المال الضائع: أين تذهب أموال قناة السويس.. وبقية الإيرادات؟!

قناة السويس

وهذا يعني ان 25 ألف موظف فقط في قناة السويس ينفقون أكثر من مليون موظف في وزارة التعليم، بفرض صحة عدم تسرب إيرادات القناة الي جهات سيادية بعينها.

 

باتت ارقام مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد لغزا كبيرا لكل المحللين الاقتصاديين، حيث استمر الإصرار الحكومي في الاعتماد علي الجباية الضريبية، والمبالغة في حصيلتها التقديرية، والقفز على اثار جائحة كورونا والتي تسببت في توقف القطاع السياحي وقطاع الطيران، وانخفاض تحويلات العاملين في الخارج، وتباطؤ قطاع التشييد والبناء، دعمه قرار الحكومة بإيقاف تراخيص البناء لمدة ستة أشهر، والذي لم تراعِ فيه الحكومة مساهمة القطاع بما يقارب خمس معدل النمو في البلاد، وأنه يتشابك مع أكثر من 80 صناعة اخري تتوقف على نشاطه وتوسعه.

كما تصر الحكومة على تحصيل مبالغ ضئيلة من بعض القطاعات الأخرى التي تمول الخزانة العامة بما يسمي الإيرادات غير الضريبية، والتي من المتوقع أن تبلغ اجمالي تمويلها للخزانة العامة 322 مليار جنيه، تشكل 24% تقريبا من اجمالي الإيرادات العامة.

بنود محيرة:

ورغم أن كل بند من بنود الإيرادات الضريبية يحتاج الي تدقيق ومراجعة، إلا أن بنود الإيرادات غير الضريبية جاءت محيرة تماما، وعلى راسها الحصيلة المتوقع سدادها للخزانة العامة من قناة السويس، والتي قدرتها وزارة المالية بحوالي 33.5 مليار جنيه، انخفاضا عن 36 مليار جنيه توقعتها وزارة المالية كحصيلة في العام المالي الحالي.

وقد حققت القناة إيرادات اجمالية بلغت 5.9 مليارات دولار، خلال عام 2019، بما يقارب 97 مليار جنيه، وعلى فرض سعر صرف 16.5 جنيه للدولار الواحد، وذلك يعني أن هيئة القناة تورد ثلث الحصيلة فقط الي وزارة المالية، ويؤكد تتبع إيرادات قناة السويس، وحقوق وزارة المالية منها أن توريد الثلث من حصيلة القناة (اقل من 2 مليار دولار) تقريبا هو المعمول به خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يعني ببساطة أن الموازنة العامة تحتاج الى أربع سنوات كاملة لكي تسترد ما انفق علي مشروع التفريعة الجديدة، وأن الإيراد الصافي للقناة بعد خصم أقساط تكلفة التفريعة هو صفري حتى الان، هذا علي فرض استبعاد أقساط القرضين الدين اضطرت هيئة القناة لاقتراضهما لسداد مستحقات شركات الحفر.

توالي تحصيل الموازنة العامة ثلث إيرادات القناة فقط يفتح باب التساؤل المشروع، حول أين تذهب بقية إيرادات القناة، وكيف تتسرب خارج الموازنة العامة للدولة، وهل من المنطقي أن تنفق الهيئة ثلثي الإيرادات (حوالي 60 مليار جنيه تقريبا) على مصروفات التشغيل، وأجور ومكافآت العاملين الذين يبلغ عددهم 25 ألف عامل فقط طبقا لتصريح اللواء مميش الرئيس السابق للهيئة، والذي نفى سابقا أن تكون هناك أي مخصصات من إيرادات القناة تذهب الى جهات سيادية بعينها، أو الى رئاسة الجمهورية، وأكد أن جميع الإيرادات تذهب الى الموازنة العامة للدولة.

الغرائب:

وللمقارنة فان وزارة التربية والتعليم يعمل بها حوالي 1.7 مليون، وبلغت كامل مخصصاتها للعام المالي الحالي 132 مليار جنيه، تلتهم الأجور 80% منها (105 مليار جنيه)، وهذا يعني أن 25 ألف موظف فقط في قناة السويس ينفقون أكثر من مليون موظف في وزارة التعليم، بفرض صحة عدم تسرب إيرادات القناة الى جهات سيادية بعينها.

ولم تتوقف غرائب حصيلة الإيرادات غير الضريبية عند حصيلة الخزانة العامة من قناة السويس، بل جاءت حصيلة الخزانة المتوقعة من المناجم والمحاجر بقيمة مليار جنيه للعام المالي الجديد نزولا عن 1.6 مليار جنيه في العام المالي الحالي لغزا يصعب فهمه كذلك، حيث حصلت الهيئة العامة للثروة المعدنية، على نحو 87.1 مليون دولار ، أي 1.4 مليار جنيه تقريبا (بسعر صرف 16.5 جنيه للدولار) من شركة سنتامين مصر للتنقيب عن الذهب، أرباحاً عن منجم السكري خلال عام 2019، بما يعني أن حصيلة منجم واحد فقط وهو منجم السكري هو الذي يمول الخزانة العامة للدولة بينما لا يعرف أحد أين حصيلة باقي المناجم والمحاجر في مصر، ولمن تسدد إيراداتها علي وجه التحديد.

ومن الجدير بالذكر أنه توجد شركتان لإنتاج الذهب تعملان في مصر حاليا، هما سنتامين الأسترالية في منجم السكرى، وماتزهولدنج القبرصية والتي تعمل في منجم حمش، ووفقا لاتفاقيات إنتاج الذهب، يتم تأسيس شركات مشتركة بين الهيئة العامة للثروة المعدنية والشركة الفائزة بحق امتياز الاستكشاف والإنتاج، حيث تم تأسيس شركة السكرى لمناجم الذهب عام 2005 وهى شركة مشتركة بين سنتامين الأسترالية والهيئة، بناء على اتفاقية بين الشركة والحكومة عام 1994.

وبحسب الاتفاقية الموقعة بين الحكومة و«سنتامين» عام 1994، فقد قامت الشركة بتمويل مراحل تنفيذ وتوسعات المشروع واستردت نفقاتها بالكامل من عائد بيع الذهب، ثم أصبحت تقتسم الأرباح بواقع 55% للحكومة المصرية منذ عام 2016/2017، إلى جانب التزامها بسداد الضرائب، و3% إتاوة.

وثالث الأمثلة على غياب الشفافية عن الموارد غير الضريبية، هو توقع وزارة المالية لحصيلة بقيمة 6.7 مليارات جنيه من صافي أرباح شركات قطاع الأعمال العام للخزانة العامة، فاذا علمنا أن عدد الشركات التي تتبع قانون قطاع الاعمال العام رقم 203 لسنة 1991، يبلغ نحو 228 شركة، يعمل بها 450 ألف عامل وموظف، لزاد تعجبنا من هذا المبلغ الهزيل الذي يورده هذا العدد الضخم من الشركات للموازنة العامة للدولة.

المأساة:

إن مقارنة الحصيلة الهزيلة لهذه الشركات مع العائد المتوقع لبيع أراضي شركة واحدة وهي القومية للأسمنت والتي قرر مجلس ادارتها تصفيتها مؤخرا، وأعلنت عن بيع 2.5 مليون متر للنشاط السكني بقيمة 4 مليارات جنيه، يوضح حجم المأساة التي تعيشها الموازنة العامة المحرومة من عناصر الإيرادات لهذا العدد الضخم من الشركات.

وأخيرا كان القرار الحكومي بخصم 15% فقط من إيرادات الصناديق الخاصة والتي قدرت الحكومة حصيلة الخزانة العامة منها بحوالي 7.5 مليارات جنيه فقط، ولنا ان نتخيل ان أكثر من 100 مليار جنيه تقريبا تجمع من المواطنين، توزع منها 85 مليارا على اهل الحظوة وبدون أي رقابة او شفافية او مراجعة، وتحرم الحكومة نفسها والشعب من باقي المبلغ، في الوقت الذي تتوسع في الاقتراض الداخلي والخارجي لسداد عجز موازنتها.

التحليل السابق لأمثلة من عناصر الإيرادات غير الضريبية يوضح أسباب تهافت هذه العناصر في الإيرادات العامة، وسيطرة الإيرادات الضريبية على ما يزيد عن 75 % منها، وأن العجز المزمن في الموازنة العامة للدولة والقروض الداخلية والخارجية ستبقي في ازدياد، طالما لم توجد إجابة واضحة على سؤال أين تذهب هذه الأموال؟

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه