الخيانة الزوجية.. هل إخبار الشريك شرط لقبول التوبة؟!

 

لا تخلو حياة الإنسان من الضعف البشري، فهي طبيعة مركبة فيه بأصل خلقته، ولذا لا يخلو إنسان من الخطأ، وليست المشكلة في الوقوع في المعصية، سواء كانت من الصغائر أو الكبائر، بل المشكلة في عدم التوبة منها، ولذا يكون الإسراع إلى التوبة من المعاصي، من شروط الخيرية، يقول صلى الله عليه وسلم: “كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون”.

سؤال يطارد التائب من الخيانة الزوجية:

وكثيرا ما تأتيني أسئلة، وكذلك لكثير ممن يشتغلون بالفتوى، في المسائل الاجتماعية، والعلاقات الزوجية، من أخطرها وأهمها، سؤال: عندما يقع أحد الطرفين –الزوج أو الزوجة– في معصية الخيانة الزوجية، ويتوب إلى الله عز وجل، وتكون توبته نصوحا، ويقلع تماما عن الذنب، ولم يكن قد أخبر شريكه بما اقترف، فيظل بداخله هواجس عدم قبول توبته، لأنه لم يعترف لشريكه، ولم يكن صريحا في جانب من ممارساته، فإن الحياة الزوجية تبنى على الشفافية، وحتى تكون الحياة مستمرة على نور كما يتصور، فلا بد من الاعتراف.

فتظل النفس الأمارة بالسوء تعيد وتكرر وتدفعه في هذا الاتجاه، ويبدأ الشيطان يوسوس إلى من وقع في هذه الجريمة، بأنه كيف يقبل الله توبته دون أن يخبر الطرف الآخر، ويطلب منه العفو، فإن توبته مرهونة بعفو صاحب الحق في الشراكة الزوجية؟ فهل فعلا لا تقبل التوبة من الخيانة الزوجية حتى يخبر الشريك بما فعل؟

القانون والعرف مصدر هذا التصور الخطأ:

وسبب هذا التصور عند الناس، هو ما يعلق في أذهانهم من خلط مسألة ما يتعلق بحق الله وحق العبد، وهو ما أفرزته القوانين المستوردة في بلادنا في قضية الخيانة الزوجية، حيث إن حق رفع الدعوى فيها حصري للزوج فقط، فلو أنه تغاضى عن الأمر سقطت الدعوى، وكذلك يفرق القانون بين خيانة الزوج، وخيانة الزوجة، بناء على ما أفرزه العرف في الناس، من اعتبار جريمة المرأة عار لها وللأسرة، بينما الرجل لا يتعلق بجريمته شيء من ذلك.

مغفرة الخيانة الزوجية حق لله وحده:

إن مسألة أن التوبة لا تصح إلا إذا تم رد الحقوق لأهلها، هذا كلام صحيح، لكن مسألة أن الطرف الخائن لا بد له من رد الحق، وذلك بالاعتراف له، كلام باطل، لا يصح دينا، فالحقوق في الإسلام مقسمة، إلى حقوق لله، وحقوق للعباد، وحقوق مشتركة بين الله والعباد، فما كان من حقوق العباد ترد لهم، كمن سرق مالا من إنسان، أو أخطأ في حقه، أو ظلمه في حق عندئذ عليه برد الحق له، أو بطلب العفو منه.

لكن الزنى، ليس من حقوق العباد، بل هو حق خالص لله تعالى، ولا يملك فيه العفو إلا الله سبحانه وتعالى، فمن تاب منه، ليس عليه إلا أن يطلب العفو من ربه بالتوبة النصوح له سبحانه وتعالى، ولا يملك إسقاط حق الله سواه سبحانه، فليس هذا الحق متروكا للزوج أو للأسرة، فلو أن زوجا عفا عن زوجة أو زوج اقترف جريمة الزنى، ولكنه لم يتب إلى الله، فإن الذنب غير مغفور، ولا يسقط عنه عقوبته.

وهو ما حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حينما زنى أجير بزوجة صاحب العمل، وأراد والد الزاني أن يعفو الزوج عن ابنه، مقابل دفع فدية، واستفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال أبوه: اقض بيننا بكتاب الله وأذن لي، قال: قل، قال: إن ابني كان ‏عسيفا ‏على هذا، فزنى بامرأته، فافتديت منه بمائة شاة وخادم، ثم سألت رجالا من أهل العلم فأخبروني: أن على ابني جلد مائة، وتغريب عام، وعلى امرأته الرجم. فقال النبي ‏صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده‏ ‏لأقضين بينكما بكتاب الله جل ذِكره: المائة شاة والخادم رد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام”.

التوبة إلى الله والستر على النفس:

إن اقتراف الإنسان لمثل هذه المعاصي المتعلقة بحق الله وحده، عليه أن يتوب إلى الله منها، ويستتر بستر الله، ولا يخبر أحدا أيا كان من سيخبره، إلا إن كان من باب الفتوى أو الاستشارة في كيفية التوبة والإقلاع عما يفعل، وليس مطالبا بإخبار أحد، بل إن الشرع يطالب الإنسان بالستر، سواء على نفسه، أو على الناس، يقول صلى الله عليه وسلم: “كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجانة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد ‌بات ‌يستره ‌ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه”.

وقال صلى الله عليه وسلم: “ثلاث أحلف عليهن، لا يجعل الله عز وجل من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، وأسهم الإسلام ثلاثة: الصلاة، والصوم، والزكاة، ولا يتولى الله عز وجل عبدا في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة، ولا يحب رجل قوما إلا جعله الله عز وجل معهم، والرابعة لو حلفت عليها رجوت أن لا آثم: لا يستر الله عز وجل عبدا في الدنيا إلا ستره يوم القيامة”.

الستر على أصحاب المعاصي:

وإذا كان الإنسان مطالبا بالستر على نفسه في معاصيه التي ستره الله فيها، فهو كذلك مطالب بستر الناس، إذا اطلع على معاصيهم، لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة حينما أتى بعضهم بصحابي قد زنى، وهو ماعز، فقال لمن أتى به معنفا: هلا سترته بثوبك! يعني: كان الأولى أن تستره، لا  أن تأتي به، وتحرضه على الاعتراف لي بالزنى، فيقام عليه الحد، ويشهد الناس إقامة الحد عليه.

وقد كان سلوك النبي صلى الله عليه وسلم مع من يأتيه يعترف بالزنى، أنه يرده قدر استطاعته، وذلك كي يتوب بينه وبين ربه، ويستتر بستر الله له، ولا يرجع إليه مرة أخرى، فقد جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، طهرني، فقال: “ويحك، ارجع فاستغفر الله وتب إليه”، قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء، فقال: يا رسول الله، طهرني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ويحك، ارجع فاستغفر الله وتب إليه”، قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء، فقال: يا رسول الله، طهرني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مثل ذلك حتى إذا كانت الرابعة، قال له رسول الله: “فيم أطهرك؟ ” فقال: من الزنى.

فقه عمر في الستر وتزويج الزانية التائبة:

ورضي الله عن عمر بن الخطاب، الفقيه، الذي كان من فقهه: الستر على من تاب أو تابت من هذه المعصية، ويعامل معاملة العفيف، فقد جاء رجل إلى عمر بن الخطاب، فقال: يا أمير المؤمنين، إني ‌وأدت ‌ابنة ‌لي ‌في ‌الجاهلية فأدركتها قبل أن تموت فاستخرجتها، ثم إنها أدركت الإسلام معنا فحسن إسلامها، وإنها أصابت حدا من حدود الإسلام، فلم نفجأها إلا وقد أخذت السكين تذبح نفسها، فاستنقذتها، وقد خرجت نفسها، فداويتها حتى برأ كلمها، فأقبلت إقبالا حسنا، وإنها خطبت إلي فأذكر ما كان منها، فقال عمر: هاه، لئن فعلت لأعاقبنك عقوبة، يتحدث بها أهل الأمصار، أنكحها نكاح العفيفة المسلمة.

وفي رواية أخرى: أن رجلا خطب إليه ابنة له، وكانت قد أحدثت له، فجاء إلى عمر فذكر ذلك له فقال عمر: ما رأيت منها؟ قال: ما رأيت إلا خيرا، قال: ‌فزوجها ‌ولا ‌تخبر. وفي رواية ثالثة قال لأبيها: أليست قد تابت؟ قال: نعم قال: فزوجها.

أي أن عمر هنا يأمر وليها، وقد اقترفت البنت جريمة الزنى، وتابت، أن يستر عليها، وأن يزوجها إذا تقدم إليها أحد زواج العفيفة، ولا يعاملها معاملة الزانية، ولا يخبر من تقدم إليها، ولا يخبر أحدا بذنبها، بل هدده بالعقوبة إن فعل، وقد كان عمر وقتها أميرا للمؤمنين، فهو يتكلم بصفته عمر الفقيه، وعمر الحاكم صاحب السلطة.

أضرار الاعتراف بالذنب للشريك:

كما أن البيئة التي نعيش فيها، تصنع من الإنسان شخصية لا تصفح في مثل هذه الجرائم، وبخاصة لو كانت الجريمة من المرأة، فإذا اعترفت الزوجة بالخيانة، رغم توبتها، فإن الشيطان هنا يظل يوسوس للزوج، وما يدريك أنها تابت توبة نصوحا؟ ثم يبدأ الزوج يسأل: مع من خانته؟ وكيف؟ ومتى؟ ولماذا؟ وتظل أسئلة تجر لأخرى، ولا تنتهي، ولو عرف الشخص ربما فكر في الانتقام منه بقتله، فينتج عن ذلك مضار كبرى لا علاج لها، إلا أن يستر الإنسان على نفسه، ما ستره الله عليه.

وكم من رجال يبرزون بين الناس بأنهم منفتحون، وأنهم متسامحون، ولكن عند أول اختبار في هذه القضايا، يتحول لشخصية أخرى، وينتج عن مثل هذه الاعترافات التي لا طائل من ورائها دينيا، إلا خراب البيوت، فإن كان الشريك عاقلا طلق واكتفى وستر، وإن كان غير عاقل طلق وفضح، ولم ينل التائب المعترف إلا الفضيحة بين الناس، بعد أن ستر الله بستره، ولكن دفعه لذلك جهله بالشرع، وتحكيم هواه ونفسه، بينما شرعه ودينه أمره بالتوبة والستر على نفسه والناس.

المصدر : الجزيرة مباشر