تسليم البشير.. ثورة أم انقلاب؟!

الغريب هو الإلحاح في مسألة تسليم الفريق البشير إلى الجنائية الدولية وعلى يد من ؟ على يد عبد الفتاح البرهان الذي أعلن في منتصف العام الماضي ( ولعله يصدق ) أنه لن يسلم البشير

 

نقلت وسائل إعلام عربية أن منظومة الحكم السودانية الراهنة، التي تمثل تشكيلا سياسيا وعسكريا هجينا يسمى بالمجلس السيادي عن مسؤولين في المنظومة أن السودان وافق على تسليم الفريق عمر البشير للمحكمة الجنائية الدولية ضمن صفقة تتضمن رفع اسم السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب، كما تتضمن الصفقة المشئومة التطبيع مع الكيان الصهيوني وفتح المجال الجوي السوداني أمام الطائرات الصهيونية العابرة إلى أفريقيا وبقية القارات.

هذه صفقة لا تقل سوءا عن صفقة القرن أو بصقة القرن التي يبدو أن هناك تعهدات سعودية ومصرية بدعمها رغم رفضها من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الاسلامي والبرلمان العربي. فقد أعلن عادل الجبير وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية في مؤتمر صحفي أخيرا  أن الصفقة التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وأيدها، وسوق لها جاريد كوشنر زوج ابنته  ايفانكا بها بعض البنود الجيدة التي يمكن البناء عليها.

المزيد من التبعية:

لا أعرف على وجه الدقة ما تلك البنود الجيدة، فهل هي على سبيل المثال الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لدولة يهودية عنصرية؟ أم سيطرة اليهود على الأقصى؟ أم الغاء حق العودة؟ أم منع بل استحالة اقامة دولة فلسطينية طبيعية، إلا بعد اختبار الفلسطينيين لأربع سنوات جديدة؟ أم الاعتراف بيهودية المستوطنات المنتشرة في الوطن الفلسطيني كالنار في الهشيم؟ أم الاعتراف باستيلاء الصهاينة على كل ثروات ومقدرات وتاريخ الفلسطينيين؟ أم الاعتراف والتطبيع مع الكيان الصهيوني؟ أم تجريم حق المقاومة المنصوص عليه في التشريعات الدولية؟ ماذا في صفقة القرن السعودية المصرية الأمريكية، سوى الانبطاح والمزيد من التبعية لا لأمريكا التي على ما يبدو ستترك الصهاينة ليقوموا بدورهم القذر في المنطقة ولعقود مقبلة.

لكن المثير حقا هو أن دولة شقيقة مثل السودان لها تاريخ في النضال والممانعة ضد الكيان الصهيوني يتم اختطاف ثورة شعبها ضد حاكم مستبد ليحل محله مجموعة من الجنرالات الأكثر فسادا واستبدادا وتبعية ليمهدوا الطريق أمام التطبيع مع الكيان الصهيوني وكل ذلك مقابل رفع اسم السودان من قائمة الارهاب وهو قرار ليس مجانيا بالطبع ولن يكون التطبيع ثمنه الوحيد كما ذكرت بل إنه سوف يتعين على السودان دفع تعويضات مليونية لضحايا تدمير المدمرة الامريكية يو اس اس كول التي تم تفجيرها في ميناء عدن عام 2000.

إذن صفقة القرن لها وجوه عدة ليست فلسطين وحدها الضحية بل أيضا السودان ودول عربية عدة سيتم كشف النقاب عن مساعيها للتطبيع مع الصهاينة وربما يصل الأمر إلى الإعلان عن اقامة منظمة جامعة تحل محل الجامعة العربية يكون الكيان الصهيوني عضوا فاعلا ومؤثرا فيها.

تسليم البشير:

الغريب هو الإلحاح في مسألة تسليم الفريق البشير إلى الجنائية الدولية وعلى يد من؟ على يد عبد الفتاح البرهان الذي أعلن في منتصف العام الماضي (ولعله يصدق) أنه لن يسلم البشير، فكيف يسلم البشير وهو الرئيس الذي كان أحد أهم معاونيه العسكريين وأحد المنقلبين عليه أيضا..

هل لفت نظرك عزيزي القارئ هذا الأمر؟ أن البرهان هو من انقلب على البشير الذي أتى به كما أتى بـ(حميدتي) تاجر الجمال والذهب أيضا، ثم إذا بهؤلاء الجنرالات يبيعونه أو سوف يبيعونه في أقرب سوق للنخاسة لماذا؟ لأن حاكم الإمارات الوحيد والفريد يريد أن يرى البشير خلف قضبان المحكمة الدولية حتى يثبت لنفسه وللعالم أنه من يحكم المنطقة وأنه أرسل البشير (الاسلامي) إلى المحاكمة حتى لا يفكر إسلامي آخر في الوصول إلى السلطة، تماما كما فعل السيسي وجنرالاته حين قتلوا الرئيس الشهيد محمد مرسي عليه رحمة الله.

ما يلفت النظر وأنا أتابع الوضع السياسي في سوريا أنه ومنذ العام 2013 والمنظمات الدولية وبعض وزراء خارجية أوربا والعرب كانوا يطالبون بمحاكمة بشار الأسد أمام الجنائية الدولية بعد ارتكابه مجازرة عدة ضد شعبه وكلها جرائم مثبتة بالصوت والصورة  في الغوطة وجديدة الفضل و داريا ومعرة النعمان و الحولة والقبير ونهر حلب وجزرة البيضاء وحصار حلب وغيرها من مجازر وحشية كانت إحداها كفيلة بتحويله للمحاكمة الدولية لو كان العالم يكيل بمكيال واحد بل بعدة مكاييل .  ولكن وللأسف يتمتع بشار الأسد اليوم بغطاء سياسي ودعم سعودي واماراتي وصهيوني لكي يستمر في السلطة من أجل مواجهة تركيا على أمل استنزاف تركيا العائدة وبقوة كقوة اقليمية جديدة .

ماذا يمنع العالم المسمى بالحر من إحالة بشار إلى المحاكمة سوى أن هذا العالم المسمى بالحر يقيم علاقاته على أساس المصالح والمصالح فقط ومصلحته الآن هي في دعم بقاء النظم المستبدة التي من الممكن الضغط عليها للتطبيع مع الصهاينة مقابل استمرارها في السلطة لعقود ظنا من هذا العالم الحر!!! أن تطبيع الحكام المستبدين مع الصهاينة يشكل حماية لهذا الكيان والحقيقة المزعجة لهؤلاء أن الشعوب العربية تحديدا غير مستعدة للعفو ولا الصفح عن جرائم الصهاينة واحتلالهم أرض فلسطين وسوريا ولبنان والأردن ولا يزالون يسيطرون عليها بدون جيش الاحتلال.

 قد يمثل البشير أمام المحكمة لكن ثمة حقائق لابد وأن جنرالات الجيش السوداني التي تحكم اليوم تعلم قبل غيرها أن البشير لن يسكت إذا وقف خلف القضبان وأنه قادر على الحديث عن كل شركائه الذين يحكمون اليوم، وأعتقد أن تجارالإبل والذهب يعلمون هذه الحقيقة المؤلمة التي لا يمكن اسكاتها إلا بالحيلولة دون تسليمه إما بقتله وهذا لن يمر في بلد مثل السودان أو بالمماطلة في تسليمه وذلك حل وسط قبل أن يكتشف الجنرالات أنهم باعوا كل شيء ولم يحصلوا على شيء.

 البشير كان حاكما مستبدا يستحق المحاكمة من شعبه وأمام شعبه والتاريخ والشعب سيحكمان عليه، ولكن ما يجري الآن يضعنا أمام تفسير جديد لما جرى فيما يسمى بالثورة الأخيرة في السودان التي على إثرها تم خلع البشير وهل ما جرى كان ثورة أم انقلاب.

 

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه