السنوار في غزة!

السنوار

ظهر يحيى السنوار رئيس حركة حماس في غزة، يوم الأحد (23 مايو) ليمثل ظهوره صفعة على وجه الموتور نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل!

الأصل، أن ظهور السنوار أو عدم ظهوره لا يمثل دلالة على شيء، لولا أن نتنياهو جعل من أهداف حربه على غزة اقتناص ثاني اثنين: يحيى السنوار و محمد ضيف القائد العام لكتائب القسام، وعندما يفشل في هذا فإنه قد قرر ابتداء أن حربه لم تحقق أهدافها، مع أن التخلص منهما –لا قدر الله– لا يعني أي دليل على انتصاره لأن القضية الفلسطينية “ولادة”؛ شخص يسلم شخصاً، وجيل يسلم جيلاً، وها هي الأيام تثبت أنها قضية عصية على النسيان، رغم كل الخسائر في الأنفس والأموال، ورغم الهزائم المتكررة، تتخلص إسرائيل من الشيخ أحمد ياسين، فيخلفه عبد العزيز الرنتيسي، وعندما تغتاله، لم تتوقف المقاومة!

بيد أن رئيس الحكومة الموتور ظن أن السنوار، أو ضيف، صيداً سهلاً، أحدهما أو كلاهما، فوضع أهداف حربه على هذا الأساس، فيمنى بهزيمة كبيرة، ليس فقد بنجاتهما، وظهور يحيي السنوار في غزة متحدياً آلة القتل الإسرائيلية، فالدلائل على النصر كثيرة، باعتراف النخبة الإسرائيلية نفسها!

وإذا بها تربك حسابات العدو، وتدفع الإسرائيليين للهروب إلى الملاجئ، وتوقف حركة الطيران بها

لقد انطلقت المقاومة مدافعة عن القدس والمسجد الأقصى الذي استباحه المتطرفون اليهود، وبدت قوات الأمن كما لو كانت تستعد لمرحلة جديدة تطوي فيها أي ملامح للوجود الفلسطيني، كما انطلقت دفاعاً عن أهالي الشيخ جراح وهم يتعرضون للتهجير الثاني، وكان واضحاً أن حكما من القضاء الإسرائيلي سيصدر للتأكيد على شرعية طردهم من بيوتهم!

فهددت المقاومة، ثم عندما لم تجد آذاناً صاغية أطلقت صواريخها، التي بعثرت كرامة القبة الحديدية، التي لم تنجح في صد كثير من هذه الصواريخ، ووصلت إلى تل أبيب، وإلى المدن الواقعة تحت الاحتلال، وإذا بها تربك حسابات العدو، وتدفع الإسرائيليين للهروب إلى الملاجئ، وتوقف حركة الطيران بها، لتسقط الدعاية حول قدرة الحكومة على تحقيق الأمان للإسرائيليين، وهي عملية لها من بعدها، عندما ينقشع الغبار وتُلتقط الأنفاس، فظني أن الهروب سيكون كبيراً، فقد رأى الإسرائيليون الموت بأعينهم، وتأكد لهم أن القضية الفلسطينية وإن بدت قد تجاوزها الزمن، بتوافد عواصم عربية للتطبيع مع إسرائيل، فإنها لا تزال حية في نفوس السواد الأعظم من شعب فلسطين وكل أحرار العالم!

وإذا بالمظاهرات العارمة تخرج في عدد من الأقطار العربية، لدرجة أن يحاول المتعاطفون في قطريين عربيين تجاوز الحدود نصرة للشعب الفلسطيني، وتخرج المظاهرات في عدد من العواصم الغربية، تضم عربا وغيرهم من سكان هذا البلاد، في حملة تعاطف مع حقوق الشعب الفلسطيني، لتبدو إسرائيل محاصرة إلا من تصريحات القادة سواء في البيت الأبيض، أو قصر بيليفو في ألمانيا، أو الإليزيه في فرنسا، عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها!

وفي ذروة الحماس يكشف الرئيس الأمريكي عن مكمن الأزمة عندما يقر بأنه لا سلام إلا بإقرار حق إسرائيل في الوجود، فرغم أن العالم كله كان إلى وقت قريب يتعامل على أن إسرائيل هي من تقرر “وجود الغير”، وصارت قبلة لحكام يبحثون عن الشرعية الدولية، بعد أن ضنت عليهم شعوبهم بها، فكان إدراكهم العام، أن إسرائيل هي البوابة اليها، لكن ها هي الحرب تغير من طبيعة الأمر، ليبدأ الحديث كما لو كنا في سنة 1948، عن “الحق في الوجود”، فقد زعزعت صواريخ القسام اليقين في الاستقرار. وقد سبق إلى هذا إقرار نتنياهو بأزمته وشعوره بالحصار لأن الشعوب العربية ضد التطبيع، فرغم هذا التهافت من قبل قادة عرب، إلا أن هذا لم يمنعه من الشعور بالأزمة!

وكأننا نعيد اكتشاف العجلة، ففي إدارة المعارك لا يكون كل القادة وعلى خط النار وتحت القصف

فظهور يحيى السنوار في غزة، ليس أحد علامات النصر، إلا وفق حسابات نتنياهو، لكن أهميته عندي في مواجهة دعاية “المرجفون في المدائن”، من الصهاينة العرب، الذين اعتبروا من وجود إسماعيل هنية في الخارج نضالاً مجانياً مما أسموه فنادق الخمس نجوم، وإذا كان ثمة مأخذ فلم يردده الذين يتعرضون للقصف في الداخل، ولكن ردده من عز عليهم أن تنتصر فلسطين بسلاحها المصنع داخل غزة رغم الحصار، ورغم التجويع، لتحقق نصراً غير مسبوق، لم تحققه الجيوش النظامية من قبل، فماذا لو ساعدت الدول العربية المقاومة بالسلاح والعتاد؟!

وكأننا نعيد اكتشاف العجلة، ففي إدارة المعارك لا يكون كل القادة وعلى خط النار وتحت القصف، فالقرارات تصدرها غرف القيادة، وقد نسبت الضربة الجوية لمبارك، مع أنه لم يقم بها، وكذلك الأمر بالنسبة لقيادات الجيش، وفي قضايا التحرر الوطني، فإن نضالاً جاداً ومؤثراً وكلل بالنجاح قامت به زعامات بالخارج، ومن شارل ديغول الذي ناضل من أجل فرنسا من لندن، إلى الخوميني الذي قاد ثورة ضد الشاة من باريس!

ثم إن إسماعيل هنية ليس في الخارج بإرادته وهو الذي كان في غزة في كل معارك اجتياحها في السابق، وما منعه من الوجود الآن، إلا لأنه مُنع من العودة ولم يمتنع، وهو في الخارج فإن إخوانه يقفون على الأرض، ويديرون واحدة من المعارك المهمة!

ويبدو أنها دعاية منظمة، تكللت بإعلان احدى الفضائيات أن قيادة حماس طلبت خروج أسرهم من غزة، ولم يكن هذا صحيحاً، فأسر القادة كانوا موجودين في كل المعارك داخلها يسري عليهم ما يسري على المواطنين الآخرين، فما الذي يدفع لهذا الكذب الصريح، إلا أن تكون حملة تشهير، وليس مجرد اجتهاد بائس من الذباب الإلكتروني!

لقد قامت الحرب وانتهت، بينما الرجل الأول في حركة حماس بداخلها لم يبرحها، وها هو يظهر في عزاء قائد لواء غزة التابع لكتائب القاسم “باسم عيسى”، والذي باغتياله تأكد أن قادة المقاومة لا يناضلون من فنادق الخمس نجوم، لكنهم يقفون على خط النار فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر!

المصدر : الجزيرة مباشر