عبير الفقيه تكتب من الإكوادور: ماذا يعني المونديال للشعب الإكوادوري؟

منتخب الأكوادور

 

مما لاشك فيه أن تأهل الفرق الرياضية للمشاركة في البطولات العالمية، ولاسيما كأس العالم لكرة القدم، يعني الكثير للمنتخبات وللشعوب. وشعوب العالم الثالث ومنتخباتها على وجه الخصوص، تتعامل مع هذه المناسبات، باعتبارها بطولات رياضية لإثبات مهارات الأداء الجماعي، وفرصة للاعبين الحالمين بعقود لدى النوادي السخيّة. وليس المنتخب الإكوادوري ببعيد عن هذا التصور.
الطريف في مونديال قطر 2022، أن الحظ ضحك بملء شدقيه في وجه المنتخب الإكوادوري، وخصّه وحده دون 30 فريقا، بشرف افتتاح هذه الدورة، أمام الفريق القطري المضيف يوم 20 نوفمبر القادم. وتعتبر هذه الصدفة، أوّل هدف تمّ تحقيقه بالنسبة للإكوادوريين، حيث يمثل وجود الإكوادور في المباراة الافتتاحية التي يُرجّح أن يشاهدها مايقارب 4 مليارات مشاهد، الفرصة الأهم تاريخيا للتعريف بوجود البلد في حد ذاته، وموقعه من خريطة العالم وملامح سكانه، على الأقل بالنسبة للمشاهد العربي.

بلد أفريقي:

فالإكوادور، ليست البرازيل ولا الأرجنتين، هي في النهاية بلد ناءٍ، تطبق عليه كولومبيا والبيرو كفتيهما من ثلاثة جوانب، ويحده المحيط الهادي غربا. ولايمثل بأي شكل من الأشكال نقطة عبور بين بلدان باقي القارات، ولا يتمتع بأي لقب عالمي رنّان في الاقتصاد أو الرياضة، يجعل الرأي العام البسيط يلقي له بالًا، هذا إذا استثنيا احتواءه لثروة بيئية فريدة من نوعها، ألهمت تشارلز داروين يوما ما ليطلق من أرخبيلها الشهير غالابغوس، نظرية التطور.
غالبا ما اعتبرت الإكوادور بلدا أفريقيًا لدى بعض جمهور الكرة العربي، قبل اختراع مجرّة البي إن سبورت، التي لم تترك شاردة ولا واردة في المعلومات عن المنتخبات ولاعبيها إلّا ورصدتها وحرصت على إفادة عقل المشاهد بها. ويعود هذا الخلط إلى طبيعة ملامح لاعبي المنتخب الأكوادوري، لاسيما في مونديالات 2002 و2006 و2014، حيث إن أغلبهم أصحاب بشرة سوداء.

البشرة الملونة:
ولسواد بشرة اللاعبين في المنتخب الإكوادوري، قصة راسخة في ذاكرة كهول المجتمع، يحرصون على توريثها للأجيال الصاعدة، لقيمتها المعنوية العالية. حيث إنه وفي سنة 2002، ترشحت الإكوادور لأول مرة في تاريخها الكروي، لمونديال كوريا اليابان، بل إن منتخبها وفي تصفيات التأهل للمونديال المذكور على مستوى فرق أمريكا الجنوبية، حصل على المرتبة الثانية في مجموع النقاط بعد الأرجنتين، متقدما على العملاق البرازيلي الذي حصل على المرتبة الثالثة. وكان ذلك الإنجاز بمثابة المعجزة التي قلبت مزاج المجتمع الإكوادوري 180 درجة للأسباب الآتي ذكرها.
في أواخر 1999 وبدايات سنة 2000، عاشت الإكوادور في عهد رئيسها اللبناني الأصل جميل معوض، أزمة مصرفية غير مسبوقة، استسلم بسببها النافذون من أهل السياسة والمال آنذاك للاستغناء عن العملة المحلية واعتماد الدولار الأمريكي كعملة رسمية للبلاد. وتمّ اتخاذ القرار في دائرة ضيقة جدا وبشكل مفاجئ وبضوء أخضر أمريكي (وهو في الحقيقة أمر وجبت طاعته). وكان الثمن الذي دفعه الإكوادوريون البسطاء جرّاء ذلك القرار، هو تبخر مدخراتهم، بسبب عجز ورفض البنوك تمكينهم منها. وأدّت تلك الخديعة إلى أزمة اجتماعية حادّة، سجّلت فيها البلاد أعلى معدلات انتحار في تاريخها، واضطر ما يقارب مليون مواطن إلى الهجرة. ومما زاد الطين بلة، أنه وبعد حصول الكارثة، استيقط الإكوادوريون على حقيقة أن النخبة التي اتخذت القرار، هرّبت أموالها وممتلكاتها وحصلت على إقامات في الولايات المتحدة وبنما، بمن فيهم الرئيس معوض.

البلسم

لم يتوقع الإكوادوريون في ظل حالة الحزن والانكسار العام، الذي عاشه المجتمع وقتذاك، أن يتحوّل إنجاز لاعبي منتخب كرة القدم، إلى بلسم كفيل بشفاء جروح ضحايا الأزمة المصرفية، ولو بصفة مؤقتة. ففي الوقت الذي تسبب فيه أصحاب القرار السياسي والمالي في إفلاس بلد بأكمله، تمكّنت مجموعة من الشباب ذوي البشرة السوداء، من قلب المزاج العام وشحذ همم المصدومين، لطيّ صفحة الأزمة، والوقوف مجددا في وجه الواقع.
في الحقيقة، كان الإكوادوريون في تلك الفترة واعين بأن الحماس الذي سكن اللاعبين في تلك الفترة، كان نتيجة ثأر للتهميش والحرمان الذي كانوا يعيشونه هم و بنو جلدتهم، بسبب السياسات التفاضلية للدولة في التعامل مع مناطق البلد الواحد. لكن الإمكانيات البدنية الوراثية العالية، لعبت دورا أساسيا أيضا في تحقيق النصر، حيث كان أغلب لاعبي المنتخب في تلك الفترة ينحدرون من محافظة اسميرالداس، شمال غربي الإكوادور، المعروفة بأنها حاضنة السكان ذوي الأصول الأفريقية، الذين تم جلبهم كعبيد إبان الغزو الإسباني منذ خمسة قرون تقريبا. ورغم مرور السنوات، إلا أن النظرة العنصرية ضدهم وضد السكان الأصليين بقيت تسكن نفوس جزء كبير من المواطنين من ذوي البشرة البيضاء.
من المفارقات اللافتة للانتباه، أن النافذين من أصحاب البشرة البيضاء، وفي ظل التنوع العرقي الذي يزخر به المجتمع الإكوادوري، وحدهم احتكروا إمكانيات الدولة والمناصب العليا في مجال السياسة والاقتصاد، لكنهم في الوقت ذاته، كانوا وحدهم المسؤولين عن إفلاس البلد. في المقابل، بقيت ذاكرة المتصالحين مع الواقع والمهمشين في المجتمع الإكوادوري، مدينة للإنجاز الذي حققه الشباب المُعدم، أسود البشرة، في إدخال البهجة والأمل على القلوب المُحطّمة جرّاء تلك الكارثة المصرفية.
كان ذلك في مونديال 2002، أما الآن فقد تنوعت ملامح لاعبي المنتخب الإكوادوري، وسيخوض مونديال 2022 ، كواحد من ممثلي فرق أمريكا الجنوبية في المجموعة “أ”، ولن يكون نكرة بعد اليوم، في عيون الجمهور العربي.

المصدر : الجزيرة مباشر