لماذا التعاطف مع المنصف المرزوقي؟

المنصف المرزوقي

كثيراً ما كنا نسمع في مصر عبارة “الإجابة تونس” منذ أشهر لم تعد هذه العبارة إلا مناط سخرية بعد المشهد المرتبك لأول حصون الثورات العربية تونس.

تونس وثورة الياسمين.. تونس أبو القاسم الشابي (وإِذا الشَّعْبُ يوماً أرادَ الحياةَ/ فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ)..

أبيات يحفظها كل عربي ويرددها كل مواطن

تونس لطفي بوشناق يغني للشعوب “خذوا المناصب والمكاسب.. لكن خلّولي الوطن”.

تونس المنصف المرزوقي الرئيس التونسي المنتخب والحقوقي والمناضل البطل الذي لم يغب عن أي مشهد عربي يخص قضايا الأمة إلا وكان حاضرا فيه.. غابوا جميعاً أو غيبوا لكن المرزوقي شاءت له الأقدار أن يكون حاضراً.

بعدما تعرضت ثورات الربيع العربي لموجة الثورات المضادة وخلفت هذه المعركة أزمات بعضها ما زال قائماً في كثير من البلدان كسوريا واليمن وليبيا كانت تونس ومصر على موعد مع حركات تبدو خاملة كعادة حركة النضال السلمي الذي اتخذته الشعوب منهجاً في الربيع العربي، ومع الأحداث كان لرمزية الصندوق والشرعية الإنتخابية حضور بارز في رمزية تلك الشعوب.

الحاضر في كل المواقف

في مصر وفي العالم العربي بشكل عام اكتسب الرئيس محمد مرسي -رحمه الله- رمزية شعبية حيث تعاطفت مع مواقفه الجماهير ضد ما تعرض له الرجل كأول رئيس مدني منتخب، لكن اختفاء الرجل عن الساحة منذ يوليو 2013 إلا في ظهور شكلى خلف القفص الزجاجي لم يجعل له الحق في التعبير عن كثير من المواقف التى شهدتها المنطقة وإن كانت مواقفه معروفة مسبقة.

الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي كان حاضراً في أغلب تلك المواقف، الرجل ذو السمت البسيط والتاريخ الحقوقي والنضالي ضد حقبة بن علي إضافة إلى رمزية اختياره أول رئيس لتونس الثورة، وما قدمه للحراك التونسي إبان ثورة الياسمين وأبرزما قدم مع السياسيين دستور تونس الجديد، الذي يناضل اليوم ضد أي محاولات لتعطيله.

المرزوقي أثبت أنه يشعر بآلام الشعوب العربية، يعيش آلام المعتقلين، ولما لا وهو الذي اعتقل عام 1994 في عهد بن علي، كما يعيش آلام المنفيين وهو المبعد أيضا في نضاله، كما يؤمن المرزوقي بالنضال السلمي والعمل الديمقراطي وهو الذي شارك في الثورة التونسية السلمية التى أبهرت العالم ضد زين العابدين بن علي، كما تم انتخابه أول رئيس لتونس بعد الثورة، وهو الرجل الحقوقي الذي ترأس اللجنة العربية لحقوق الإنسان، كما لا تنساه القضية الفلسطينية التى عبر عنها بقوة وقتما كان رئيساً لتونس، ومواقفه اتجاه فلسطين وشعبها محفوظة في التاريخ قبل وأثناء وبعد حكمه آخرها موقفه من صفقة القرن والتطبيع الذي قاومه عندما حطت دول عربية رحالها في تل أبيب ما دفعهم إلى وضعه على قوائم المغضوب عليهم والمستهدفين.

الرئيس المنصف المرزوقي الذي تحرك مناصراً للشعب اليمني وداعماً للشعب السوري وكان له موقف واضح من انقلاب حفتر في ليبيا وانقلاب الحوثي في اليمن وانقلاب السودان الأخير، هو أيضا من يترأس مجلس إدارة مؤسسة مرسي للديمقراطية والمعنية بالديمقراطية والحكم الرشيد، لم يغب المرزوقي عن حاضنة الجماهير فكان من الطبيعي أن تكون الجماهير حاضرة معه وحوله في أزمته الأخيره التى يناضل فيها باسمه واسم شعبه لحماية الدستور التونسي الذي قدمه للشعب واضعاً خاتمه الرئاسي عليه.

المتحدث باسم الثورات

ويمثل المنصف المرزوقي ما تبقى من آمال لدى كثير من الشعوب العربية حيث يبقى السياسي الوحيد الذي تقلد منصب رئيس دولة سابق يتخذ تلك المواقف الرافضة لمعسكر الثورات المضادة ليقف وحيداً إلا من دعم الجماهير العربية التى تعاطفت معه، كما يبدو ذلك على الأقل في وسائل التواصل الإجتماعي حيث تصدره اسمه التريند على كل المواقع بعد قرارالرئيس التونسي الحالي قيس سعيد توقيفه وإصدار مذكرة اعتقال دولية بحقه بعد تحويله للتحقيق بدعوى أن المرزوقي تفاخر بقرار المجلس الدائم للفرنكوفونية، والذي أوصى بتأجيل عقد القمة الفرنكوفونية لعام، بعد أن كان من المنتظر تنظيمها في تونس يومي 20 و21 نوفمبر الجاري بجزيرة جربة، ووصفه قيس سعيد بالخائن والمتآمر.

ومن العجيب أن يتم اتهام رئيس سابق بإفشال قمة سياسية دبلوماسية باستخدامه الضغط والعلاقات العامة على دول أجنبية وغربية ثم تطالب السلطات الدول التى اقتنعت بمطالبه -بتأجيل القمة- بتسليمه كمتهم سياسي ليتم سجنه!

فضلا على أن الجميع يعرف حقيقة ما يتعرض له الرئيس المرزوقي بسبب رفضه للإجراءات التى اتخذها الرئيس قيس سعيد والتى عدها انقلابًا مكتمل الأركان في تونس، وكتب “لا خائن إلا من حنث بقسمه وانقلب على الدستور الذي أوصله للحكم وورط البلاد في أزمة غير مسبوقة وجعل من بلادنا مرتعاً لبلدان محور الشر”.

ومن هنا فالمتتبع لواقع الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي يراه لا يزال يتقن الحديث بلغة الثورات العربية ومطالب الشعوب في جميع المواقف التى رفض فيها الانقلابات وانحاز ضد التطبيع وناصر القضية الفلسطينية.. إلخ، وهذا الحال ما يجعل منه عدواً لدوداً لخصوم الربيع العربي وأحد مستهدفات الأنظمة القائمة التى تحاول اقصاءه من المشهد وعدم تقديمه كرمز نضالي لتلك الشعوب المتعطشة للتغير.

ومن هنا فإن انقلاب تونس الدستوري الأخير وما يتعرض له الرئيس المرزوقي من محاولة لإرهابه واسكاته ما هو إلا حلقة من سلسلة الثورات المضادة التى يؤمن المرزوقي وكل الأحرار في تونس والعالم العربي أنها حتما ستزول.

ومن هذا المنطلق ورغم السنوات العجاف وما تعرضت له المنطقة العربية من قمع وثورات مضادة على المستوي الاقليمي والدولي إلا أن دراسات عديدة بعضها منشور من مراكز استخبارتية ومعلوماتية وسياسية دولية وكبرى وبعضها نشر في صحف ومواقع دولية مثل الواشنطن بوست والنيويورك تايمز فإن تلك التقارير تقدم لحكومات المنطقة وفيها تحذير واضح من أن ثمة بركان خامل وصخب واسع في الشارع العربي يوشك أن ينفجر، فالقبضات الأمنية لم تكن إلا حلول مؤقتة لا سيما مع تسارع الأحداث وتغير المنطقة وما يدلل على ذلك هو ما شهدته المنطقة منذ عامين بعد سكون خلفته الموجة الأولى لتنطلق الموجة الثانية في الجزائر والسودان والعراق ولبنان ولا يزال المشهد في تغيرات متتابعة في اليمن وتونس وسوريا وهو ليس عن ما قدمته  تلك الدرسات الدولية ببعيد.

المصدر : الجزيرة مباشر