عندما يصبح الحلم حقيقة.. كأس العالم والجزيرة

قطر استعدت لكأس العالم

أصبحت قطر على مدار العقود الماضية محط أنظار العالم، وبرز دورها الدبلوماسي على الصعيد الدولي، وباتت واحدة من بين أبرز القوى الناعمة دوليا وإقليميا.

فقد استطاعت قطر أن تحول أحلاما إلى حقائق، وتحقق إنجازات سبقت بها دولا أكبر منها مساحة وسكانا.

وإذا كانت عيون المشاهدين العرب وغيرهم في المنطقة والعالم تتجه دوما صوب “الجزيرة”، التي تبث من الدوحة؛ بحثا عن الحقيقة والمصداقية، فإن أنظار العالم أجمع، وعشاق الساحرة المستديرة باتت الآن مركزة صوب الدوحة، التي صنعت ثورة في كيفية استضافة بطولة عالمية بحجم كأس العالم، وأضافت إلى إنجازاتها إنجازا جديدا بالغ الإبهار.

ومن المعروف أن الدول تصنع مكانتها وتحقق حضورها على الساحة الدولية، من خلال إنجازاتها، وقدرتها في التأثير على النظام الدولي.

لقد تجاوزت قطر المفاهيم القائمة في العلاقات الدولية، وقدمت نموذجا عمليا للكيفية التي تستطيع بها دولة صغيرة توظيف مواردها المهمة، وتحدي وجودها في بيئة إقليمية مضطربة، لتصبح طرفا مهما ولاعبا بارزا على الساحة الدولية، وخلقت لنفسها موضعا في النظام العالمي، باعتبارها قوة دبلوماسية، في محيطها العربي، وفي الشرق الأوسط، وغيرت مفهوم ضعف الدول الصغيرة، وباتت التجربة القطرية الناجحة نموذجا يجب دراسته بعناية واهتمام بالغين.

ثورتان “إعلامية ورياضية”

وبالنظر إلى النموذج القطري الناجح، يمكن القول إن قطر استطاعت عبر أدوات قوتها الناعمة أن تقود تغييرا في محيطها العربي، والإقليمي، وعلى الساحة الدولية، وصنعت ثورة إعلامية، وثورة رياضية، هما: قناة الجزيرة، وتنظيم كأس العالم.

ومن اللافت للنظر، أن شهر نوفمبر/ تشرين الثاني كان المحضن الزمني لهذا التغيير؛ فالأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 1996، كان شاهدا على انطلاق قناة الجزيرة – التي مثلت ثورة إعلامية عربية وإقليمية- والعشرون من نوفمبر/ تشرين الثاني، هو الشاهد على انطلاق مونديال 2022 في الدوحة – الذي أحدثت قطر بتنظيمه ثورة رياضية عربية، وشرق أوسطية، وعالمية- وهو أول بطولة لكأس العالم تقام في دولة عربية، وفي الشرق الأوسط، على مدار تاريخ البطولة العالمية الأشهر والأهم على الإطلاق.

ثورة إعلامية

في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 1996، كانت المنطقة العربية والعالم على موعد مع انطلاق بث قناة الجزيرة الإخبارية من الدوحة في قطر، والتي مثل انطلاقها ثورة إعلامية عربية، وعلامة فارقة في تاريخ وذاكرة الإعلام العربي.

ويمكن القول، إن انطلاق قناة الجزيرة مثّل حدا فاصلا بين عصرين؛ عصر ما قبل الجزيرة وعصر ما بعدها، وبات تاريخا مهما، وتأريخا لما بعده.

وقد مثلت قناة الجزيرة ثورة في مواجهة دكتاتورية الشبكات الإعلامية العالمية، وباتت مصدرا للتحدي، ومنافسا للهيمنة الإعلامية للغرب.

ولأول مرة في تاريخ الإعلام في المنطقة تبث قناة إخبارية عربية بمفهوم جديد يلامس هموم شعوب المنطقة، ويعبر عن قضاياها، ويصحح وعي الجماهير، يحول حلم المشاهد العربي الباحث عن الحقيقة إلى واقع ملموس على الأرض.

وقد مثل انطلاق الجزيرة انقلابا في معايير الإعلام العربي؛ حيث كسر ت احتكار الحكومات للإعلام، وحطمت قيود الخطاب الإعلامي الحكومي، والذي لم يكن يعرف شيئا اسمه الرأي العام العربي، ولا الرأي السياسي المختلف.

