عودة محمد علي.. هل يعمل لصالح جهة ما؟!

 

عاد الفنان والمقاول محمد علي مرة أخرى للمشهد!

فمؤخراً أعلن عودته عبر رسائل البث المباشر على صفحاته بمواقع التواصل الاجتماعي، وفي الموعد الذي أعلنه يوم الأحد الماضي، أول أيام عيد الفطر المبارك، عاد  بفيديو ينتقد فيه الأداء الحكومي في مواجهة جائحة كورونا، وقد أرجع السبب في انتشار المرض لممارسات الدولة وتقصيرها في مواجهته منذ البداية مقارنة بالإجراءات الواجب اتخاذها على النحو الذي تم في دول أخرى استطاعت التحكم في أعداد المصابين، ومؤكداً أن السبب ليس قلة وعي الشعب المنشغل بالبحث عن لقمة عيشه، ومنتقدا التفرقة بين فئات الشعب في تلقي العلاج والاهتمام.

وقد رحب الكثيرون بتلك العودة بعد إعلان “محمد علي” اعتزاله للعمل السياسي بعد أزمة يناير ، حيث وعدت بعض تيارات المعارضة مشاركته في الدعوة للنزول للتظاهر في ذكرى يناير وحلحلة الوضع المتجمد، والتي خذلته ليعلن على أثرها اعتزاله للعمل السياسي وهو نفسه الذي أعلن مرارا أنه ليس رجل سياسة، وإنما هو مواطن غيور على بلاده وأهلها الذين طحنهم النظام في دائرة الجوع والفقر والمرض والجهل .

 وعلى صعيد آخر كانت هناك أصوات استقبلت عودته بسخرية كبيرة متهمة إياه بالضعف وانعدام الرؤية واللعب بعواطف الشعب، بينما هو في الحقيقة لا يملك حلا، ثم يُسمع صوت متهما إياه بأنه جزء من وظيفة محددة له ولغيره لامتصاص حالة الغضب المكبوت داخل الشارع المصري والتي تتنامى يوما بعد يوم، فأين هي حقيقة محمد علي؟ وما هي ملابسات عودته وحيثيات بقائه؟ ومن المستفيد من إبعاده عن المشهد وإسكاته للأبد؟

مهمة محمد علي

من هو محمد علي؟ وما الجهة التي أتت به فتظهره وتغيبه وقتما تريد؟ وما المهمة الموكولة اليه؟ هل هي مهمة التخفيف من الضغط الواقع على الدولة في فشلها؟ ليقوم بعملية تنفيس للتقليل من تبعات الغضب المكبوت والذي يمكن أن ينفجر في أي وقت؟ تلك وغيرها تساؤلات كثيرة طرحها المتابعون مع ظهور الرجل ثم بعد انسحابه واتهامه بالعمالة وتنفيذ ” مهمة ” لصالح جهة ما، وأن هذه الجهة جزء من صراع أجنحة داخل المؤسسة الأمنية في مصر.

 ولست هنا في خضم الدفاع عن محمد علي وإثبات براءته من تهم تعرض لها، أو إثبات إدانته بعد انسحابه من المشهد السياسي، إنما لعرض حالة من ردود الأفعال الأغرب مع ظهور كل متحدث ضد الحكم الانقلابي الجائر، ومحاولة إلصاق مجموعة من التهم التفصيل الجاهزة بصورة عجيبة توحي وكأن الجميع على توافق على بقاء الوضع على ما هو عليه، بالهجوم الحاد على تلك الأصوات وكأن مقاومة الانقلاب لا يجب أن يقوم بها إلا فصيل بعينه، شرط أن تكون في الوقت الذي يريد، وبالكيفية التي يحددها.

