بصقة القرن

بدلا من مواجهة بني وطنه الأمريكان والمثول أمام اللجنة المعنية بإجراءات عزله قرر دونالد ترمب القفز في الهواء مصطحبا معه بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني المحاصر هو الآخر من بني جلدته الصهاينة بسبب فضائحه المالية التي زكمت الأنوف، عدا أنفه المشحون بالعنصرية والملوث بفيروس الكراهية والعداء للإنسان العربي وخصوصا الفلسطيني.

الهارب من الجحيم:

 وقف ترمب الهارب من جحيم محاكمته على سوء استغلال منصبه معلنا عن خطته العظيمة! والتي استغرقت ثلاث سنوات قضاها جاريد كوشنر زوج ابنته ايفانكا مع شركائه والذين ظهر منهم على السطح مؤخرا وبعد بيان ترمب مباشرة كل من عبد الفتاح السيسي ومحمد بن سلمان إضافة الى محمد بن زايد وملك البحرين وسلطان عمان السابق.

 الخطة التي صورها ترمب ونتنياهو ومن ورائهم السيسي وبن سلمان وبن زايد على أنها صفقة القرن هي خطة تصفية القضية تماما، فلا قدس ولا أقصى ولا أرض ولا عودة للاجئين ولا أي اعتبار للقرارات الدولية ولا دولة ولا مطارات ولا موانئ ولا غاز ولا نفط بل يكفي الفلسطينيين أن الصهاينة سيسمحون لهم بالبقاء على قيد الحياة. هذه هي صفقة القرن التي وصفها أبو مازن بصفعة القرن وأعتقد أن هذا الوصف غير مناسب فالوصف الحقيقي هو بصقة القرن.

المشكلة الأهم أن هذه الصفقة، وكما صرح جاريد كوشنر وصهره ترمب، قد استمر طبخها حوالي ثلاث سنوات، أي أنه ومنذ وطأت أقدام ترمب البيت الأبيض كان أمر الصفقة مرتبا لذا فقد أعلن ترمب عن تعيين زوج ابنته اليهودي تاجر العقارات وابن رجل أعمال سجن بسبب الرشاوي لكي يبدأ مهمة تصفية القضية بعيدا عن عيون أصحابها ولكن ومن دون أدنى شك ليس بعيدا عن عيون وآذان الإمارات والسعودية ومصر.

ففي العام 2017 وأثناء زيارة السيسي للبيت الأبيض أعلن وبكل فخر دعمه لصفقة القرن وهو أول من وصفها بهذا الوصف، ثم كذب على الرأي العام عندما صرح بأنه لا يوجد ما يسمى بصفقة القرن وأن هذا المسمى من اختراع الإعلام.

السعودية ومصر: الموافقة المبدئية

 من يتابع تصريحات السعودية ومصر سيلاحظ، وبسهولة، الموافقة المبدئية لكلا النظامين ولولا الملامة لخرج كل من محمد بن سلمان والسيسي في مؤتمر مشترك ليعلنا أنها صفقة العمر ولألقيا باللوم على الفلسطينيين الذين أهدروا فرصا عديدة لحل المشكلة بينهم وبين الكيان الصهيوني على حد تعبيرهما الافتراضي بالطبع.

لم يأت أي من البيانين على كلمة الاحتلال ولا إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 ولا كلام عن القدس ولا الأقصى ولا عن اللاجئين ولا عن قرارات مجلس الأمن ولا الأمم المتحدة ولا الجامعة العربية ولا أي شيء.

على مدار ثلاث سنوات مضت والمنطقة تشهد تحركات في عدة اتجاهات كلها تشي بوجود مخطط لإعادة تقسيم المنطقة وكانت ولا تزال فلسطين هي نقطة البداية، ومن يتابع الأحداث يجد أن قمة الرياض 2017 التي عقدت برئاسة ترمب وحصرها جمع غفير من الزعماء العرب والمسلمين تم استدعاؤهم لحضور القمة وتلقي المقسوم من جلالته لإثبات زعامة الرياض للعالمين العربي والإسلامي، هذه القمة دشنت الخطوات العملية لصفقة القرن.

فعقب انتهاء القمة تمت محاولة غزو قطر لإسكات صوتها وضمها للبلاط السليماني في مملكة آل سعود بحيث يتم قطع صوت قناة الجزيرة المزعج ليستمع السيسي وابن زايد وابن سلمان بسماع صوت عمرو أديب وأحمد موسى وهما يغردان عن صفقة القرن.

