حفتر بين التكتيكي و (التوماتيكي)

منذ بدء عملية التحرير التي يقودها ثوار ليبيا تحت قيادة الحكومة الشرعية في طرابلس منذ الرابع عشر من أبريل الماضي، والانتصارات تتوالى بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل صمود الثوار وقوات الدفاع عن العاصمة طرابلس وما حولها، ولا يمكن أن ننكر فضل الصديق التركي الذي ومنذ اللحظة الأولى وعد بالدفاع عن الحكومة الشرعية في مواجهة المنقلب خليفة حفتر والأحزاب الداعمة له من شرق الدنيا وغربها.
ورغم مرور ست سنوات منذ ظهر حفتر على ظهر الدبابة الفرنسية الممولة إماراتيا والمدعومة بمستشارين مصريين وخبراء روس إلا أنه فشل مثله مثل كل الجنرالات الفشلة أو الخونة إن شئت في تحقيق ما وعد به من اقتحام طرابلس وإلحاق الهزيمة بالثوار الذين تعرضوا للخيانة غير مرة.

في كل مرة كان حفتر يظهر فيها مرتديا بزته العسكرية الضخمة والفخمة معلنا عن بدء مرحلة الحسم في ليبيا كنت أشعر بطمأنينة عجيبة وسكينة تسري بين أضلعي لأنني خبرت الجنرالات وعرفت طريقتهم وخصوصا الذين لم يخوضوا حربا في حياتهم الممتدة لأربعة عقود أو أولئك الذين خاضوها وخسروا وأسروا كخليفة حفتر نفسه.

استبدال حفتر:

لم يف حفتر بوعد وعده، ولا عهد قطعه قط، اللهم إلا التوحش في قتل المدنيين والتنكيل بالخصوم والظهور المتكرر لحفتر تارة بالزي العسكري وتارات أخرى بالزي المدني، ولست أظن أنه قادر على الوفاء بالعهود يوما ما وذلك لأنه صنيعة قوى خارجية ستسخدمه لبعض الوقت ثم تأتي بآخر متعطش إلى السلطة والثروة وهكذا دواليك.

 الظهور المتكرر للخاسر الأكبر خليفة حفتر كان دائما مصحوبا بظهور جنرال آخر هو عبد الفتاح السيسي الذي لطالما دافع وبشراسة عن دعمه للانقلاب في ليبيا، ودافع عن القتل الوحشي للمدنيين وقصف المباني والمنشآت المدنية لشعب ليبيا في طرابلس، بل إن السيسي دعم حفتر بالعتاد والعدة بالخبراء والمقاتلين ولم يستح عن فعل ذلك لأنه كان يعتقد أن التحالف مع جنرال خاسر هو مسألة أمن قومي واليوم يبكي حفتر ورفيق دربه السيسي دما بعد أن هزموا جميعا هزيمة منكرة أو نكراء اختر ما شئت.

كان ظهور السيسي وبن زايد وحميدتي (السودان) وبوتين روسيا وماكرون فرنسا في خلفية المشهد الداعم لحفتر مثيرا لنقمة وغضب الشعوب التي لم يؤخذ رأيها في دعم هذا المجرم، ومثيرا للشفقة أيضا حين استطاعت ليبيا بدعم تركي واضح وصريح ومشروع أن تقهرهم جميعا وأن تعيدهم إلى كهوف النسيان مبتلعين ألسنتهم فلم تسمع لهم حسا ولم تحس منهم أحدا.

المسماري.. الصوت النشاز:

اختفى الجمع وولوا الدبر وخرصت ألسنتهم الإعلامية الا صوت نشاز  هو صوت اللواء اركان حرب أحمد المسماري الذي ظهر على مسرح الأحداث كظهور أحمد العسيري المتحدث السابق باسم قوات تحالف غزو اليمن والذي جاء اسمه ضمن فريق الاغتيالات الذي أشرف على ذبح الشهيد جمال خاشقجي بعد توليه منصب رئيس الاستخبارات عند محمد بن سلمان .