والحقيقة أنه سواء كان محمد علي يتبع جهة “ما” تحركه في وقت معين، أو أن الرجل مجتهد تحرك برد فعل فردي للظلم الذي تعرض هو نفسه له فخرج بعفوية من دون تنظيم، ولا تخطيط، ولا ظهير شعبي أو غير شعبي، وظن أن الطريق ممهد لحراك قد يساهم بشكل كبير في إسقاط الانقلاب، فكل صوت يساهم ولو في قلق لهذا النظام مطلوب، وأن كل جهد هو واجب، ولو كان مجرد فيديو يفضح ممارسات يعرفها الجميع ولا يستطيعون التعبير عنها مع القبضة الأمنية الشرسة التي تتعرض لها البلاد، علاوة على الجائحة العالمية التي أظهرت الفشل الكلي في قيام الدولة بدورها تجاه مواطنيها، وترتيبهم لديها في سلم أولوياتها، الحقيقة أن مهمة “علي” أو غيره يجب أن تثمن من كافة الأطراف التي تحرص على تغيير الوضع القائم ولو قيد أنملة كي يتنفس الناس، ويعلموا أن هناك أملا، وأن هناك من يبحث عن حل ويستطيع التكلم، بينما هم منهمكون في استجلاب أسباب بقائهم على قيد الحياة بصعوبة وعناء.

أين المعارضة الفعلية منذ 2015

إن سؤال من وراء محمد علي يطرحه الغاضبون والمشككون في كل صوت يعارض من خارج بوتقة المعارضة القديمة تحت راية الشرعية ، والتي اختفي صوتها تماما في 2015 بعد عدة اعتصامات في المطرية وعين شمس عجز النظام عن فضها أو حتي الاقتراب منها، وتم فضها بقرار، توقفت بعده المسيرات التي كانت تجوب شوارع مصر كل يوم تقريبا، وتحول الإعلام في الخارج لمعارضة ناعمة مستأنسة، دورها التطبيع مع النظام باتخاذ موقف المعارض من الحكم، وليس موقف المناوئ له، وتحولت البرامج الثورية لبرامج اجتماعية، وكأنه لا يوجد وطن مغتصب، ولا عشرات الألوف من المعتقلين ينتظرون الخلاص، وتم الموت الفعلي لتلك القنوات إلا من أصوات متناثرة هدأت بعد عاصفة، وسكنت بعد حراك، وانعكس عليها وقف الحراك بوقف الفكرة الثورية ككل، لتتوقف عند ملاحقة أي صوت يخرج منفرد، وكيل الاتهامات له وتعجيزه ومطالبته  بما لم تقدر عليه تلك المعارضة لسنوات.

 إن المصيبة الكبرى هي في الطلب من فرد أن يسقط نظاما لن يسقطه إلا حراك شعبي كلي مدعوم بحراك خارجي على التوازي يخفف الضغط الواقع على الشعب المصري، ولن يحدث كل هذا إلا بمعركة توعية كبيرة تتضافر فيها كافة الجهود للوصول لكافة شرائح المجتمع التي يمثل محمد علي أهمها، وهي فئة الشباب والبسطاء من الناس الذين يريدون حديثا مبسطا من شبيه لهم، حتى ولو كان مقاولا يعمل مع الجيش، يعرف خباياه، ويتحدث بلغة يفهمونها.

الاتهامات

 من الغريب أن يهاجم أصحاب الطرف الواحد بعضهم بعضا، هذا إذا كانوا في نفس الطرف، ومن الغريب أن لا تقبل معارضة إلا تحت مظلة واحدة، ومن الغريب أن نقدم نماذج لا تقل في تشوهها عن النظام نفسه في عدم قبول الآخر بينما الساحة تسع الجميع، والقضية أكبر من أن يتحملها فصيل، وكل نقطة مياه تهبط بانتظام على حجر يمكن أن تقصمه إن هي استمرت .

 فبدلا من البحث عن اتهامات لكل صوت معارض، والبحث عمن وراءه، يجب دعمه لتكتمل عملية التوعية الشعبية، وتتبلور لتصل لعمل إيجابي يمكن أن يبنى عليه حراك مؤثر يلفت انتباه العالم الذي ينتظر تغييرات كبري خاصة في ظل كورونا، فلمصلحة من تتم ملاحقة الأصوات المعارضة بالاتهام والتشويه؟ ولمصلحة من يجب أن يسكت الجميع؟ ومن وراء تلك الحملات شبه المنظمة؟

إننا إن استطعنا تقديم إجابة عن هذه التساؤلات، فلسوف نعرف وقتها من هي هذه الأطراف، ومحل كل طرف من الإعراب.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه