المعارك المفروضة على أردوغان وحزبه قبل معركة انتخابات 2023

أردوغان

في مطلع عام 2022 ينظر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومؤسساته الحزبية وقواعده الشعبية لهذا العام على أنه عام التحضير لمعركة انتخابات 2023 المرتقبة والحاسمة في تركيا، والتي يحاول فيها كل حزب حصد ما قدم خلال السنوات الماضية لتقديمها في برنامجه الانتخابي ودعايته الشعبية.
فأردوغان وحزب العدالة والتنمية ينظرون لهذا العام على أنه عام المعارك الفاصلة التي فرضت بحكم الواقع وأصبح لزامًا خوضها وعدم تأجيلها قبل المعركة الحاسمة، بل سيكون لزامًا عليهم عدم تأجيلها لأن في التأجيل خسارة كبيرة في الانتخابات القادمة، وفي حالة الانتصار في هذه المعارك الصغرى وتخطي حواجزها سيكون من الإيجابي جدا للرئيس والحزب تحقيق نتائج إيجابية في معركة الانتخابات النيابية والرئاسية في 2023، في هذا المقال سنسرد عددًا من تلك المعارك المفروضة على أردوغان والحزب الحاكم “العدالة والتنمية” وتحالفهم مع حزب الحركة القومية.

واقع الخريطة السياسية التركية:

قبل أيام من انطلاق عام 2022 تشهد خريطة الأحزاب السياسية التركية تغيرًا غير مسبوق عن واقع الانتخابات الماضية مع واقع المشهد السياسي والاقتصادي، فعلى سبيل المثال في الانتخابات الماضية عام 2018 كان الوضع السياسي رغم تعقيداته بعد انقلاب يوليو/تموز 2016 يصب ظاهريًا لصالح أردوغان وحزب العدالة والتنمية المنتصر على الانقلاب الفاشل، وقد انعكس ذلك وقتها على حشد شعبي للرئيس وتحالفه أسفر عن تحقيق فوز كاسح مكّنه لتخطي الانتخابات الرئاسية من أول جولة، ومكن حزب العدالة والتنمية وتحالفه مع حزب الحركة القومية باسم “تحالف الشعب” من تحقيق الأغلبية المريحة في البرلمان.

أما الآن فقد شهدت الساحة الحزبية السياسية تغيرات كثيرة معقدة وعدد من الانشقاقات.

وفق أحدث البيانات المتعلقة بعدد الأحزاب السياسية التركية وعدد أعضائها نشرت من قبل مكتب المدعي العام لمحكمة الاستئناف العليا، -وهو المكتب الذي يحتفظ بسجل الأحزاب السياسية وأبرز التحديثات المتعلقة- فإن عدد الأحزاب تضاعف ليبلغ أكثر من 110 أحزاب من بينهم 27 حزبا فقط في 2020 ومن قبلها 3 أحزاب خلال 2019.

وهذا يعكس مشهد الانشقاقات في التركيبة السياسية والديمغرافية التركية، وهو ما أثبتته انتخابات البلديات الأخيرة.

اقتصاديًا: كان الوضع الاقتصادي التركي وخاصة قبل جائحة كورونا أفضل حالًا من الوضع الحالي بكثير ومؤشرات قوة الليرة التركية كمؤشر يدلّل على تباين الواقع الاقتصادي فباختصار يمكن قراءة الفارق في الرقم 150‎% هو فارق قوة الليرة الحالية عن وقتها مقارنة بالدولار، فقد خسرت الليرة ضعف قيمتها مرة ونصف على الأقل، فضلًا عن مؤشرات اقتصادية أخرى تتعلق بالتضخم والناتج القومي الإجمالي واحتياطي العملة الأجنبية ونسبة البطالة وخط الفقر، وكلها مؤشرات تأثرت سلبًا خلال هذه الأعوام بفعل الحروب الاقتصادية على تركيا، إضافة لجائحة كورونا التي هزت العالم وعصفت بخطط التنمية الاقتصادية ليس في تركيا فحسب بل في العالم كله.

على الصعيد الخارجي كان لتركيا قبيل الانتخابات الماضية معادلات مختلفة في الساحة الإقليمية والدولية وفي ظل إدارة الرئيس الامريكي ترمب كان الوجود التركي في منطقة الشرق الأوسط فاعلًا لا سيما بعد حصار قطر خلال يوليو 2017 وأحداث ليبيا، ثم القوة التركية في أذربيجان وعلى الحدود العراقية السورية، وهو ما بدا متراجعًا وفق حسابات المعادلة الدولية بين قوى الصراع في المنطقة لا سيما مع إعادة ترتيب التحالفات ودخول المنطقة العربية حالة الهدنة والمصالحة كما في الخليج وليبيا ومصر، وهو ما انعكس على الدور التركي الذى بدأ يعيد حساباته الخارجية لتخفيف الحرب الخارجية اقتصاديًا وسياسيًا قبيل انتخابات 2023 المقبلة.

ويمكن أن نقف عند مجموعة من المعارك التي سيخوضها أردوغان وتحالفه الأيام المقبلة لتخطي عقبة الانتخابات المرتقبة والتي ستكون من أصعب الانتخابات التي ستشهدها تركيا في تاريخها وجميع تلك المعارك لا يمكن تأجيلها.

أولًا: معركة التحالف الداخلي وترتيب حزب العدالة والتنمية

وفي هذه المعركة يحاول أردوغان التغلب على تباينات وخلافات داخلية في حزب العدالة والتنمية كما سيكون من الصعب جدًا عليه إحداث تغيرات ترضي الجمهور والناخب التركي لا سيما وأنه مطلوب منه الآن تقديم قائمة جديدة لم يطلها الاغتيال المعنوي من قبل المعارضة ولم توصم بالفساد أو المشاكل السياسية لحزب تخطى حاجز العقدين من الحكم في البلاد ومن الضروري أن يرضى عن هذه الأسماء المرشحة للبرلمان الحليف في حزب الحركة القومية كما يجب أن تمتاز الاختيارات برضى قطاع الشباب الجدد المصوتين لأول مرة في هذه الانتخابات وهي كتلة تخطت 6 ملايين صوت أما فيما يخص اختيار المرشح الرئيسي فيبدو أنها حسمت لدى “حزب العدالة والتنمية” و”حزب الحركة القومية”، إذ يخططان لنقل “تحالف الشعب” إلى الانتخابات المقبلة أيضا وتعتبر إعادة انتخاب أردوغان مسألة منتهية، بحسب تصريحات مسؤولي الحزبين، من بينهم زعيم “الحركة القومية”، دولت باهشتلي، الذي أعلن مؤخرًا أن حليفه أردوغان سيكون مرشحًا لـ”تحالف الشعب”.

ثانيًا: معركة الاقتصاد الكبرى والحرب على الفائدة

رغم المؤشرات الاقتصادية التي أعلن عنها الرئيس أردوغان في خطابه الأخير والتي تشير إلى أن الاقتصاد التركي يتجه نحو الإيجابية والتنمية، إلا أن الخصوم السياسيين يرون التصريحات سياسية وانتخابية، لا سيما مع الانهيار التي شهدته الليرة التركية خلال الأسبوع قبل الأخير من عام 2021 حيث فقدت ضعف قيمتها وتراجعت أمام الدولار لتقترب من 18 ليرة مقابل دولار واحد قبل أن يتدخل الرئيس التركي بحزمة إجراءات رفعت من قيمتها وانعشتها لتتراوح عند 11 ليرة تركي تقريبًا مقابل الدولار.

لكن معركة إعلان الحرب على الفائدة التي أدت في الأساس مع عوامل أخرى لانخفاض قيمة الليرة أمام سلات العملات الأجنبية لم تكن من وجهة نظر أردوغان لتؤجَّل أبدًا فهي معركة حاسمة خاض خلالها عدة معارك مع محافظي البنك المركزي ووزراء المالية، ويراها الرئيس أم المعضلات الاقتصادية وباجتيازها فإنه يخلق اقتصادًا حقيقيًا قويًا وإن كلفه ذلك جهداً ووقتًا وخسارة حالية لكن بتخفيض الفائدة يمكن أن نتحدث عن اقتصاد قوي غير مرهون بالأموال الساخنة والاستثمارات غير الحقيقية.

وكما يبدو فإن هذه المعركة ستكون الأعنف حيث ستخلف مؤشرات اقتصادية مطلوب بشكل عاجل تحسينها على مستوى التضخم وارتفاع الأسعار وتحسين دخل الفرد والقوة الشرائية وفرص العمل وكلها أمور تنعكس على تجاوب الناخب التركي الذي سيشارك في الانتخابات المقبلة.

ثالثًا: معركة تصفير المشاكل الخارجية

لا شك أن جزءا كبيرا من الأزمة الاقتصادية والسياسية للرئيس أردوغان ونظامه في تركيا يدار من الخارج بفعل معادلات القوى الإقليمية والتي حجز أردوغان لتركيا فيها مكانة لا تخطئها عين، لكن احتدام سعير الحرب الاقتصادية والحصار على تركيا يفرض على الرئيس تصفير أو تجميد أو إن صح دخول هدنة مع المنافسين في الخارج ضمن معسكرات المنطقة وقد بدا واضحًا تحرك تركيا اتجاه الخليج العربي بعد اتفاق العلا وزيارة ولي عهد أبو ظبي لأنقرة ولقائه أردوغان.

كما تلعب الخارجية التركية الآن حول تفاهمات مع المملكة العربية السعودية والبحرين ومصر وتعيد حساباتها في ليبيا والعراق وسوريا، وحتى تصريحات الرئيس التركي الأخيرة عن علاقات مع الاحتلال الصهيوني وهو على الأقل لتخفيف الضغوط الدولية الاقتصادية والسياسية في ملفات كثيرة، لكن تصفير هذه المشكلات يبدو مستحيلًا في ظل سياسة تركيا ومواقفها المبدئية ونظرة هذه الدول وأنظمتها للواقع التركي حيث تعتبر بعض الدول ذلك سياسة مؤقتة لأردوغان وهي تسعى أيضًا لمصالحها، ومع ذلك فإن عام 2022 سيشهد جديدًا حول تلك المعادلات إيجابًا وسلبًا ما سيكون أحد انعكاسات الانتخابات المقبلة والتي لا تُعرف مؤشراتها حتى الآن في ظل عدم وضوح المعارضة في تحالفاتها.

رابعاً: معركة الجيل الجديد في الكتلة التصويتية المضافة في الانتخابات

وهي المعركة الأكثر تعقيدًا والأصعب حسمًا وغير المحسومة، حيث يعيش حزب العدالة والتنمية أزمة داخلية بسببها حيث يشارك في الانتخابات المقبلة كتلة تصويتية لن تقل عن 6 ملايين صوت لأول مرة أغلبهم من الشباب وهم وفق المؤشرات شرائح متعددة وقطاع كبير منهم غير راضٍ عن الحزب الحاكم ويطمحون في التغيير كما لا يدينون للحزب الحاكم من عقدين بأي تطور أو تنمية ببساطة لأنهم لم يروا غيره..

وهؤلاء هم رقم حاسم وصعب في الانتخابات المقبلة وقد بدأ الحزب متأخرًا يدرك أهميتهم التصويتية وهو يسعى لكسب أكبر شريحة منهم عن طريق تقديم قوائم بلدية وبرلمانية ووزارية من تلك الشرائح ترضي الشباب الطامح في التغيير والمشاركة الإيجابية.

خامساً: معركة المعارضة ومن بينها الإسلامية وتحالف المعارضة

أمام أردوغان وتحالفه معركة اعتيادية ومتكررة لكنها للأسف معقدة هذه المرة مع بعض الأحزاب الإسلامية الصغيرة حيث يبدو أن تحالفاً معارضًا يدرك تأثر الشارع التركي بالتجربة الإسلامية وهو ينوي الدفع بالإسلاميين في هذه الانتخابات لمواجهة أردوغان وحزب العدالة والتنمية وتحالف الشعب.

وبهذه الكيفية لن يكون أردوغان وحزبه وتحالفه هم الإسلاميون والقوميون الوحيدون وهذا وإن تكرر في الانتخابات الماضية إلا أن الدفع بأسماء لمواجهة أردوغان ذات توجه إسلامي مدعومة من القوميين والعلمانيين وبعض الإسلاميين بل قد تلجأ المعارضة لكسب الأكراد وذلك السيناريو يعزز من موقف المعارضة خاصة إن توافقت كل هذه الأحزاب على اسم إسلامي مقبول لدى القوميين في حزب الخير والأكراد ومدعوم من حزب الشعب الجمهوري بين هذه الاسماء الرئيس التركي السابق عبد الله غول.

ورغم أن هذا الطرح ليس جادًا حتى الآن إلا أن أحزاب المعارضة التركية لم تحسم قرارها بعد حول اسم مرشحها الرئاسي، لتبقى الضبابية حول المنافس متفهمة لعدة أسباب، من بينها تباين رؤية وأفكار كل حزب عن الآخر، بالإضافة إلى الموازين التي تتبدل كل يوم، لاعتبارات تتعلق في جزء كبير منها بتحركات التحالف الحاكم على صعيد التغييرات التي قد تحدث على قانون الانتخابات والأحزاب السياسية، في أو الدعوة لانتخابات مبكرة في المرحلة المقبلة.

وحتى الدعوة لانتخابات مبكرة كما ينادي بها المعارضون هم في الأساس غير مستعدين لها.

فضلاً عن أن هناك دعوات للعودة لنظام برلماني مع خلافات بين حزب الخير القومي المنشق وحزب الشعب الجمهوري حول مرشح مشترك والدفع برئيس حزب الشعب كلشدار أوغلو أم برئيس بلدية إسطنبول أمام أوغلو؟

أما الأحزاب الإسلامية الصغرى مثل حزب السعادة فإنه ورغم كتلته التصويتية الصغيرة إلا أنها ستكون مؤثرة في الحسم مع التحالفات المرتقبة وسيكون لزامًا على أردوغان تفتيت المعارضة وكسب أكبر كتلة تصويتية لصالحه، لا سيما إذا استطاع احتكار الكتلة التصويتية الإسلامية، ليخوض انتخابات أكثر أمنًا لا سيما أن نجح في تقديم مؤشرات اقتصادية ملموسة هذا العام واستطاع تقديم نماذج شبابية وحزبية يرضى عنها القطاع الأكبر من الشباب المصوتين لأول مرة وهم لا يحفظون لأردوغان وحزبه أي فضل كما أسلفنا.

بالإضافة إلى عدم تخليه عن مبادئه التي تكسبه تعاطف الإسلاميين.

ليبقى السؤال المهم: هل سيسعف عام 2022 أردوغان وتحالفه لينتصر في كل تلك المعارك قبل معركة انتخابات 2023 الطاحنة؟

المصدر : الجزيرة مباشر