شتاء هذا العام.. قد يغير وجه العالم!

الرئيس الأوكراني

العالم على صفيح ساخن وشتاء هذا العام لا يشبه أي شتاء من قبل، وبرودة الشتاء لن تخفف من المواجهة، ولا حتى ثلوج نوفمبر يمكنها أن تجمد الصراع، وأوربا قد تقع في فخ الانهيار، وروسيا تحاول الحصول على المكسب الأكبر، وبقع في آسيا قد تنفجر، والكوكب ينتظر حربا نووية.

فموسم الشتاء هذا قد يغير وجه العالم، والجميع يده على الزناد، وسوف تشاهد أحداثا كبرى -باريس لندن وبرلين- حيث تنخفض درجات الحرارة وترتفع معها معدلات القلق، هل سيهزمون؟ أم سيتجاوزون تلك العقبة الكؤود؟ ومن سيخرج منتصراً؟ ولمن ستكون الغلبة؟

روسيا لا تزال تشن حربها ضد أوكرانيا، وأوكرانيا عاجزة عن التصدي للغزو الروسي وحيدة، وأموال يجب أن تدفع للحصول على الدفء.

في شتاء هذا العام قد يكون كل ما حصل في السابق مجرد “بروفة” لينطلق بعدها الصراع والسباق الحقيقي بين روسيا وحلفائها من جهة وحلف الناتو من جهة أخرى، وهو صراع قد يطول، فإذا انطلق فسيكون هناك منتصر واحد لا غير، والمعادلة لا يمكن أن تُقَسَّم على اثنين، إما انتصار الناتو على روسيا في أوكرانيا وإما انكسار كل دول الناتو بسبب الطاقة الروسية المقطوعة.

“الغاز الروسي يمثل الحياة للقارة الأوربية”

مع دخول الشتاء، من المتوقع أن تقطع روسيا صادرات الطاقة نحو أوربا، وهذا ما يمثل أزمة خانقة للقارة العجوز، والحقيقة أن الأوربيين يعلمون من بداية الحرب الروسية الأوكرانية أن وقوفهم مع أوكرانيا ستكون تلك هي نتائجها وقد حاولوا منذ شهور إيجاد بدائل مناسبة، لكن تلك المعادلة صعبة للغاية، فالغاز يمثل للقارة الأوربية كل الحياة، حيث يعتمد عليه الأوربيون في التدفئة وفي توليد الكهرباء، كما أن معامل ومصانع الدول الأوربية وعلى رأسها ألمانيا تعمل بالكهرباء، وتوقف واردات الغاز من روسيا يعني معاناة لكل تلك القطاعات، فمنذ خمسة عقود وأوربا تعتمد على الغاز الروسي الأقل تكلفة من حيث النقل، وفي نفس الوقت رأت أوربا أن روسيا البائع الأنسب والأقرب جغرافيا لها، لذلك كانت العلاقة بينهما تسير دائما بهدوء، وكانت كل الخطط السياسية مبنية على أساس المصلحة المشتركة بين الطرفين والمتمثلة في الغاز ولا شيء غير الغاز، لذلك لم تفكر الدول الأوربية يوما بالبحث عن بديل آخر، بل على العكس تماما دشنت مع روسيا خطوطا جديدة للغاز وزادت من الاتفاقيات معها.

“فشل فكرة المخزون الاحتياطي”

منذ اندلاع الحرب الأوكرانية حاولت معظم الدول الأوربية بكل ما تستطيع تعبئة المخزون الاحتياطي لها من الغاز، لكن في الحقيقة لم تتمكن أي دولة أوربية من ذلك، بالإضافة إلى أن ذلك المخزون لا يكفي لكل الشتاء الطويل في أوربا، فعلى أبعد التقديرات تقول الصحافة الألمانية: “أن مخزون ألمانيا الممتلئ بنسبة 84‎% يكفي فقط لمدة 90 يوما وبعدها سيكون علينا إيجاد بديل حقيقي عن الغاز وليس عن الغاز الروسي فقط”.

أما فرنسا- التي تشتهي الغاز الأفريقي- تمني نفسها بالحصول على ما تريد، لكن الحقيقة أيضا مختلفة عن أحلامها، لأن المشاريع التي تبني آمالها عليها مثل خط الغاز النيجيري يحتاج على أقل تقدير لعامين أو ثلاثة ليكتمل ويصل منه الغاز لأوربا، وهذا يعني أن الدول الأوربية وفور انتهاء مخزونها من الغاز ستكون أمام حل واحد لا ثاني له وهو أن تعود تقريبا إلى مئة عام للوراء وتستخدم الفحم بدلا من الغاز، علما أن الفحم لا يستطيع تشغيل كل ما تحتاجه الدول مثل الغاز الطبيعي، والسبب أن العديد من المنشأت صممت لتعمل على الغاز فقط، وبالتالي توجد احتمالية فشل خطة استخدام الفحم.. كما أن العديد من الدول المنتجة للغاز قد لا تسعى للدخول في منافسة مع روسيا بسبب أوربا، وهو ما فعلته قطر تقريبا في آخر الأيام، فبعد أن كانت الخيار الأول للقارة الأوربية بدعم أمريكي، اتجهت قطر للقاء روسيا في منظمة “شانغهاي للتعاون”- منظمة دولية سياسية واقتصادية وأمنية أوراسية تتزعمها روسيا- لتعلن من خلالها بشكل غير مباشر أنها لن تزعج الدب الروسي في الفترة المقبلة، يعني ذلك أن أوربا وللمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية أمام تحدٍ حقيقي، فإذا نجحت في تخطي الشتاء دون خسائر ستمر معها السنوات القادمة بسلام، أما إذا فشلت فستكون أمام خيارين الأول: هو الرضوخ لمطالب روسيا في أوكرانيا، أو ركود اقتصادي مرعب سيؤدي لانهيار دول كبرى في القارة أو إعادة ترتيب أوراقها بالكامل، وقد يحدث انشقاق بعض الدول الأوربية عن الحلف الغربي والاتجاه لمصالحة الروس بحثا عن الطاقة التي ستعيد الحياة لهم.

وما بين هذا الخيار وذاك يبقى القادم مجهولا، وتبقى الإجابة بيد شتاء هذا العام الذي قد يصعد بدول ويهبط بأخرى للقاع دون عودة.

“روسيا والقدر المحتوم”

على الجانب الآخر، روسيا لن تكون في أحسن أحوالها، فقرار قطع الغاز عن أوربا سيكون له تبعات اقتصادية قد تكون وخيمة إذ إن أوربا تشتري 50% من احتياجاتها من الغاز الروسي، وهي كمية تمثل مليارات الدولارات سنويا، للخزينة الروسية، وقطع روسيا للغاز يعني خسارة تلك المليارات بطبيعة الحال وتضرر اقتصادها.

ولذلك تسعى روسيا حاليا للدخول إلى أسواق جديدة حول العالم على رأسها السوق الصيني والذي ترى فيه بديلا مناسبا عن أوربا يمكنها من تدعيم اقتصادها، لكن كما يحدث مع أوربا يحدث كذلك مع روسيا، فخطوط الغاز الواصلة للصين حاليا لا تكفي لمرور كمية كبيرة من الغاز خلالها، لذلك ستخسر روسيا، لكنها في ذات الوقت قد تبقى في حالتها الطبيعية إذا ما استمرت في البيع لباقي الدول عدا أوربا، أي أن روسيا لديها احتمال الخسارة لكنه ضئيل جدا مقابل الخسارة الأوربية الفادحة في الأشهر القادمة.

وإذا ما استطاعت روسيا التسويق لغازها بشكل صحيح قد تقول لأوربا وداعا للأبد، وستجعلهم يعانون عن حق لسنوات عديدة وليس لأشهر فقط، والنتيجة الانهيار الأكبر للقارة العجوز، والصعود التاريخي للدب الروسي على حساب الجميع.

بوتين يراهن وبقوة على الحليف التاريخي للجيش الروسي منذ قرون ألا وهو فصل الشتاء المرعب، والجيش الروسي وكما يعلم الجميع من أكثر الجيوش المتمرسة على القتال في الشتاء وفي درجات حرارة منخفضة للغاية قد تتجمد فيها الآليات في بعض الأحيان، لذلك نرى أن بوتين خفف من هجماته بشكل كبير خلال فصل الصيف، لدرجة أن أوكرانيا وللمرة الأولى حصدت انتصارات حقيقية على أرض المعركة، لكن ذلك لا يعني النهاية لبوتين، إذ تشير تقارير الاستخبارات الأمريكية إلى أن الجيش الروسي يستعد لمعركة الشتاء بشكل مُوَسَّع، ففي البداية يسعى بوتين لاستعادة المناطق التي خسرها ومن ثم تأمينها بشكل مُحكَم.

الخلاصة؛ الصراع في أوربا بين ملف الطاقة وحرب أوكرانيا، وما بين الملف الأول وملف الحرب الطاحنة سيخرج منه منتصر واحد وستكون أوكرانيا إما تحت سيطرة الدب الروسي وجيشه أو تحت مظلة الاتحاد الأوربي، وهي إجابة سيقولها الشتاء القادم.

الحقيقة الوحيدة الثابتة أن أوربا تعاني من أزمة الطاقة، وتداعياتها، والعالم يعاني من ركود وتضخم، جراء الحرب الروسية الأوكرانية.

المصدر : الجزيرة مباشر