إطفاء المصابيح ليفر كورونا من البيوت والشوارع.. ماذا يحدث في الهند؟!

التخلص من الجثث بدون مشيعين

كان الرئيس الهندي السابق والعالم المعروف الدكتور عبد الكلام قد قدم رؤية 2020 في مطلع هذا القرن.

كان حلمه أن تصبح الهند بحلول 2020 دولة متقدمة، تلك الرؤية التي لاقت إقبالا واسعا بغض النظر عن جميع الأحزاب الهندية، فلم تكن رؤية مستحيلة أو مبالغة حين ننظر إلى حالة الهند آنذاك.

في تلك الفترة كانت الهند تنافس الصين بشأن التقدم، وتحتل المركز الثاني بين الدول النامية، وظلت الأسواق الهندية مفضلة للمستثمرين الأجانب في كثير من الأحيان مقارنة بأمريكا والصين.

وفي العام نفسه الذي تنتهي فيه رؤية 2020 لعبد الكلام، تبدأ فيه مرحلة الخجل من الوضع الهندي؛ فكيف صارت الهند دولة يموت فيها الآلاف لعدم توفر الأوكسجين؟ وكيف وصلت هذه الدولة التي كان يجب أن تصبح دولة متقدمة إلى حالة بائسة؟

لا يزال كثير من الناس يُحرِّمون الإسعافات الأولية واللقاحات من المصحات الهندية، وحتى حين أكتب هذا المقال، فإن الآلاف من الهنود يموتون كل يوم، وتُحرق جثثهم من دون وجود مشيعين.

وحاولت الحكومة أن تجعل الناس يقبلون على ذلك فمنحت لهم الهدايا. وأعلنت المنح المالية لمن يخبرون الحكومة عن مصابي الجدري!

ليست هذه المرة الأولى التي تواجه فيها الهند وباء كبيرا، يمكننا أن نرى في تاريخ الهند أوبئة أكثر انتشارا وقسوة من كورونا -مثل الجدري- استأصلها حكماء هذا البلد في زمن لم تتوفر فيه مستشفيات وإسعافات أولية عالية الجودة.

وفي الهند المستقلة لم يضطر أي مواطن لدفع المال للحصول على لقاح! وهنالك مجال للفخر لكل مواطن هندي عندما يستذكر درس التاريخ في استئصال وباء الجدري من الهند. وهي الحملة التي بدأت بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية في عهد حكم أنديرا غاندي.

ومنذ 1972 إلى 1977، لعبت رئيسة الوزراء أنديرا غاندي دورا ملحوظا  في مكافحة هذا الوباء، حتى يغيب آخر أثر لهذا المرض من جميع بقاع الهند، ويجدر بالذكر هنا أن نجاح هذه الحملة كان في وقت لم يكن في الهند فيه تسهيلات كافية لاحتفاظ اللقاحات مبردة، علاوة على ذلك فإن معظم السكان كانوا يكرهون التلقيح ويخفون الجدري خوفا من احتقار المجتمع.

وقبل شروع هذه الحملة فان 60% من حالات الجدري عالميا كانت من الهند، ويحسن أن نفهم هذه الخلفية الهندية المذكورة أعلاه لنرى كم كان صعبا إيصال اللقاحات إلی أكثر من ستمئة مليون نسمة.

وتم التشكيك في نجاح الحملة في البداية فكيف يمكن للهند التي يولد فيها 25 مليون طفل سنويا أن تكبح تفشي هذا الوباء الفتاك؟ ولكن الهند تقدمت إلى الأمام من خلال تقديم خطط جادة ونشاطات توعوية جدية، وبدأت الطواقم الطبية من جميع أنحاء الهند تقيِّد مصابي الجدري في مراكز معينة، كان الهدف هو ردع ومنع انتشار الوباء إلى الآخرين.

وحاولت الحكومة أن تجعل الناس يقبلون على ذلك فمنحت لهم الهدايا، وأعلنت المنح المالية لمن يخبرون الحكومة عن مصابي الجدري! وأخذ الناس يعملون في هذا النشاط بحيوية وارتفعت الأموال الممنوحة لهم يوما بعد يوم، والبيانات الطبية التي التقطتها المتطوعون خضعت لتحليل دقيق من جانب الحكومة، وانطلقت زيارات للبيوت بيتا بيتا في كل ستة أيام من الأسبوع. وخضعت زهاء ستمئة ألف قرية وثلاثة آلاف مدينة تحت مراقبتهم الشديدة.

وتبين المصادر أن المعلومات التي جمعوها من جميع مناطق الهند كانت تزن تقريبا 8 أطنان! وواجهت الطواقم الطبية مصائب عدة للتخطي إلى المرحلة المقبلة في تحليل دقيق لهذه البيانات، واستمرت الجهود حتى القضاء علی وباء الجدري من الهند سنة 1975، ولكن الحذر استمر حتى سنة 1977، إذ أعلنت منظمة الصحة العالمية أن الهند محررة من الجدري، ومنذ أن مرت الهند من 1972 إلی 2021 ارتقت كثيرا في مجال التكنولوجيا، حتى إنها حققت إنجازات كبيرة بإرسال الأقمار الصناعية إلى الفضاء وسطح القمر.

يقترحون إذا نقص الأكسجين بفتح النوافذ وغرس الأشجار وتذكر إله البقر الذي يعطي الهواء النقي!

ولكن للأسف نحن نلحظ هنا حكومة تتحير أمام كوفيد-19 وتلقي أرواح الآلاف إلى التهلكة بالسطحية والإجراءات غير الصحيحة، ونشهد مشاهد غريبة! حكماء يأمرون الناس بإضاءة المصابيح ليفر كورونا من البيوت والشوارع! وفي الوقت ذاته، تستمر الاحتفالات الهندوسية التي تحتشد فيها جموع غفيرة من الرهبان الهندوسيين غير مرتدين الكمامات ولا يلتزمون بالتباعد الاجتماعي، وتقف الشرطة مكتوفة الأيادي أمام هذه الأنشطة، وهنا أيضًا مساكين مصابون بالفيروس يضطرون لدفع المال للحصول على اللقاح! ومشاهير يقترحون إذا نقص الأكسجين بفتح النوافذ وغرس الأشجار وتذكر إله البقر الذي يعطي الهواء النقي! وعلماء يبذلون جهودهم لابتكار اللقاحات المضادة من بول البقر، هذه بعض المشاهد الهندية في 2021.

ولا داعي لأن نبحث في الأسباب وراء مصير هذا الوطن ووصوله إلى حالة تفتقد فيها حتى الأكسجين! وحين أتت الهند من رؤية 2020 إلى الحقيقة بدأ العالم يعرف أن الهند في أيادي حكومة تولي بالطائفية وتسير بلا اتجاه.

المصدر : الجزيرة مباشر