الحرب على أوكرانيا ولعبة أردوغان!

 

 

مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي 2023، يدرك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه بحاجة إلى الحفاظ على علاقة أنقرة الاقتصادية مع موسكو سليمة وقوية.

وفيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية، يقوم الرئيس التركي بعمل توازن صعب مصمم في النهاية لمساعدته على الفوز في الانتخابات، على الرغم من الاقتصاد التركي المضطرب بشدة.

قبل أيام قليلة فقط من ورود تقارير عن المكاسب الإقليمية للجيش الأوكراني في المنطقة الشمالية الشرقية من البلاد، حذّر أردوغان الغرب من “التقليل من شأن روسيا”، وانتقد “سياسته القائمة على الاستفزاز” تجاه بوتين.

“في أوكرانيا”

يبدو واضحًا جليًا أن السياسة الخارجية لتركيا في أوكرانيا منذ بدء “العملية العسكرية الخاصة” لبوتين في فبراير 2022، فعالة في كلا جانبي الحرب في أوكرانيا.

كما أن تموضع تركيا يمثل أحد الأصول بالنسبة للتحالف الغربي، لا سيما في سياق دعم الناتو لأوكرانيا، حيث تقف تركيا عند مفترق طرق بين الغرب وروسيا.. هذا الموقف، سياسيًا وجغرافيًا، شكّل سياستها -بشكل أساس- تجاه أوكرانيا.

“مع أمريكا”

من ناحية أخرى، تركيا هي حليف للولايات المتحدة، وعضو طويل الأمد وحاسم في الناتو كونها ثاني أكبر مساهم في الحلف، وقد أدت تركيا أدوارًا رئيسة في عمليات الناتو في كوسوفو وأفغانستان -على الرغم من أنه لم يتم تناولها-، فقد عرضت تركيا أيضًا تشغيل مطار كابول بعد انسحاب واشنطن من أفغانستان الصيف الماضي، وعلى الرغم من توتر علاقاتها مع الولايات المتحدة في أكثر من ملف خلال العقد الماضي، لا تزال تركيا تعد نفسها حليفًا للولايات المتحدة وليس لديها نية لقطع العلاقات.

“مع روسيا”

من ناحية ثالثة، تحافظ تركيا على علاقات قوية مع روسيا خاصة فيما يتعلق بالتجارة.. تعد تركيا من أكبر مشتري الغاز الطبيعي الروسي، وتصدر منتجات غذائية وكيماويات بمليارات الدولارات.. تجتذب تركيا أيضًا ملايين السياح الروس كل عام من خلال منتجعاتها الشاطئية ذات الأسعار المعقولة ونظام السفر دون تأشيرة مع جارتها على البحر الأسود، والأهم من ذلك أن البلدين أقاما علاقات أمنية ودفاعية بالغة الأهمية في السنوات القليلة الماضية، ومن أهمها التنسيق العسكري في سوريا، وتوجت بشراء تركيا لنظام الدفاع الجوي الروسي S-400 في عام 2017.

التوازن المدروس

دون شك العلاقات التركية الروسية تحافظ على التوازن في أوكرانيا ويبدو ذلك على سبيل المثال: عندما أعلنت تركيا “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا “حربًا” بعد وقت قصير من اندلاعها، وبذلك مارست أنقرة حقوقها في اتفاقية مونترو لإغلاق مضيق البوسفور والدردنيل أمام البوارج الروسية المتجهة للخارج، كما قدمت أنقرة الطائرات دون طيار من طراز Bayraktar TB2 رائجة السمعة إلى أوكرانيا في وقت مبكر من الصراع، ومرة ​​أخرى مؤخرًا ساعدت الطائرات دون طيار أوكرانيا على تحقيق بعض المكاسب التكتيكية المبكرة التي عززت الروح المعنوية عندما كانت في أمس الحاجة إليها.

ومع ذلك، على عكس حلفائها الغربيين، لم تغلق تركيا مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية، ولم تفرض أي عقوبات اقتصادية على روسيا، بل الواقع يقول ضاعفت الدولة التركية وارداتها من الغاز الروسي، واستثمرت نظام السفر دون تأشيرة في وقت صار فيه من الصعب على الروس الحصول على تأشيرات (شنغن) لأوربا.

من الواضح أن تركيا على طرفي الحرب، وأن موقعها يمثل أحد الأصول بالنسبة للغرب، فتموضع تركيا هو مصدر قوة ليس للغرب فحسب، بل للعالم النامي أيضًا، حيث تمكنت أنقرة من التفاوض على الصفقة التي رفعت الحصار عن ميناء أوديسا وسمحت بشحن الحبوب الأوكرانية، مما خفف -إلى حد ما- من أزمة الغذاء العالمية.

أيضًا كانت تركيا قادرة على التوسط بين أوكرانيا وروسيا على وجه التحديد لأنها اختارت بمبدأ أخذ الحيطة بمراهناتها على جانبي الصراع.

علاوة على ذلك، موقف تركيا لعب دورًا ما في منع المزيد من التصعيد بين الناتو وروسيا، مثل تعطيل عروض فنلندا وحلف شمال الأطلسي السويدي في وقت سابق من هذا الربيع.

نظرة الغرب إلى تركيا

لكن يبدو أن تركيا في نظر الكثير من محللي الغرب حليفًا لا يمكن التنبؤ به، وهذا يقوض تصميم الغرب على الوقوف في وجه العدوان الروسي.

ويعد هؤلاء المحللون الغربيون أن نهج تركيا “الفاتر” تجاه الحرب في أوكرانيا عائقًا لعزيمة الناتو وقدرته على ردع روسيا في المستقيل، مما يزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة.

 

“لعبة أردوغان”

أصبح من المستحيل فهم سياسة تركيا الخارجية، بما في ذلك سياستها تجاه أوكرانيا، دون فهم السياسة الداخلية للبلاد ومستقبل أردوغان وحزبه فيها.

مثال: تقترب الانتخابات الوطنية في تركيا في عام 2023، والتي ستصادف أيضًا الذكرى المئوية للجمهورية. للسباق أهمية سياسية ورمزية هائلة لأردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه، وبخاصة بعد أن خسر منصب رئاسة بلديات أكبر ثلاث مدن في تركيا أمام مرشحي المعارضة في عام 2018، وعندها تعهد أردوغان بتجديد تفويضه وولاية حزبه العام المقبل، لكن يبدو أن هذا يمثل تحديًا متزايد الصعوبة.

بالنظر إلى عمق الأزمة الاقتصادية في البلاد والتوقعات السلبية حولها، فقد فقدت العملة التركية، الليرة، أكثر من نصف قيمتها مقابل الدولار منذ عام 2021، ولا تزال أسعار الفائدة منخفضة، وارتفعت الأسعار تقريبًا 100% في المدن الكبرى مثل إسطنبول.

أما كتلة المعارضة فتبدو نشطة ومتفائلة رغم أنها لم تتخذ قرارًا بعد بشأن مرشحها الرئاسي.

“خلاصة الموقف”

النتيجة الانتخابية القادمة ذات أهمية قصوى في الحرب الروسية الأوكرانية، إذ يرتبط موقع تركيا في أوكرانيا ارتباطًا مباشرًا بمستقبل أردوغان السياسي، فهو لا يستطيع أن يدير ظهره لروسيا وأن يتسبب في انهيار اقتصاد البلاد، وبدلًا من ذلك يسعى إلى تحقيق التوازن الصعب الذي وصفه بأنه “الحكم الذاتي الاستراتيجي” لتركيا في السياسة الخارجية، بينما يسجل نقاطًا إضافية من خلال التوسط في مفاوضات رفيعة المستوى بين الأطراف المتحاربة.

يقول أردوغان: “تركيا لا تأخذ أوامر من الآخرين، نحن لاعب رئيس في المنطقة وصناع سياستنا الخارجية”، إنها رسالة قوية ومقنعة تجتذب الناخبين من كل ركن من أركان المجتمع التركي.

أضف إلى ذلك الرئيس أردوغان بحاجة إلى دعم شعبي أكثر من أي وقت مضى، وقد تساعده سياسته الخاصة بأوكرانيا في الحصول عليه.

المصدر : الجزيرة مباشر