لم تمض الأمور على النحو المطلوب وتبين للجميع تورط ترمب وجاريد كوشنر والسيسي وابن سلمان وابن زايد في المحاولة التي أحبطها التحرك القطري نحو تركيا والفيتو الذي أعلنته بريطانيا والجولة التي قام بها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد ولولا ذلك لكان الاعلان عن صفقة القرن تم قبل سنتين على الأقل.

رباعي الشر

تباينت أهداف محور الشر الرباعي السيسي وابن سلمان وابن زايد وابن كوشنر ولكنهم اتفقوا على هدف واحد وهو ابتلاع قطر وتمرير صفقة القرن في هدوء وحيث أن غزو قطر لم يحدث فقد تم الاتفاق على تهدئة الأمور وتعميم خطاب إعلامي مفاده أنه لا توجد صفقة قرن ولا يحزنون وهذا الدور قام به إعلام السيسي بامتياز، كما خرجت تصريحات إيجابية من الملك  سلمان تجاه حقوق الفلسطينيين  ولكن مع تغير الأوضاع  خلال العامين السابقين حيث يعاني ترمب من حصار الكونغرس وتعريته له في اجراءات محاكمته ، كما أن نتنياهو بات قريبا من دخول السجن متهما بالسرقة والرشوة لذا فقد تم ترتيب الأمر على عجل للخروج بالخطة لإخراج الرجلين من أزمتيهما الداخلية أمام الناخبين .

القاسم المشترك في الانتخابات الأمريكية والصهيونية في الكيان الصهيوني هو دور اليهود في حسم الانتخابات الامريكية سواء من حيث الدعم المالي والإعلامي أو الدور السياسي عبر اللوبي الصهيوني هناك، أما في الكيان الصهيوني فالانتخابات تحسم عادة لصالح أي مسؤول قادر على سفك دماء الفلسطينيين أو أي سياسي بمقدوره مصادرة أكبر قدر من أراضي الفلسطينيين.

لم تكن الدول العربية غائبة عن مطبخ الصفقة فمصر كان يهمها وبقدر كبير أن يكون لها دور اقتصادي في الصفقة بحيث تصب الاستثمارات الجديدة في مشاريع مشتركة بين الفلسطينيين والمصريين سواء في سيناء أو داخل ما سيتبقى من أرض للفلسطينيين. أما السعودية فهي ممول الصفقة الرئيس وتريد أن يكون لها كلمة في الموضوع والترتيبات الجديدة بحيث يكون بمقدورها قيادة المنطقة من دون ازعاج من الجيران، الصغار من وجهة نظرها.

أما محمد بن زايد فيمكنني القول إنه وعبر سفيره في أمريكا كان مستشار البيت الأبيض لشؤون الصفقة وهو المحرك الرئيس لتوريط السعودية في الصفقة ولا يتصور أن يخرج من الصفقة من دون مكاسب اقتصادية وسياسية.

الأردن غاب عن الحضور وسيتم منح جزء من أراضيه (غور الاردن) للكيان الصهيوني بكل بساطة، كما غابت سوريا المحتلة أراضيها (الجولان) كما غابت الجامعة العربية لأنها على ما يبدو ليست مهمة ! وظهر في الصورة ثلاثة سفراء مع احترامنا لشعوب بلادهم فإن هذه البلاد ليس لها تأثير ايجابي على القضية الفلسطينية وكل تأثيرها على مدار العقود الماضية سلبي وبامتياز.

تفويت الفرصة

بيان اجتماع وزراء الخارجية العرب ليس نتيجة رؤى الدول العربية وخصوصا الكبرى بحق الفلسطينيين ولا يمثل دعما للفلسطينيين فكثير من الدول ألقت بملف القضية في حجر الأعداء منذ وقت طويل، ولكنهم اضطروا للخروج ببيان الرفض لأن منظرهم أصبح سيئا أمام الشعوب من ناحية، ولأنهم يريدون تفويت الفرصة على الشعوب الرافضة لهم ولسياساتهم بشكل عام وتجاه الصراع العربي الصهيوني على وجه الخصوص.

ولا تتصور عزيزي القارئ أن هؤلاء الحكام قد عدلوا سلوكهم أو أنهم رفضوا الصفقة، لا ليس الأمر على هذا النحو كل ما في الأمر أن الظروف غير مواتية. وحتى إعلان محمود عباس والذي يستحق الإشادة ليس نابعا من اقتناعه بزوال الاحتلال بل كل ما يسعى إليه هو تحسين ظروف الاحتلال.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه