رسائل بين يدي رابعة

 

إلى الشهداء: قضيتم نحبكم، ووفيتم نذركم، واصطفاكم ربكم، فأحياكم عنده وفرّ حكم ورزقكم، وأراحكم من رؤية هذه الوجوه الكالحة، ومعيشة هذه الأزمات الفاضحة 

هنيئاً لكم فلا خوفٌ عليكم ولا أنتم تحزنون

 إلى الأحرار وراء القضبان يا من تعيشون أسمى معاني التضحية والفداء، إذ الناسُ يغدون ويروحون ولأطايب الطعام وحلو الشراب يتناولون وسط الأهل والخِلاٌن وأنتم تنتظرون طعام جلاديكم من يابس الخبز، وحرٌ الشراب بعد يومٍ طويلٍ شديد الحر، شديد العذاب

 إلى كلِ حُرٍ في زنزانةٍ انفرادية صخريةٍ فولاذيةٍ، لا يعرف فيها الليل من النهار، ولا المغرب من الأسحار، ظلامها كظلام القلوب السود التي حبستكم أيها الأطهار، طعامكم الصبر، وشرابكم اليقين، وزادكم الأُنس بالله، تواجهون من أخذتهم العزة بالإثم والبغي بصدورٍ ملؤها العزة بالله

   إلى كلِ أمٍ مكلومةٍ غَيٌبَ الظالمون فلذة كبدها في الثرى
 إلى كلِ أرملةٍ محزونةٍ سُفِكَت دماءُ زوجها وسط صمت الوري

 إلى كل طفلٍ يتٌموه يقف أمام بيته ككل الأطفال ينتظر أباه ليأخذه في أحضانه ويطبع قبلةً علي جبينه ويعطيه ما أحضره له مما يحب ولكن يطول انتظاره ويدخل الآباء مع الأبناء إلي بيوتهم حيث البهجة والفرحة، وهو يدخل بالدمعة والحسرة، يُبادلُ أمه النظرات بالعَبَرات، وينقلب المشهد إلي نحيبٍ وبكاء، وتحتضن الأم طفلها (ثمرة الشهيد) وبدل أن تطبع علي جبينه القبلات تكتب عليه الكلمات

“كُن رجلاً كأبيك”

  إلى المُهَجَرين من أوطانهم..  إلى المفصولين من وظائفهم وجامعاتهم… إلى التاركين بيوتهم…  إلى المُغَلٌقَةِ شركاتهم، المُضحين بمصالحهم، المجاهدين بأموالهم، إلى التاركين خلف ظهورهم مراكز اجتماعية شيدوها على مَرٌ السنين ولكنهم باعوا لله فاستبدلوا الترف بالشظف انحيازاً للحق وطلباً للعدل، ومازالوا على عهدهم لا يطلبون لأنفسهم شيئاً ولا يبغون عن دعوتهم وثورتهم حِوَلاً، وأقسموا بالله أنه قد ربح البيع

إلى كل هؤلاء صبرتم وأديتم ووفيتم والله ناصركم، ولن يَتِرَكم أعمالكم.

  إلي كل قيادةٍ وثق بها كلُ هؤلاء الأحرار ، وألقوا إليها السمع والأبصار ، وساروا خلفها ، وما فكروا في مخالفتها ظناً منهم أنها تملك الرؤية ، وتسير وفق خطة ، ولا تُسند الأعمال إلا لكل ذي  كفاءة ، ولا يصدر عنها شيء إلا عن دراسةٍ وبصيرة فالتمسوا لها الأعذار رغم ما يرون من أخطاء ،  وينقشع الغبار أو يكاد عن جثثٍ وأشلاء ، وآهاتٍ ودماء ، وصرخات وانتهاكات، وسجونٍ ومعتقلات… فيطالبون قيادتهم هذه بمراجعة الأخطاء وتدبر قول الله تعالي لأهل أُحُد (قل: هو من عند أنفسكم) ، بعد أن قال لهم  (حتي إذا فشلتم ) ، ولم يحدثهم الله عن حجم المؤامرة عليهم،  وتربص الدنيا بهم، فيعلقون فشلهم في رقبة المؤامرة كأنهم كانوا ينتظرون من عدوهم أن يقابلهم بالورود والرياحين ،

 فهل يُرجى من هؤلاء الاعتراف بالأخطاء والاستفادة منها واستلهام الدروس ، وتصويب المسارات ، وعدم مغالبة سنن الله في الأخذ بالأسباب وإنفاذ أمره بالشوري ، وتوسيد الأمور لأهلها، وإرساء قواعد الشفافية والمحاسبة والتداول وفق رؤية واضحة المعالم واستراتيجية محددة المراحل  وخطة معلومة الأهداف، أم يظلون مستمسكين بالأخطاء ، كارهين للنقد،  مستعصين على النصح ، غارقين في الوهم ، سمٌَاعين لأهل التبرير ، مستمتعين بهواة التطبيل، متمسكين بمواقع علمت الدنيا كلها فشلهم فيها وإخفاقهم في استحقاقاتها ، أم يظنون أن الله يحابى أحداً في سننه !!

أَفَلا يخشون سنته في الاستبدال؟

إلى كل شركاء الثورة الذين هاجروا أو هُجِروا وطال عليهم أمد الثورة فقست قلوبهم على إخوانهم فصاروا فرقاء بعد أن كانوا شركاء، وحلت بهم حالة سوء الظن والتربص بدلاً من سلامة الصدر والتثبت والتريث، ونسوا ما أخرجوا من ديارهم لأجله ومازالوا يدفعون ثمنه  

أَمَا آن لكم أن تَرِقَ قلوبكم لإخوانكم وتتنازلوا عن حظوظ أنفسكم وتجتمعوا على كلمة سواء أم تظلون على هذه الحال من التشتت والتشرذم والتخاصم على وَهم بدل الاجتماع على الحق       

حول مشروع واحد هو استنقاذ وطنكم وتحرير أسراكم الذين يقتلهم هذا النظام الجهول الغشوم الظلوم      

ثم إلى كل الطغاة والبغاة وأعوانهم.. لا يغرنكم حلم الله عليكم فإنما هو إمهالٌ وليس إهمالاً، واستدراجٌ وليس استدراكاً، وإنما عَمِيت بصائركم لسوء طواياكم وبشاعة فِعالكم، فَحِيل بينكم وبين تدبر مهالك البغاة ومصارع الظالمين،

 وإن كانت لكم جَولة فإنما الأيام دُوَل (وتلك الأيام نداولها بين الناس) وعما قريب سيأتيكم الله من حيث لم تحتسبوا، وستكون كلمة الله..  كلمة الحق هي العليا، وكلمة الباطل كلمتكم هي السفلي

(والله غالبٌ علي أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون)

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه