هل باعت أفريقيا كأس العالم للمُستعمر القديم؟

بوكايو ساكا من إنجلترا وأنتوني روبنسون من الولايات المتحدة في كأس العالم لكرة القدم قطر 2022 بين إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية في استاد البيت

 

عندما أرادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تبني دولة عظمى استعانت بالأفارقة، وعندما أرادت أن تبني فريقًا لكرة السلة استعانت أيضًا بالأفارقة، وعندما أرادت أخيرًا أن تنافس في مونديال كأس العالم، لم تجد غير الأفارقة، ومع ذلك تزدريهم في نوبات جنونها وضيقها بالآخر أحيانًا، ويتعامل معهم بعض قادتها بعنصرية جارحة، لدرجة أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لم يتحرج وهو يصف المهاجرين، وأغلبهم أفارقة، بـ”الأوكار القذرة”!

الأقدام السمراء

بفضل المهاجم ذي الأصول الكاميرونية بريل إيمبولو نجح المنتخب السويسري في تحقيق الفوز على الكاميرون، بينما قاد تيموثي ويا نجل الأسطورة جورج ويا رئيس ليبيريا، المنتخب الأمريكي للفوز على وويلز وإيران، في مباراة مثيرة، كانت السياسة حاضرة فيها بقوة، أما فرنسا فهي تعتمد بشكل أساس على مهارات كيليان مبابي، وهو أحد أبرز النجوم المتألقين حاليًا في ملاعب كرة القدم، بقدراته على التهديف وتهديد شباك الخصوم حيث ينحدر والده من أصول كاميرونية، بينما والدته فايزة العماري، من أصول جزائرية، وقد شارك مبابي البالغ من العمر 23 عامًا في تتويج المنتخب الفرنسي ببطولة كأس العالم 2018 التي أقيمت في روسيا، وقاد فرنسا اليوم إلى دور الـ16 في مونديال قطر 2022، بل وضعها على صدارة المجموعة بـ6 نقاط.

سرقة المطاط والمواهب

أما بلجيكا فهي لم تستطع أبدًا أن تستغني عن خدمات المهاجم روميلو لوكاكو، وقد خطف لوكاكو الأنظار في كأس العالم السابق 2018، وأصبح وقتها رسميًا أفضل هداف في بلجيكا على الإطلاق، إذ يمتاز بالقوة البدنية والالتفاف حول المدافعين، وصناعة الفرص، حتى أنه انتزع لقب الدبابة البلجيكية، وهو من أبوين أصلهما من الكونغو الديمقراطية التي كانت مستعمرة بلجيكية، قبل أن ينهي المناضل باتريس لومومبا ورفاقه سنوات القهر والاحتلال البلجيكي، ثم يلقى حتفه بعد ذلك على يد الأجهزة السرية للمستعمر القديم.

كان بإمكان الكونغو أن تكون واحدة من أرقى البلدان وأغناها، لما تتمتع به من موارد وفيرة، لكن أوربا بالمرصاد، حيث أخضعها ليوبولد الثاني ملك بلجيكا بطريقة سادية، وقام بقطع الأيادي وتشويه الأعضاء التناسلية للسكان الأصليين، وكان يذبح الملايين ويأمر بعمليات التعذيب الوحشية لحشو خزائنه الممتلئة بالمزيد من المطاط، دون أن تعتذر بلجيكا، إلى اليوم، على ذلك التاريخ الدموي المخزي، أو تتذكره فقط عندما يهز أمثال لوكاكو شباك خصومهم، ويمنح الفرح للمدرجات البيضاء.

أما المنتخب الألماني الذي ظهر في هذا المونديال بمستوى أقل بكثير مما عرف به، ولولا جهود أنطونيو روديغر، قلب الدفاع، لمُنيت ألمانيا بخسائر فادحة، واستقبلت شباكها مهرجانًا من الأهداف، إذ يعد روديغو مدافعًا متعدد الاستخدام، قادرًا على اللعب ظهيرًا في أي من الجناحين، وخيارًا مثيرًا للاهتمام، كما يوصف، وهو لاعب مسلم، شوهد أكثر من مرة يؤدي الصلاة.

ولد رودريغر في برلين لأب ألماني اسمه ماتياس، وأم سيراليونية اسمها ليلى، وظل يعاني من العنصرية، دون أن يتخلى عن جذوره، حيث تعهد وألزم نفسه بالتبرع بالمكافآت التي سيحصل عليها في كأس العالم 2022 في قطر لسيراليون، وقال في تصريحات صحفية إن تلك الأموال سوف يخصصها لـ11 طفلًا سيراليوني يعانون الفقر والمرض، وهو بذلك يؤثر في أصحاب النوايا الحسنة.

الطريق ساكًا أمام ساكا

ليس من قبيل الصدفة أن يعتمد المنتخب الإنجليزي على بوكايو ساكا الذي يمتاز بالحيوية داخل الملعب والقدرات الهجومية الرائعة، فيما يعد حاليًا أحد أفضل لاعبي كرة القدم الشباب في العالم، وقد ألهمه في طفولته تيري هينري، الغزال الأسمر، وقد حصد ساكا جائزة أفضل لاعب في مباراة إنجلترا وإيران، وهو لأبوين نيجيريين من اليوروبا، وقد ظلت نيجيريا تحت نير الاحتلال البريطاني حتى عام 1960، وربما لو نجح المنتخب النيجيري في الصعود لمونديال قطر وواجه الإنجليز، لأصبح ساكا في موقف اللاعب السويسري إيمبولو ذاته الذي أحرز هدفًا في منتخب بلاده الأصل الكاميرون، ولم يحتفل بالفوز كما يفعل النجوم عادة، كما لو أنه أدخل هدفًا في مرماه، ومع ذلك غضب منه الشعب الكاميروني، وقامت الجماهير في ياوندي باقتحام بيت إيمبولو وحصبه بالحجارة، تعبيرًا عن سخطها، لظلم ذو القربى الأشد مضاضة، وفقدان الأمل بسببهم.

حقيقة تاريخية مؤلمة

في مونديال قطر وقبل ذلك أيضًا أظهر اللاعبون من أصول أفريقية روحًا قتالية عالية، ونجومية لا تخطئها العين، وكثيرًا ما أهدوا عن جدارة واستحقاق، المنتخبات التي يلعبون فيها الفوز، ومنحتهم محبتها وهويتها، وقفزوا بها لمراحل متقدمة، ولطاما راهن عليهم المدربون في الوصول إلى المباريات النهائية وانتزاع الكأس الذهبية الغالية، بينما افتقدتهم دولهم الأصل، التي تعاني الفقر والفساد وقلة الحيلة والثروات المنهوبة، مما جعل الهجرة حلم كل شاب أفريقي، يبحث عن موهبته الضائعة، أو الفردوس المفقود، سواء كان برغبته، أو من واقع الحقيقة التاريخية لعدد الأفارقة الذين وصلوا إلى أوربا وأمريكا رقيقًا في الماضي، ولا يضير أحفادهم اليوم جلب الكؤوس والميداليات الذهبية للمستعمر القديم.

المصدر : الجزيرة مباشر