تأثير “الجزيرة”

في كتاب (تأثير الجزيرة) يقول مؤلفه فيليب سيب، أستاذ الصحافة والدبلوماسية العامة وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنوب كاليفورنيا: “لقد لعبت الجزيرة دورا تاريخيا في تغيير المشهد الإعلامي، ليس في الشرق الأوسط فحسب، وإنما على الصعيد العالمي أيضا، وبذلك أثبتت أنه يمكن النجاح في تحدي هيمنة المؤسسة الإعلامية الغربية…

وإلى جانب النجاح الذي حققته الجزيرة على هذا المستوى، فهي تقدم نموذجا داخل العالم العربي وخارجه، باعتبارها مثالا للمؤسسات الإعلامية ذات الحضور الإقليمي والعالمي، في العشرية القادمة بالتأكيد”. انتهى الاقتباس.

لقد مثل إطلاق قناة الجزيرة – التي أصبحت شبكة من أضخم، وأهم الشبكات الإعلامية العالمية- ثورة إعلامية، وضعت العرب لأول مرة على خارطة المنافسة الإعلامية العالمية.

ولقد كان النجاح في إطلاق وإدارة قناة بحجم الجزيرة، اشبه بالنجاح في امتلاك سلاح ذري عابر للحدود، ولكن السلاح هنا ليس سلاحا تدميريا، ولكنه سلاح موجه للعقول، يبني الوعي ويصحح المفاهيم، وينير البصائر، ويكشف الحقائق.

ثورة رياضية “كأس العالم”

وعلى جانب آخر، مثل فوز قطر بتنظيم بطولة كأس العالم ثورة رياضية على الاحتكارات الدولية لتنظيم هذه البطولة، كما مثل ثورة على اليأس العربي من إمكانية استضافة بطولات عالمية بهذا المستوى، بعد فشل العديد من التجارب والمحاولات العربية.

لقد كان حلما لدى جماهير العالم العربي والإسلامي أن تحتضن إحدى دولهم بطولة كأس العالم، وقد استطاعت قطر أن تكون ملهمة لهذا الحلم، ونالت شرف تحقيقه.

المهمة المستحيلة

ولعله من المثير للاهتمام معرفة كيف حظيت قطر بشرف تنظيم كأس العالم، البطولة الأكبر والأهم عالميا؟

لم يكن طريق قطر نحو تنظيم كأس العالم لكرة القدم معبدا سهلا، فقد واجهت الكبار من مختلف قارات العالم.

لقد وصف البعض محاولة قطر للفوز بتنظيم كأس العالم ب “المهمة المستحيلة”، خاصة أن المنافسة كانت مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وأستراليا، واليابان، وكوريا الجنوبية.

لكن العالم كان على موعد في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول 2010، مع مفاجأة من العيار الثقيل، بعد خروج جميع المنافسين الكبار، واحتدام المنافسة بين قطر وأمريكا، وفوز قطر بـ 14 صوتا، بفارق 6 أصوات عن أمريكا، التي حصلت على 8 أصوات فقط.

وقد أهدت قطر للجماهير العربية فرحة تاريخية، بفوزها التاريخي بتنظيم كأس العالم، وصنعت ثورة رياضية عربية، وباتت ملهمة للحلم العربي.

استضافة أثارت حفيظة البعض

لقد كان فوز قطر باستضافة نسخة كأس العالم لعام 2022 نتاج رحلة شاقة وطويلة من التخطيط المُتقن والعمل الدؤوب والإنجاز المتميز.

ولم تقف قطر عند حدود إحداث ثورة عربية رياضية، بل كان الملف الذي تقدمت به لاستضافة المونديال ثورة أخرى، عبر تنظيم وإنشاءات ومميزات، جعلت نسخة كأس العالم في قطر استثنائية وغير مسبوقة على الإطلاق في تاريخ البطولة، وهذا ما أكده الواقع، وشهد به الرياضيون والمختصون في المجال.

وقد حطمت قطر ثوابت على الساحة الدولية، كانت ترى استحالة تنظيم دولة صغيرة لبطولة كأس العالم، وهذا ما أثار حفيظة البعض، الذين لم يقبلوا حقيقة أن دولة عربية إسلامية، في منطقة الشرق الأوسط تستضيف حدثا عالميا بهذا الحجم.

وقد تعرضت قطر لحملة غير مسبوقة من الافتراءات، وازدواجية المعايير من بعض الدول، وحسدا من عند أنفسهم، لكن قطر ومعها الجماهير العربية كانت لها بالمرصاد.

خـــــتــــــــــــامـــــا

لقد استطاعت قطر، تلك الدولة الخليجية العربية الإسلامية، أن تقود ثورة تغيير حقيقي في محيطها العربي والإقليمي، وقدمت نموذجا معتبرا لدولة ناجحة جديرا بالدراسة.

ولقد أثبت القطريون أن الإدارة الرشيدة، التي تحسن استثمار قدرات الدولة الاقتصادية، وتوظيف علاقاتها، يمكنها أن تتجاوز معضلات الديموغرافيا، والمحيط الإقليمي المضطرب، وأن تصنع لدولتها مكانا ومكانة، مع الفاعلين في المشهد الدولي.

المصدر : الجزيرة مباشر