإثبات ذاته، والملاحَظ أنه عندما تتوافر له الفرصة الحقيقة فإنه يتفوق، بل ويتجاوز بمراحل نظيرة الأجنبي.

لقد استطاع المنتخب المغربي بقيادة مدربه الوطني وليد الركراكي أن يكون أول منتخب عربي يتصدر مجموعته في كأس العالم مرتين، وحقق لأول مرة فوزين بدور المجموعات في كأس العالم، كما أصبح المغرب أول بلد عربي يحصل على 7 نقاط في دور المجموعات، وها هو منتخب العرب المغربي يصل إلى نصف النهائي.

ومن الجدير بالذكر، أن نهائيات كأس العالم على مدار تاريخها لم تشهد توفيق مدرب أجنبي مع المنتخب الذي يدربه في الفوز بلقب البطولة.

نقطة تحوّل

لقد مثّل صعود المغرب إلى نصف نهائي كأس العالم في قطر نقطة تحوّل في تاريخ الرياضة العربية والتدريب الكروي العربي، ورفع سقف طموحات المدربين العرب، وأسقط هيمنة المدرب الأجنبي على الساحة الكروية والرياضية العربية، وفك عقدة الأجنبي، التي تعكس أحد وجوه التبعية، التي رزحت فيها المنطقة العربية ردحا من الزمن.

لا شك أن وصول منتخب عربي -منتخب المغرب- بقيادة وطنية إلى المربع الذهبي في كأس العالم سيظل تميزا لمونديال قطر، وتاريخا لا يُنسى ليس في ذاكرة عشاق الساحرة المستديرة، ولكن في ذاكرة كل عربي أراد أن يرى تفوقا عربيا، حتى لو كان على بساط المستطيل الأخضر، وفي الساحات الكروية والرياضية.

الخلاصة

وما بين التاريخ القديم والحديث هناك ما يدعو إلى التفاؤل. في عام 1578، كان التاريخ شاهدا على يوم من الأيام الكبرى في تاريخ الأمة الإسلامية، حين حقق المغاربة انتصارا عظيما في معركة الملوك الثلاثة “وادي المخازن” التي سقط فيها ثلاثة ملوك صرعى، وتغيّر على إثرها وجه التاريخ والخارطة العالمية.

وما بين ساحات التاريخ القديم حيث المعارك والانتصارات العسكرية والسياسية، إلى ساحات التاريخ الحديث حيث تاق العرب إلى انتصار ولو على الساحة الرياضية، حقق المغاربة انتصارا لطالما انتظره العرب طويلا.

في عصرنا الذي نعيشه، كرة القدم ومنافساتها ليست مجرد لعبة، ولكنها بمنظور العصر إحدى أدوات تأكيد الهوية الوطنية، وتمثل رافدا قويا للشخصية الوطنية العربية، وباتت رباطا يجمع العرب أينما كانوا.

سيسجل التاريخ أن مونديال قطر 2022 كان منطلقا لاستعادة الثقة في الذات العربية، وكان الصخرة التي تحطمت عليها كثير من النظريات التي كُرّست حول المنطقة العربية وشعوبها، وحُلّ عندها كثيرٌ من العُقد التي استحكمت في الوعي العربي.

لقد أصبح السؤال المشروع الآن، الذي يتردد لدى الجماهير العربية، هو: هل يصبح مونديال قطر عربيا خالصا تنظيما وتتويجا؟ الإجابة ما زالت في رحم الغيب، ولكن لِمَ لا؟ لقد فعلت قطر ما لم يفعله غيرها من قبل بتنظيم المونديال، ووصل منتخب المغرب إلى ما لم يصل إليه غيره من قبل، وإن كان هذا فحسب فهو إنجاز، وسبق وسابقة لم تحدث من قبل.

المصدر : الجزيرة مباشر