وردة حمراء على ضفاف النيل.. هنا أسوان!

قصة العلاج بالدفن في الرمال.. والباكستاني الذي وجد الحياة في رمالها!

ضريح الأغاخان

حينما تذهب إلى هناك، فسوف تراه في أوج عنفوانه، يبدو شاباً في تلك البقعة الساحرة من صعيد مصر، مدينة أسوان الجميلة، التي يبدأ فيها النيل رحلته العظيمة في مصر، تلك الرحلة التاريخية التي سطرها ذلك الكيان العظيم، وشق بها الأرض، خصوبة ونماءً.

النيل هناك مختلف، يبدو شاباً في عنفوانه، أعلم أنك قد تراه في القاهرة والمدن الكبيرة مختلفا عن ذلك، يبدو عجوزاً هزيلاً، محني الظهر، لا يقوى على شيء.

بناء حالم وعلاج بالدفن

سمعت صوته هناك في أسوان يصرخ حراً، ويحكي قصصاً من الجمال والوفاء، لم أكن أتخيل أني على موعد معها، شهد عليها النيل الساحر، في أجمل بقاعه، بالقرب من “جزيرة النباتات”، أقدم الحدائق في العالم، والتي تحتوي على العديد من النباتات والأشجار النادرة، ومتحف للنباتات يعرض فيه بعض العينات النباتية الموجودة فى الحديقة والثمار والبذور الخاصة بهذه الأنواع، ما جعلها واحدة من أماكن الجذب السياحي فى مدينة أسوان، ونظرا لموقعها الفريد وسط النيل فإن الوصول إليها يتطلب ركوب مركب شراعي أو المراكب التى تعمل بالمحركات.

عندما تخرج من الجزيرة، وتسير قليلاً بالمركب الشراعي، حتماً سيسحر بصرك ذلك المبنى الأبيض المرمري، الذي يخطف القلوب، ذلك البناء الحالم، النائم فوق هضبة في البر الغربي، في جزيرة وسط النيل، والتي تطل على قصر الملك فاروق، والذي أصبح الآن فندق “كتاراكت” الشهير، أفخم فنادق المدينة.

إنه ضريح سلطان محمد شاه الحسيني، أغاخان الثالث، الإمام الثامن والأربعون للطائفة الإسماعيلية النزارية، والذي يعرف قصته جميع أهالي أسوان ويحفظونها عن ظهر قلب.

يروي أحمد العوامي (مرشد سياحي من أسوان) “أن ذلك الرجل الغريب الذي جاء من كراتشي (في باكستان حالياً)، والتي كانت جزءًا من الهند قبل تقسيمها، ليعيش في أسوان، قاصداً الشفاء، بعدما أخبره الأطباء بأن حالته المرضية ميؤوس منها، إذ كان يعاني من آلام الروماتيزم الحادة، وأنفق أموالاً طائلة في العلاج، وزار أمهر الأطباء في العالم دون جدوى، حتى نصحه أحد الأصدقاء المقربين، بزيارة مدينة أسوان، التي تتميز بشتاء دافئ وصحي كما يتمتع أهلها بحسن المعشر وطيبة القلب، فزارها مع زوجته، وعدد كبير من حاشيته، وبعض من أتباع الطائفة الإسماعلية عام 1954 وهو لا يكاد يقوى على المشي، لكنه سرعان ما تعافى بعدما استجاب إلى نصيحة أحد الحكماء من أهل أسوان، باستخدام طريقة العلاج بدفن جسده في الرمال ثلاث ساعات يومياً لمدة أسبوع فقط”.

وأوضح العوامي “أن الأطباء اعترضواعلى هذا الرأي وقالوا له إن حالته سوف تسوء، ولكن الأغاخان اقتنع بكلام الرجل، وقرر أن يتبع نصيحته، ومنّ الله عليه بالشفاء، اندهش الأطباء بعد ذلك من تلك النتائج المذهلة، التي تحققت في أرض أسوان الجميلة، وتيمناً بذلك قرر الأغاخان شراء المنطقة التي كان يعالج بها، وكان المكان الأول التي قابل فيه حبيبته، وقدم طلباً للمحافظة، وبالفعل جاءت الموافقة وتم شراء الأرض، فأحضر المهندسين المعماريين ليبنوا له قصراً ومقبرة”.

أجمل قصة حب

لقد كان الهدف علاجياً في البداية لكن القصة تغيرت لتصبح من أجمل قصص الحب في القرن العشرين، قصة جمعت بين حب رجل عجوز، وملكة جمال فرنسية، كانت تعمل كبائعة للورود في بلدها، ثم اعتراض أهل الأغاخان وعائلة “لابدوس” على ذلك الزواج غير المتكافئ بسبب اختلاف العادات والتقاليد وفارق السن الكبير بينهما حيث كانت تصغره بثلاثين عاماً ، لكن الرجل تزوج الفتاة الجميلة “إيفيت لابدوس”، التي رآها في حفل أسطوري في مصر كانت مدعوة إليه في ﺇﺣﺪﻯ ﺍﻟﺤﻔﻼﺕ ﺍﻟﻤﻠﻜﻴة الخيرية، التي حضرها عدد كبير من مشاهير العالم وشخصيات بارزه، وقيل إنه قدم لها مهراً كبيراُ وهو وزنها ذهباً، ثم تزوجها الأغاخان، متحدياً  كل العادات والتقاليد، وكانت قد أشهرت إسلامها، وسمت نفسها البيجوم “أم حبيبة”، ووقع الزوجان في غرام أسوان، وقررا ألا يفارقاها أبداً.

قصة الوردة الحمراء

لم يمهله الموت، حيث توفي الأغاخان، فى 11 يوليو عام 1957، ودفن في مصر، وعلى غرار تاج محل في الهند فلقد قررت البيجوم أم حبيبة أن تخلد ذكراه، بعمل مقبرة خرافية التصميم، مبهرة اللمسات، يغلب عليها اللون الأبيض، من الداخل، وهى مبنية من الحجر الجيري الوردي على غرار مقابر القاهرة الفاطمية.

أوصى الأغاخان بدفنه في المقبرة، ولأنها لم تكن قد اكتملت عند وفاته، فقد انتقلت رفاته إليها بعد عامين تقريباً من وفاته، وضربت زوجته البيجوم أم حبيبة أعظم مثال على الحب والوفاء، فرفضت الزواج من بعده وكانت تضع كل صباح وردة حمراء في كأس فضي على قبره كل يوم، لأن أغاخان كان عاشقاً للورود وخاصة الورود الحمراء وكان يملأ قصره بها، وكانت إذا غابت البيجوم توصي بستاني المقبرة بفعل ذلك، لتظل وفية له، باقية على ذكرى حبيب، قد غمرها حباً وحناناً، حتى لاقت ربها في عام 2000، ودفنت بجواره، لتبقي قصة الوردة الحمراء، شاهدة على قصة حب قد تبدو غريبة، أو لا منطقية، أو ربما يكون غرابتها هو سر جمالها، فأعظم قصص الحب التي زينت صفحات التاريخ لم يكن بها أي منطق، إنه قانون الحب الذي لا يخضع لأي منطق، هو فقط يقتحمنا، يدك حصون قلوبنا، فنرفع الراية البيضاء، ونضع وردة حمراء في قلب من نحب، وعلى قبره حينما يغادر تلك الحياة الفانية، ليبقى الحب خالداً على صفحات النيل الخالد. بين البيجوم والأغاخان، الذي وجد في تلك الأرض الغريبة عنه، وطناً وأهلاً طيبين.

المصدر : الجزيرة مباشر