أحمد المسماري اشتهر ليس كمقاتل عسكري بل كصاحب أشهر تعبير مخفف للهزيمة النكراء التي منيت بها قوات حفتر والمرتزقة الداعمة لها …(انسحاب تكتيكي ). والحقيقة أن وصف الهزيمة بالانسحاب التكتيكي ممكن أن يكون مقبولا أو مبلوعا لمرة، ولكن أن يعيده مرة ومرات فالأمر أصبح أشبه بالنكتة السمجة التي يضحك الناس شفقة على صاحبها الذي لم تسعفه مفردات اللغة لكي يعلن بطريقة عسكرية محترمة أنهم فقد وجودهم في الغرب الليبي على غرار ما نشرته قناة “العربية” من أن قوات حفتر تفقد جزءا من الأراضي الليبية بدعم تركي …

 والصواب في المقابل هو أن حفتر ومرتزقته خسروا الأراضي التي استولوا عليها بدعم من المصريين والفرنسيين والإماراتيين والسعوديين والسودانيين، ولو صبروا قليلا للحق بهم مرتزقة بريطانيين كما ذكرت بعض التقارير.

ولو صدقنا المسماري وهذا لقبه وليس من قبيل الوصف أن الانسحاب كان تكتيكيا في المرة الأولى فماذا عن المرة الثانية والثالثة وربما الرابعة إن شاء الله؟

هذا ما دفعني لكتابة تغريدة قلت فيها بالنص ( انسحاب توماتيكي مش تكتيكي لقوات المنقلب حفتر من مطار طاربلس … عقبال الانسحاب ( التام- وتيكي) من عموم ليبيا ويكون توماتيكي برضه) فما الفرق بين الانسحاب التكتيكي والانسحاب الأوتوماتيكي (توماتيكي)!

الانسحاب التكتيكي يعني تراجع للخلف بهدف إعادة تجميع القوات وتهيئتها لخوض مرحلة جديدة من المعارك … وهذا متعارف عليه، وكثيرا ما نجح قادة عسكريون كبار بفعل ذلك كعملية نقل جزء من القوات من إحدى الجبهات والإيحاء للعدو بذلك في حين أن الهدف نقلها لجبهة أخرى أو نقطة أخرى يصعب على العدو الدفاع عنها.

أما ما أسميته بالانسحاب الأوتوماتيكي (توماتيكي ) فهو أن تقنع نفسك والآخرين بأنك تنسحب بغرض إعادة الهجوم من جديد، فتجد نفسك تواصل الانسحاب للخلف بطريقة أوتوماتيكية غير مسيطر عليها وهذا يسمى الانسحاب الفوضوي كما حدث في حرب الخامس من يونيو عام 1967 إذ سادت الفوضى بين القوات المصرية المنسحبة مما أدى إلى خسائر هائلة في ظل خلافات شديدة بين القيادة العسكرية والسياسية آنذاك.

ما أحلى الرجوع:

نسي المسماري أن يسمي الأشياء بأسمائها ويعلن على الملأ الانسحاب (التوماتيكي) مش اليدوي لأن الأمر على ما يبدو لي قد خرج من بين أيديهم جميعا خصوصا مع لجوء حفتر إلى القاهرة وإعلان تراجعه عن التفويض الذي منحه لنفسه والذي بمقتضاه لن يتفاوض ولن يعترف بأي تسويات سابقة وإذا به يخرج اليوم السبت 6 يونيو معلنا الرجوع ( ما أحلى الرجوع )، ولكن للأسف فإن حكومة الوفاق كانت أعلنت قبل يوم من تركيا أن القطار قد مضى وأن على حفتر ركوب سفينة الصحراء إن أراد العودة ولن يعود .

 يوم السبت 6 يونيو 2020 يخرج حفتر ومعه صالح عقيلة والكفيل عبد الفتاح السيسي في مشهد تمثيلي رخيص ليعلنوا جميعا هزيمتهم وعودتهم إلى التفاوض وهم يعلمون أن الليبيين قد أسقطوا هذه العصابة من حساباتهم وأنه لا يحيي الموتى إلا الله … فالبقاء لله .

منظر السيسي وهو يتحدث لا يقل سوءا عن حفتر وسواد الهزيمة يكسو الوجوه والقلق والحزن يعم المكان الذي هيئوه بصورة فخمة لكي يخفف من كسرة الخاطر التي لا تخطئها العيون.

خسر السيسي وخسرت مصر الرهان على جنرال ضعيف لا يأتي بخير، وضيع السيسي على مصر فرصة تاريخية لدعم الشعب الليبي وبناء شراكة معه من أجل المستقبل.

المؤتمر الصحفي فضيحة عالمية ومحاولة يائسة و (حمضانة) للتغطية على الهزيمة، والحمد لله على أن شيطانهم هداهم إلى هذا التفكير (البايت) والمستهلك كثيرا.

وإن شاء الله العقبى في بنغازي ويكون انسحابا تكتيكيا بجد ينتهي بحفتر وقواته في أبو ظبي وتل أبيب والرياض وعند السيسي.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه