أوربا تنتج اللقاحات ولا تجدها!

قبل نهاية عام 2020 خرج أول لقاح فعال ضد كوفيد-19 من أوربا وتحديداً من مدينة ماينز الألمانية ومن معامل شركة بيونتك، ومنذ ذلك التاريخ توجهت أنظار العالم تجاه أوربا، وتساءل الجميع هل يصل اللقاح لدول العالم الثالث أم سيبقى حكراً على العالم الغربى؟

ثم بدأ الاتحاد الأوربي بعد ذلك في تبنى سياسة موحدة تضمن توزيع اللقاحات بالتساوى بين دول الاتحاد، وتمنع أى دولة من دوله من انتهاج سياسة مختلفة فى موضوع اللقاحات. لم يقف الأمر عند هذا الحد بل وعد حكام أوربا بتوفير مليارات الجرعات بحلول عام 2021، وأكدت الشركات المنتجة هذا الكلام وأولها شركة فايزر الشريك الإنتاجى لشركة بيونتك الألمانية، حيث وعدت بقدرتها على توفير مليار وسبعمائة مليون جرعة بحلول الربع الأول من عام 2021.

بدأ عام 2021 ودخل على الخط اللقاح الجديد من شركة أسترازينيكا بالتعاون مع جامعة أوكسفورد، مما زاد الأمال بأن ينتهي الاتحاد الأوربي من تلقيح 70% من شعوبه بنهاية الربع الأول من العام، خاصة وأن عقود الشراء قد أبرمتها الدول بالفعل مع الشركات المنتجة قبل مباشرة الإنتاج، وهذا ما مكن هذه الشركات من سرعة ترخيص لقاحاتها لأن عملية الإنتاج نفسها كانت خالية من أى مخاطرة اقتصادية.

وأدى الإرباك داخل الاتحاد الأوربي أن بدأت بعض دوله بانتهاج سياسة منفردة

انتهى الربع الأول من العام، ودخلت أوربا في صراع اللقاحات، فقد وصلت اللقاحات الأوربية دولاً خارج الاتحاد الأوروبى نفسه وباشرت بالفعل فى تلقيح شعوبها بنسبة تفوق الخمسين بالمائة، وفى الوقت الذي أصبح فيه لقاح فايزر بيونتك عملة نادرة فى بلد المنشأ، كان منتشراً ويتم إعطاؤه فى دول عربية مثل قطر والسعودية والإمارات والكويت.

وأدى الإرباك داخل الاتحاد الأوربي أن بدأت بعض دوله بانتهاج سياسة منفردة خرجت بها عن الإجماع الأوربي المتعلق بسياسة اللقاحات، فوجدنا على سبيل المثال دولة المجر تقوم بترخيص اللقاح الروسى سبوتنيك، ولقاح شركة سينوفارم الصينية وإعطائهما بالفعل لشعبها، مما أحدث تذمراً شديداً داخل دول الاتحاد. ولم يقتصر الأمر على دولة المجر بل اتجهت النمسا أيضاً نفس الاتجاه وتعاقدت على شراء مليون جرعة من اللقاح الروسى رغم أنه لم يحصل على ترخيص من هيئة الدواء الأوربية حتى الآن.

وهكذا تظهر صورة مهترئة لما يسمى الوحدة الأوربية فى مسألة ليست بكل هذا التعقيد هى مسألة لقاحات كورونا، وليست حربا عالمية.

لقد كان واضحاً منذ بداية الإعلان عن أول لقاح ضد كورونا، أنه لا توجد شركة مهما زادت قدرتها الإنتاجية على إنتاج مليار جرعة لقاح فى هذه المدة القصيرة، والتى وعد بها قادة الاتحاد الأوربي فى قمة العشرين. وللوصول لهذه الأرقام يتحتم قيام شركات أخرى بالمشاركة فى إنتاج اللقاحات مع الشركات المنتجة. إلا أن هذا لم يحدث حتى الآن ويبدو أيضاً أنه لن يحدث فى القريب.

فما هى الأسباب التي أوصلت الاتحاد الأوربي إلى هذا النفق المظلم؟

لقد أظهرت تسريبات أن الشركات المنتجة للقاحات قد صدرت كثيراً من إنتاجها إلى دول عربية مقابل ضعف السعر الذى تعاقدت عليه مع دول الاتحاد نفسها. ليس هذا فحسب بل إن الشركات المنتجة ترفض منح حقوق الإنتاج لغيرها من الشركات لإنهاء الأزمة بشكل سريع. فإنه من غير المعقول أن تفى شركة أو شركتان باحتياجات العالم من اللقاحات والتى يجب توفيرها فى وقت وجيز لأن بداية التلقيح واستمراره لمدة طويلة يهدد بكارثة ظهور طفرات شرسة لن يجدى معها أى لقاح بعد ذلك.

وهكذا فإن الغرب يشرب من كأس مبدئه الرأسمالى الذى جعل مقياسه المنفعة لاغير، وتتحطم كل آماله فى القضاء على الجائحة أمام جشع الشركات التى ترفض منح حقوق الإنتاج لغيرها، رغم فداحة الجائحة التى تضرب الدنيا كلها.

إنها الرأسمالية الجشعة التى تأكل اليوم أبناءها، وتحرمهم من الوصول للقاح تم إنتاجه فى بلادهم.

المصدر : الجزيرة مباشر